المساجد تقسم قطاع غزة لمناطق نفوذ

لكل تنظيم إسلامي جوامعه ورواده

TT

بعد صلاة العصر من كل يوم خميس يعج الشارع المتفرع عن مفترق المزلقان، شمال مخيم النصيرات للاجئين وسط قطاع غزة بمجموعات من الرجال والشباب والأطفال الذين يتجهون غربا، بعضهم يحمل أغطية استعدادا للمبيت.

إنهم عناصر جماعة التبليغ والدعوة، إحدى أهم الجماعات الناشطة في قطاع غزة في مجال الدعوة، ووجهتهم المسجد المركزي للجماعة الذي يقع على بعد 500 متر عن المفترق.

هذا الموعد أسبوعي يلتقي فيه أكبر عدد من عناصر هذه الجماعة التي لا تحمل أي أجندة سياسية وتكتفي بالأنشطة الدعوية، وهو ما جعلها على علاقة وفاق مع جميع التنظيمات والحركات الإسلامية، بل إن زعيمها الشيخ علي الغفري يعد من الشخصيات المؤثرة الذي يتوسط في الخلافات التي تنشب بين هذه الجماعات، وقد كان للشيخ الغفري دور واضح في التوسط بين بعض جماعات السلفية الجهادية وحركة حماس.

وتملك هذه الجماعة عددا من المساجد والمؤسسات الطبية والتعليمية، حيث يتركز تواجدها في مدينة غزة على وجه الخصوص، وإن كان لها مركزان رئيسيان في كل من وسط القطاع وخان يونس في جنوبه.

وتسيطر كل حركة من الحركات والجماعات الإسلامية في القطاع على مساجد يتناسب عددها مع حجم الجماعة وانتشارها الجماهيري، فتحتفظ حركة حماس بالأغلبية الساحقة من المساجد الخاصة التي لا تعود لوزارة الأوقاف، فعلى سبيل المثال، في مخيم المغازي للاجئين، وسط القطاع تملك الحركة 4 مساجد من أصل 8 في المخيم، وفي بعض المناطق تسيطر الحركة على 80%، مستغلة امتدادها الجماهيري الواسع مقارنة ببقية الحركات الإسلامية. وأما السلفية الجهادية في المقابل فإنها تتبنى أفكار تنظيم القاعدة بقيادة أسامة بن لادن، وتتهم على نطاق واسع بالمسؤولية عن استهداف المقاهي وصالونات التجميل ودور الترفيه في القطاع، بالإضافة إلى استهدف القوات الإسرائيلية، عبر إطلاق القذائف الصاروخية على المستوطنات في محيط القطاع.

وقبل 8 أشهر أعلن زعيم السلفية الجهادية عبد اللطيف موسى في أحد مساجدهم في مدينة رفح، عن إقامة إمارة إسلامية كتحدٍ لحكومة حماس المقالة، وحتى تاريخ هذا الاشتباك حافظت الجماعة على عدد قليل من المساجد والمراكز الثقافية، سيما في جنوب القطاع، لكنها لم تعد تملك أيا من هذه المؤسسات بعد أحداث رفح التي أسفرت عن مقتل 32 شخصا من رجال الشرطة وعناصر السلفية الجهادية، من بينهم موسى نفسه. ويقول أبو أحمد المهاجر أحد قادة السلفية الجهادية في قطاع غزة لـ«الشرق الأوسط»: إن حماس وحكومتها تحاول نزع الشرعية عن حق جماعته في العمل الجهادي والإسلامي عبر إبعادها عن المساجد، معتبرا أن حماس بذلك تريد إبعاد قادة ودعاة السلفية الجهادية عن الاحتكاك بعناصر حماس.

وأشار أبو أحمد إلى أن هذا السلوك يدلل على هشاشة الأفكار التي تحملها حماس وعدم ثقتها في جدارة هذه الأفكار، وأوضح أن حماس تحاول دفع الناس للانفضاض عن السلفية الجهادية عبر اتهامها بأنها «جماعات تكفيرية»، منوها بأن جماعته لم تكفر أحدا، متهما حماس بأنها تحاول عبر كيل هذه التهم إبعاد الشباب عن السلفية الجهادية بكل الطرق، وشدد على أن إبعاد الدعاة عن المساجد يتعارض مع صريح الدين.

ويرى الدكتور يحيى موسى نائب رئيس كتلة حماس في المجلس التشريعي أن المساجد في قطاع غزة ساحة من ساحات الوئام والتوافق، ودليل على السلم الأهلي، مشددا على أن الذي يدلل على أن حكم حماس لا يستهدف جماعات إسلامية لمجرد أنها تحمل أفكارا تختلف معها، حقيقة أن جميع الحركات الإسلامية التي لا تتفق مع حماس في كثير من المواقف تدير مساجد في القطاع بحرية تامة ولا يتم التدخل في شؤونها، وشدد في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» على أن قطاع غزة يتميز عن مناطق كثيرة في أنحاء العالم الإسلامي بعدم وجود خلافات مذهبية وطائفية تؤدي إلى سفك الدماء والاشتباك، وأضاف أنه عندما يبرز أحد ليثير بذور الانشقاق فإنه لا بد من معالجة هذه الأوضاع، معتبرا أن هذا ما تفرضه المسؤولية، وأشار إلى أن العالم قرية صغيرة واحدة، حيث يتأثر الناس بالأفكار، ومن صور هذا التأثر تبني الأفكار المتطرفة التي تهدد السلم الاجتماعي، مشيرا إلى أن الفيصل في هذا الأمر هو الاحتكام إلى روح القانون، وتابع القول: «إن حماس تضمن حرية العبادة للمسيحيين الذين تعاملهم كمواطنين متساوين في الحقوق، وهي أيضا تضمن حرية العبادة للمسلمين بغض النظر عن توجهاتهم السياسية، ما داموا لم يلجأوا للاحتكام للسلاح في حسم الخلافات».

وتحتفظ حركة الجهاد الإسلامي، التي تعتبر أحد أكثر التنظيمات الإسلامية منافسة لحركة حماس بعدد من المساجد، حيث تحافظ الحركة على مسجد على الأقل في كل مخيم أو بلدة أو مدينة، ونشبت في الماضي خلافات كبيرة بين الجهاد وحماس على خلفية النزاع حول المساجد في عدد من المناطق، ويقول داود شهاب الناطق بلسان الحركة لـ«الشرق الأوسط»: إن هذه الخلافات انتهت تماما، مشيرا إلى تشكيل لجنة ميدانية من الطرفين لحل النزاعات التي تنشب بين عناصر الحركتين في المساجد، وشدد شهاب على أن عمل اللجنة أسفر عن نتائج هامة جدا، مؤكدا أنه لا يوجد حاليا أي نزاع بين الطرفين في أي مسجد من مساجد القطاع.