بدء عملية «مشترك» العسكرية في أفغانستان.. في أكبر هجوم على طالبان منذ 2001

مصادر من «إيساف» لـ «الشرق الأوسط»: هجوم جوي سيكون الأضخم منذ حرب الخليج > هدف العملية السيطرة على «مستودع» الأفيون العالمي

مشاة البحرية الاميركية «مارينز « يفجرون عبوات ناسفة زرعها مسلحو طالبان في المناطق المحيطة بمارجا أمس ( ا ب )
TT

شهدت أفغانستان، أمس، أكبر عملية عسكرية لقوات التحالف الدولي على أراضيها منذ عام 2001، وتهدف العملية الواسعة النطاق التي تشارك فيها الآلاف من القوات الأجنبية التابعة للناتو والقوات الأفغانية إلى بسط سلطة الحكومة الأفغانية على ولاية هلمند «مستودع» الأفيون العالمي، وتستهدف الحملة التي أطلق عليها اسم «مشترك» باللغة الدارية وترجمتها تعني كلمة «معا»، والتي يشارك فيها أكثر من 15 ألف جندي «تطهير منطقة مارجا وسط إقليم هلمند من أكثر من ألف من أفراد طالبان فيها». يذكر أن مدينة مارجا تعتبر أكبر التجمعات السكانية الخاضعة لسيطرة حركة طالبان في الجزء الجنوبي من أفغانستان. وقالت مصادر أفغانية مطلعة لـ«الشرق الأوسط» أمس في العاصمة كابل إنه ليس هناك «ازدواجية بين مشروع المصالحة الأفغانية الذي كشف عنه مؤتمر لندن نهاية الشهر الماضي، وهجوم عملية مشترك على مارجا في هلمند»، موضحة: «الحكومة الأفغانية تريد أن تضعف طالبان، حتى تدخل في مفاوضات السلام من موقع قوة وليس من موقع ضعف». فيما أشارت مصادر مطلعة من قوات إيساف في العاصمة كابل لـ«الشرق الأوسط» إلى أن «الهجوم الجوي سيكون الأكبر منذ نزول فرقة أميركية كاملة محمولة جوا في الصحراء العراقية في حرب الخليج عام 1991».

وأضافت المصادر أنه في معسكر «باستيون» يتدفق الرجال والنساء على القاعدة بطائرات الأباتشي المقاتلة الجديدة، والمنقولة على متن طائرات النقل الجوي «سي 17»، مشيرة إلى أنه تم إعداد القرويين الذين يقطنون في مناطق تسيطر عليها طالبان لهذه الحملة بتوزيع المنشورات عليهم منذ أيام كما تم الاتصال بشيوخ القبائل.

وعملية «مشترك» هي أكبر عملية للقوات الدولية منذ إعلان الرئيس الأميركي باراك أوباما في ديسمبر (كانون الأول) الماضي عن إرسال ثلاثين ألف جندي أميركي إضافي خلال العام الحالي من أجل «قلب مسار» الحرب في أفغانستان، حيث تتصاعد حركة التمرد التي تقوم بها حركة طالبان. وأعلنت القوة الدولية للمساعدة على إحلال الأمن في أفغانستان (إيساف) التابعة لحلف شمال الأطلسي أن «حكومة جمهورية أفغانستان الإسلامية أعلنت اليوم أن تحركات عسكرية حاسمة للتطهير في إطار عملية مشترك بدأت في وسط هلمند». وأشارت إلى مشاركة 15 ألف رجل بينهم 2500 أفغاني.

وقالت كابل والقوات الدولية إن «مشترك» هي المرحلة الأولى من عملية واسعة تهدف إلى بسط سلطة الحكومة الأفغانية في ولاية هلمند أحد معاقل المتمردين الإسلاميين و«مستودع» الأفيون. وأفغانستان هي أول منتج في العالم للأفيون الذي تستفيد طالبان من جزء كبير من عائداته.

ويصف مسؤولون عسكريون العملية بأنها أكبر هجوم تشنه القوات الدولية منذ بداية الحرب في نهاية 2001، بعد طرد طالبان من السلطة. لكن المتمردون سخروا من العملية التي «أحيطت بضجيج إعلامي كبير» ضد مارجا «المنطقة الصغيرة جدا» على حد قولهم. وقالت إيساف في بيان إن «العملية التي أطلقت تهدف إلى تخليص المنطقة من المتمردين وخلق الظروف للحكومة الأفغانية لإحلال مزيد من الأمن والاستقرار والتنمية ودولة القانون وحرية الحركة وإعادة الإعمار». وبدأ الهجوم البري رسميا بعيد منتصف ليلة، أول من أمس، بغطاء جوي لطائرات ومروحيات القوة الدولية. ولا يمكن التحقق من الأخبار التي تقدمها السلطات الأفغانية وحلف شمال الأطلسي لأن الصحافيين منعوا من دخول المنطقة حاليا. وقال حلف الأطلسي إن جنود مشاة البحرية الأميركية (المارينز) والقوات البريطانية والأفغانية ستشن الهجوم الذي تشارك فيه وحدات دنماركية وإستونية وكندية.

وقالت السلطات المحلية إن آلاف السكان فروا قبل الهجوم. وتقدر مصادر عسكرية عدد مقاتلي طالبان المتحصنين في مارجا بما بين 400 وألف. وقد وعد الناطق باسمهم في الأيام الأخيرة بمقاومة المهاجمين، موضحا أن طالبان «ستلجأ إلى تكتيكاتها العادية باستخدام عبوات ناسفة يدوية الصنع والمزروعة على حافة الطريق ونصب كمائن». وخلال الهجمات السابقة في هلمند أو غيرها لم يتواجه مقاتلو طالبان مع القوات الدولية مباشرة، وتراجعوا إلى المناطق الجبلية الوعرة أو انتشروا بين السكان. لكن عدد من الخبراء والمسؤولون العسكريون يرون أن مارجا ليست سوى واحد من معاقل طالبان.

ويمكن أن يشكل هذا الهجوم أول اختبار للاستراتيجية الجديدة التي وضعها لإدارة باراك أوبامان الجنرال الأميركي ستانلي ماكريستال قائد إيساف. وتصاعدت حركة التمرد التي تقوم بها طالبان في السنتين الأخيرتين، وامتدت إلى كل البلاد تقريبا، بينما ضاعف المتمردون هجماتهم في قلب كابل نفسها. وحسب مراقبين في العاصمة الأفغانية كابل فإنه: «إذا ما نجحت العملية، فسترسخ منهجا جديدا في مكافحة التمرد يسنه الجنرال ستانلي ماك كريستال (قائد القوات في أفغانستان) والذي يصر على أن يكون للأفغان دور رئيسي، وأن تؤيد حكومة كابل العملية». ونقلت عن الميجر جنرال البريطاني نك كارتر من مقره في قندهار قوله إن «الطريق لهزيمة طالبان هي أن تبين للناس أنهم سيكونون أفضل حالا تحت حكومة أفغانستان عما هم عليه الآن، بما تقدمه لهم طالبان». وتعد منطقة مارجا إحدى أهم مناطق إنتاج الأفيون في ولاية هلمند الجنوبية. وهي الهدف الأول في العملية العسكرية الرامية إلى بسط سيطرة الحكومة الأفغانية على المناطق الواقعة تحت سيطرة المتمردين. ويشارك نحو 4500 من مشاة البحرية الأميركية و1500 جندي أفغاني و300 جندي أميركي في الهجوم. وقال مسؤول في حلف شمال الأطلسي، طالبا عدم الكشف عن اسمه، «الأنباء التي تتحدث عن انطلاق العملية العسكرية صحيحة».

وأوضح الناطق باسم حاكم ولاية هلمند داود احمدي أن منشورات وزعت على مارجا جاء فيها «لا تؤووا طالبان، امنعوهم من دخول أراضيكم، القوات قادمة لمساعدتكم، إننا نأتيكم بالسلام فانعموا بالسلام والازدهار». كما تناقلت الإذاعات المحلية الرسالة. وأعلن الناطق باسم حاكم الولاية «نشجع الناس أيضا على إبلاغ القوات الأفغانية بمواقع المتفجرات». وكان وزير الدفاع البريطاني قد حذر من احتمال سقوط كثير من الضحايا في صفوف القوات الغربية في هذه العملية. وقال الوزير البريطاني بوب اينسورث: «بالطبع، يجب أن نتوقع سقوط ضحايا عندما نشترك في عمليات كهذه». وأضاف: «ليست هذه بيئة آمنة بأي حال من الأحوال، ومهما كانت كمية ونوعية المعدات التي نزود بها جنودنا فلن نتمكن من جعل هذه العمليات آمنة مائة في المائة».

وقتل 20 من متمردي طالبان على الأقل في الهجوم، حسبما أعلن مسؤول كبير في الجيش الأفغاني لوكالة الصحافة الفرنسية. وقال الجنرال شير محمد زازاي، قائد القوات الأفغانية في مارجا «في الوقت الراهن قتلنا 20 متمردا مسلحا وأسرنا 11 آخرين». فيما قتل خمسة جنود أجانب بينهم ثلاثة جنود أميركيين، عندما انفجرت قنبلة مصنعة محليا في جنوب أفغانستان.

وأكدت قوة «إيساف» وفاة الجنود الثلاثة، لكنها قالت إنهم ليسو جزءا من العمليات الكبيرة في إقليم هلمند جنوب أفغانستان.

وقال ساردار محمد زازاي، رئيس شرطة الإقليم، إن مهاجما انتحاريا هاجم أيضا قافلة بقيادة حلف الناتو في مدينة قندهار. ولم يستطع أن يقول ما إذا كانت هناك خسائر في الأرواح أم لا. لكن محمد نادر، أحد سكان منطقة باغ البول، قال إن مروحيات تابعة للناتو هبطت في المنطقة، مما يشير إلى احتمال وقوع خسائر في الأرواح. وتقوم قوات الناتو غالبا بإجلاء ضحاياها باستخدام المروحيات.

إلى ذلك، دعا الرئيس الأفغاني حميد كرزاي أمس مقاتلي طالبان في إحدى المدن الجنوبية إلى إلقاء السلاح بعد ساعات من بدء القوات الأفغانية وقوات حلف شمال الأطلسي الهجوم. واقتحم قرابة سبعة آلاف من جنود مشاة البحرية الأميركية (المارينز) والقوات الأفغانية الأراضي الزراعية ومدينة مارجا الرئيسية، وهي منطقة مضطربة في إقليم هلمند المضطرب، فيما اقتحم آلاف آخرون بينهم قوات بريطانية منطقة وسط هلمند. وقال الرئيس الأفغاني في بيان «أدعو كل (مقاتلي) طالبان في أفغانستان لاستغلال هذه الفرصة لنبذ العنف والاندماج مجددا في المجتمع المدني مع باقي المواطنين الأفغان من أجل رخاء بلادهم».

كما دعا كرزاي القوات الأفغانية وقوات الناتو أيضا إلى «توخي الحذر الكامل لتجنب تعريض المدنيين للخطر.. واستشارة المواطنين المحليين، والتنسيق الكامل لتحركاتهم، وتجنب استخدام القوة الجوية في المناطق التي قد يتعرض فيها المدنيون للخطر».

وقبل أيام من بدء العملية، غادر مئات من مواطني مارجا مدينة لاشكارجاه عاصمة الإقليم، غير أن البعض قالوا إن معظم السكان البالغ عددهم 80 ألف نسمة بقوا في منازلهم، لكن ذلك يرجع لعجزهم عن تحمل تكاليف الانتقال، أو لأنهم لم يريدوا أن يتركوا كل ممتلكاتهم ويغادروا.

من جهته، قال داود أحمدي، المتحدث باسم حاكم هلمند، إن القوات الدولية والأفغانية «أحرزت تقدما كبيرا في الساعات الأولى»، غير أن عددا كبيرا من القنابل التي كانت مزروعة على جوانب الطرق أبطأت مسيرتهم. فيما قال اللفتنانت جوش ديدامز، الناطق باسم المارينز في هلمند، إن «المروحيات أنزلت في الساعة 2.30 قوات مشتركة في مدينة مارجا». وأضاف «نتقدم على الأرض ونواجه مقاومة قليلة». وأكد الجنرال محيي الدين غوري، قائد الجيش الأفغاني في هلمند، لوكالة الصحافة الفرنسية أن «العملية انطلقت بنجاح كبير، وتواجه قواتنا التي دخلت المنطقة بعض المقاومة».