إمام فرنسي يرى الأصولية العدو الحقيقي للإسلام

الشيخ شلغومي لـ «الشرق الأوسط»: الإسلام ليس بطول اللحية وقصر الجلباب

الشيخ حسن شلغومي (نيويورك تايمز)
TT

الداعية الفرنسي، حسن شلغومي، يؤمن بمنهج الوسطية والحوار بين الأديان، ويهاجم النقاب بحدة، على الرغم من أن زوجته الفرنسية، من أصول تونسية، محجبة، ويعتبر المثل الأعلى لجيل جديد من الأئمة المعتدلين، لكنه على الجانب الآخر يعيش في خوف وقلق بسبب تهديدات على حياته تلقاها من الأصوليين. ويبلغ الشيخ حسن شلغومي من العمر 38 عاما، وهو من تونس العاصمة جاء إلى باريس عام 1996، وهو إمام مسجد درانسي شمال شرق العاصمة باريس، وهو يؤيد علانية حظر النقاب في فرنسا، ويعارض بشدة التيار الأصولي، ويعتبره تشويها للإسلام والمسلمين، ويروج لما يسمى بـ«الإسلام الجمهوري»، الذي يركز على فرنسا. وقال في اتصال هاتفي أجرته معه «الشرق الأوسط»، أمس: «ديننا الحنيف ليس بطول اللحية وقصر الجلباب، إنه دين الوسطية والرحمة المهداة إلى الناس جميعا، وليس دين المظاهر».

ويعد شلغومي، الذي يبلغ من العمر 38 عاما، أفضل إمام يمكن أن يحلم به الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي. يؤيد شلغومي الحظر على ارتداء النقاب؛ ويعارض الراديكالية الدينية؛ ويروج لما يسمى «الإسلام الجمهوري»، الذي يركز على فرنسا؛ كما يفضل الحوار مع يهود فرنسا.

بيد أن شلغومي تلقى أيضا تهديدات بالقتل بسبب مواقفه المعلنة، وخصوصا تأييده للحظر على ارتداء النقاب، بما في ذلك النقاب الأسود، الذي يغطي كامل الوجه فيما عدا العينين. هناك أصوات معارضة بين المصلين في مسجده، الذي يرتاده نحو 2500 مصلٍ ويقع في درانسي شمال شرقي باريس. وأطلق عليه «إمام اليهود». وقد تظاهر شباب يرتدون القلنسوات، وكثير منهم ملتحون، مرتين داخل المسجد، وطالبوا في صلاة الجمعة قبل أسبوعين باستقالته. وهتف البعض «غضب الله عليك»، وهو ما فهمه شلغومي على أنه تهديد.

وصرح شاب يدعى كريم حشاني لصحيفة على الإنترنت تسمى «rue89.com» بأن «الغالبية العظمى من الناس في المسجد لا يوافقون مطلقا على ما يقوله شلغومي» عن الحجاب «وما صدمنا هو أنه قال ذلك باعتباره إمام درانسي».

وكان حشاني قد شاهد مقطعا مرئيا يظهر شلغومي حاضرا في أحد المراسم اليهودية، وهو ما سبب له صدمة. «لقد قالوا لشلغومي إنك منا، وهذا ما يخيفنا. لا مشكلة في التقارب مع اليهود؟ ولكن ليس إلى هذا الحد». وكان شلغومي الذي ولد في تونس قد أتى إلى فرنسا في نهاية عام 1996 وكان عمره وقتها 24 عاما. وعند سؤاله عما إذا كان يشعر بالقلق بشأن سلامته، ابتسم في خجل. وقال وهو يضحك بصوت منخفض: «إنها أمي التي تشعر بالقلق. لقد أخبرتني أمي لن يدعك بن لادن ورفاقه طليقا».

وكانت المشكلة الأخيرة التي واجهته ناجمة عن موقفه بشأن النقاب، وهو ما اعتبره رمزا لعدم المساواة من دون أن يكون له مبرر في الإسلام أو القرآن. وقال إن الذين يؤيدون النقاب في فرنسا جهلاء. إن النقاب نفسه يؤدي إلى عزلة المسلمين داخل فرنسا ويخيف الكثيرين.

وبسؤاله عما إذا كان اختيار ارتداء النقاب ليس أيضا صورة من صور التعبير عن الحرية، قال ببساطة «الحرية لها حدود» مضيفا «إذا أثارت بعض صور الحرية الكراهية، فذلك ليس جيدا. وهل سيعرض هذا الجانب الطيب للإسلام؟ لا أعتقد ذلك. ينبغي للفرد احترام مشاعر الآخرين».

وقال إن «الفرنسيين لم يقبلوا الحجاب، فكيف تتوقع منهم أن يقبلوا النقاب؟».

وأضاف: «يعتقد الناس أن الإسلام دين ظلامي ومنغلق، وأن النساء فيه مسجونين والرجال لا يفكرون إلا في الجنس. يا لها من صورة سيئة.. إنني أرفض هذا المفهوم». وقال إن زوجته، وهي فرنسية من أصول تونسية، ترتدي الحجاب. بيد أنه ينظر إلى النقاب على أنه علامة من علامات الراديكالية، ليس في فرنسا فحسب، بل في العالم أجمع، وهو اتجاه بدأ مع الثورة الإسلامية في إيران.

وقال إن الراديكالية تنمو في فرنسا بسبب الجهل.. «لا يوجد اطلاع كبير على الإسلام هنا. لقد سمعت الشباب يقولون إنهم يكرهوننا».

وقال من السهل التأثير على الشباب الجاهل المولود في فرنسا. «يُقال لهم.. إن أعداءك هم اليهود والولايات المتحدة والغرب. هذا هو الواقع، ولا ينبغي أن يكون خفيا».

وقال إن أطفال المهاجرين منعزلون. يقول الآباء إنهم سيعودون إلى أوطانهم، حيث إن الفرنسيين ينظرون إليهم على أنهم أجانب، كما يُنظر إليهم في بلادهم بشيء من السخرية لأنهم لا يتحدثون اللغة العربية. «إنهم مرفوضون في كل مكان، لذا فبمجرد أن يعثروا على التيار الديني الذي يقبلهم، يكونون على استعداد للانخراط فيه. إنهم يستعيدون الثقة بالنفس والشجاعة، وهذا هو نوع التلاعب الذي نعاني منه في فرنسا».

وقال: «عندما يكون لديك نموذج إسلامي منقسم إلى تيارات تتلاعب بها دول أجنبية، يكون لديك إسلام قوميين. لكن معظم المسلمين هنا لا يريدون ذلك؛ إنهم يرغبون في أن يكون لديهم نموذج إسلامي فرنسي، يتلاءم مع حياتهم، ويريدون إماما تعالج خطبه المشكلات التي يواجهونها».

ونشأ شلغومي في تونس في وقت الاضطراب السياسي عندما بدأت الأحزاب الإسلامية تسيطر على العمل السياسي في المغرب العربي وبدأت الحكومات اتخاذ إجراءات صارمة ضدها. قال إنه كان صبيا طويل القامة ووسيما، وإنه يفضل الكلمات لا اللكمات. وأصبح مهتما بالدين الإسلامي في سن 14 عاما، وسمح له أبواه بعد تردد بالدراسة في جامعة الزيتونة الشهيرة في تونس. ثم سافر بعد ذلك إلى الهند وباكستان، ودرس المذاهب المختلفة للإسلام. وقال في نفس الوقت «لاحظت نظام تجنيد الأفراد للجهاد». ويستعد شلغومي لإصدار كتاب بعنوان «الإمام الجمهوري». وفي الوقت الذي يحظى فيه بإشادة الحكومة واليهود الفرنسيين، ينظر إليه القادة المسلمون الآخرون بشيء من الريبة. وقال محمد حنيش، رئيس اتحاد المنظمات الإسلامية في منطقة السان سان ديني، إن شلغومي يملأ فراغا، لكنه جريء للغاية. وأضاف أن «ما يفعله جدير بالاحترام؛ فإنه يفي بإحدى الاحتياجات.

*شاركت في هذا التقرير مايا دو لا باوم خدمة «نيويورك تايمز»