الإدارة الأميركية تركز على قتل الإرهابيين أكثر من اعتقالهم

التطورات في الاستطلاع الإلكتروني والاستهداف الدقيق سهلت اقتناص قيادات «القاعدة»

صالح النبهان زعيم القاعدة في شرق أفريقيا
TT

عندما لاحت فرصة لاستهداف زعيم تنظيم القاعدة في شرق أفريقيا خلال سبتمبر (أيلول) الماضي، أعدت القوات الخاصة الأميركية الكثير من الخيارات، وكانوا يستطيعون استهداف سيارته من خلال ضربة جوية وهو يقودها جنوب الصومال، أو إطلاق النيران من مروحيات يمكنها الهبوط للتأكد من أنه قتل، أو محاولة إلقاء القبض عليه حيا.

واختار البيت الأبيض الخيار الثاني، ففي صباح 14 سبتمبر أقلعت مروحيات من سفينة أميركية قبالة السواحل الصومالية لتستهدف سيارة كان فيها صالح علي نبهان. وبينما كانت مروحيات كثيرة تحلق في الأعلى، هبطت واحدة ليتمكن الجنود من الحصول على أشلاء تكفي للثبت في اختبارات الحامض النووي. وبعد دقائق، عادت المروحيات إلى السفينة.

ونُظر إلى الضربة على أنها نجاح كبير، بحسب ما يقول مسؤولون بارزون في الإدارة والجيش، تحدثوا شريطة عدم ذكر أسمائهم، لأن الحديث يتطرق إلى عملية سرية، وبسبب قضايا أخرى حساسة. ومع ذلك، ضاعت فرصة استجواب أحد أبرز الإرهابيين الذين تستهدفهم الولايات المتحدة.

لقد كان القرار المتعلق بنبهان واحدا ضمن عدد من الخيارات الشبيهة التي واجهتها الإدارة الأميركية خلال العام الماضي، حين كثف الرئيس الأميركي باراك أوباما من الهجمات الأميركية ضد قيادات تنظيم القاعدة وحلفائه في مختلف أنحاء العالم. وكانت النتيجة عشرات من عمليات القتل، ولا تقارير عن عمليات اعتقال لأشخاص بارزين.

وعلى الرغم من أن مسؤولين بارزين في الإدارة يقولون إنه لا يوجد قرار سياسي يركز على القتل أكثر من الاعتقال، فقد أدت عوامل كثيرة إلى ترجيح الكفة في هذا الاتجاه. لقد سمحت إدارة أوباما بعدد من هذه الهجمات أكبر مما سمحت به إدارة جورج دبليو بوش خلال أعوامها الأخيرة، ومن بينها عمليات داخل دول، كانت العمليات الأميركية فيها غير مرحب بها رسميا، أو تكتنفها مخاطر كبيرة. وقد جعلت التطورات في الاستطلاع الإلكتروني والاستهداف الدقيق من عمليات القتل عن بعد شيئا مؤكدا بدرجة أكبر.

ولكن السيناتور كريستوفر بوند، من ولاية ميسوري، الجمهوري البارز في لجنة الاستخبارات بمجلس الشيوخ، قال يوم الجمعة: «بعد مرور عام على توليها مهامها، لا تزال الإدارة عاجزة عن الإجابة عن تساؤلات صعبة بخصوص ما يجب القيام به إذا كانت هناك فرصة لأسر إرهابيين في الخارج واعتقالهم، وهو الأمر الذي جعل عناصرنا المشاركة في الحرب على الإرهاب تتردد في أسرهم، كما ترك حلفاءنا في حالة من الحيرة. إذا كان هناك خيار بين القتل والأسر، فيحتمل أن نقتل».

ويتحدث بعض المسؤولين العسكريين والاستخباراتيين عما يرون أنه ميل حديث إلى القتل، ويتساءلون عن شأن ضياع معلومات استخباراتية مهمة خلال هذه العملية. وقال مسؤول عسكري بارز عن عملية نبهان: «أردنا الحصول على سجين، لم يكن ذلك خيارا قمنا به». ويقول مسؤول استخباراتي سابق مطلع على العمليات الجارية، إنه حتى خلال إدارة بوش «كان هناك ميل إلى (إطلاق النار على المجرم)، ولكن حاليا توجد رغبة أكبر في القيام بذلك. ونحتاج إلى القدرة على الأسر عندما يسمح الموقف بالقيام بذلك». ومن المشكلات التي ذكرها أشخاص داخل الحكومة وخارجها، قضية المكان الذي سوف يُذهب بالأسرى إليه خارج مناطق الحرب القائمة والدول المتعاونة. ويقول الضابط العسكري البارز: «كنا نحاول اتخاذ قرار بخصوص ذلك على مدى أكثر من عام»، وأضاف أنه «عندما لا تكون لديك سياسة اعتقال أو مجموعة من المنشآت، فيصبح القرار أكثر صعوبة».

وقد تعهدت إدارة أوباما بإغلاق معتقل غوانتانامو في كوبا، وعارض الكونغرس نقل أي من المعتقلين الباقين، والبالغ عددهم نحو 190 معتقلا، ناهيك عن المشتبه في ضلوعهم في الإرهاب، الذين ألقي القبض عليهم مؤخرا، إلى الولايات المتحدة. وتم إغلاق سجون «المناطق السوداء» جميعها التابعة لوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية، وأكد مسؤول أميركي مشارك في التخطيط للعمليات، أن الوكالة لا يوجد لديها أي مشتبه في ضلوعه في الإرهاب داخل السجون. وعلى الرغم من أن وكالة الاستخبارات المركزية تحتفظ بالحق في الإبقاء على مشتبه في ضلوعهم في الإرهاب لفترة قصيرة، فإن «أي معتقل سوف ينقل سريعا إلى سجن عسكري، أو يحبس لدى حكومة حليفة».

وأكد مسؤولون عسكريون أن المشتبه في ضلوعهم في الإرهاب يُلقى القبض عليهم داخل العراق وأفغانستان. ولكن، داخل العراق يجب الحصول على موافقة الحكومة هناك مسبقا على عمليات مكافحة الإرهاب وتنفيذها مع القوات العراقية، ويجب تسليم السجناء جميعهم إلى بغداد. وداخل أفغانستان، من المقرر تسليم السجن الكبير الذي تديره الولايات المتحدة، في قاعدة باغرام الجوية، إلى الحكومة الأفغانية نهاية العام الحالي. ويبلغ عدد السجناء هناك 750 سجينا، من بينهم نحو 30 أجنبيا، البعض منهم أسر داخل دول أخرى وأحضر إلى هناك. ولكن، تم إقصاء هذا الخيار بدرجة كبيرة، بسبب قرارات قانونية أخيرة، وقيود من جانب الحكومة الأفغانية.

وقال المسؤول العسكري البارز إنه «في بعض الحالات» أخذ أسرى داخل أفغانستان إلى «منشآت أخرى» تديرها قوات العمليات الخاصة. وأضاف أن عمليات الاعتقال هذه، حتى لو كانت بصورة مؤقتة، أصبحت تمثل صعوبة أكبر بسبب مخاوف قانونية، وأخرى مرتبطة بحقوق الإنسان.ويقول مسؤولون بارزون في الإدارة والجيش إنه خارج مناطق الحرب القائمة، فإن طريقة تنفيذ عملية عسكرية والاختيار بين القتل أو الأسر تعتمد على المكان الذي تقع فيه، والهيئة الأميركية المشاركة في ذلك. وقد شارك أميركيون في عمليات تستهدف محاربة الإرهاب مع قوات محلية داخل إندونيسيا، والفلبين، وأماكن أخرى.

وينظر إلى ملاذات تنظيم القاعدة وحركة طالبان، داخل المناطق القبلية الباكستانية الخاضعة للإدارة الفيدرالية على طول الحدود، على أنها جزء من مسرح عمليات الحرب الأفغانية. وتسمح الحكومة الباكستانية ضمنا لطائرات من دون طيار، تتبع وكالة الاستخبارات المركزية، باستهداف مواقع إرهابيين ومسلحين في إطار 50 ميلا داخل باكستان. وبموجب أمر تنفيذي وقعه في أول الأمر بوش، واستمر خلال إدارة أوباما، لا تحتاج وكالة الاستخبارات المركزية إلى موافقة الإدارة قبل القيام بعملية.

ولكن، على الرغم من أن القوات الخاصة الأميركية تعمل عن قرب مع وكالة الاستخبارات المركزية داخل الجانب الأفغاني من الحدود، فإن أي عملية أرضية داخل باكستان تحتاج إلى موافقة خاصة من البيت الأبيض، الذي لم يمنح موافقة حتى الآن لأي عملية. وعلاوة على الصعوبة التي تطرحها هذه العملية وسط سكان معادين في منطقة ذات تضاريس وعرة، فقد رسمت الحكومة الباكستانية خطا أحمر لا يسمح للأقدام الأميركية بوطء أراضيها.

وبعيدا عن أفغانستان وباكستان والعراق، يجب حصول العمليات التي تستهدف القتل على موافقة من أوباما، أو من يختار، ويمكن أن يكون ذلك مدير وكالة الاستخبارات المركزية، أو وزير الدفاع. وداخل اليمن، وافق أوباما، العام الماضي، على رفع مستوى التعاون العسكري والاستخباراتي مع الحكومة اليمنية، بما في ذلك استخدام الطائرات الأميركية، ومؤن للغارات التي تستهدف مجموعة يشتبه في انضمامهم إلى تنظيمات إرهابية. ووقعت بالفعل هجمتان، قتل فيهما أشخاص بالتعاون مع قوات المشاة اليمنية، وأي أسير يكون من نصيب اليمن. وثمة صعوبات فريدة في نوعها داخل الصومال، فداخل هذه البلاد لا توجد حكومة فعالة للموافقة أو التنسيق في العمليات أو للاحتفاظ بالأسرى. وإبان إدارة بوش، نفذ الجيش الكثير من الهجمات الجوية، التي وافقت عليها البيت الأبيض ضد شخصيات يزعم تورطهم في أنشطة إرهابية، هربوا إلى الجنوب بعد عملية الإطاحة بالحكومة الإسلامية هناك التي دعمتها الولايات المتحدة عام 2006. ولفترة طويلة، كان نبهان، وهو كيني كان يبلغ من العمر 30 عاما، هدفا بارزا للولايات المتحدة، وكان مسؤولا بارزا في ميليشيا الشباب التي تحارب من أجل الإطاحة بالحكومة الانتقالية داخل الصومال.

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»