اللبنانيون يجددون وفاءهم لرفيق الحريري في الذكرى الخامسة لاغتياله

مئات الآلاف شاركوا.. ووسط بيروت تحول كتلة بشرية واحدة

TT

لم يخلف اللبنانيون وعدهم بالوفاء للرئيس الراحل رفيق الحريري في الذكرى الخامسة لجريمة اغتياله. توافدوا من كل المناطق، وبعضها مناطق تتحرك للمرة الأولى، وتجمع حشدها على تواضعه، وتتجه إلى «ساحة الحرية» مع طلوع الشمس، سواء من منطقة الهرمل مع وفد تيار «الأمل»، أو من صور أو عمق مرجعيون وبنت جبيل في الجنوب اللبناني.

فاللبنانيون، وبدعوة من قوى «14 آذار»، أتوا بكثافة إلى ساحة الشهداء «وفاء لشهداء ثورة الأرز». وأحيوا ذكرى الاستشهاد حاملين شعاراتهم وصور «الشهداء». وأبرز هذه الشعارات: «مستمرون. مستمرون»، و«كرما لك وكرما للبنان سننزل»، و«كرما للذي حققناه سننزل» و«كرما لك نازلين».

وتسببت الحشود في ازدحام في أكثر من منطقة، خففها من حدتها توزيع ورود حمر على المارين، إضافة إلى مواكب سيّارة لتيار «المستقبل» والقوى الأمنية لتسهيل حركة المرور لمئات الآلاف في مشهد يتكرر منذ 14 فبراير (شباط) 2005. كالعادة ضاقت بهم الساحة والطرق المؤدية إليها. حتى البحر على امتداد الشاطئ قبالة وسط بيروت شارك من خلال موكب لـ«القوات اللبنانية» مؤلف من عشرات السفن الشراعية والزوارق. كما غصت مداخل العاصمة اللبنانية بالحشود والمواكب السيارة والراجلة التي حاولت شق طريقها بصعوبة للوصول إلى مكان التجمع في ساحة الشهداء، حيث تحولت إلى كتلة بشرية واحدة امتدت على مساحة وسط بيروت، انصهرت فيها أعلام الأحزاب وصور الذين سقطوا في مسيرة «ثورة الأرز» بالعلم اللبناني. وبمعزل عن السياسية وتجاذباتها قالت الساحة كلمتها مع أعلام تيار «المستقبل» و«القوات اللبنانية» و«الحزب التقدمي الاشتراكي» و«حزب الكتائب» وسائر قوى «14 آذار».

إلا أن الحرية في التحرك للمشاركة لم تحُل دون إجراءات أمنية متشددة، برزت في طريقة تنظيم وصول المشاركين. سواء عند مداخل العاصمة، أو في مختلف المناطق اللبنانية. إلا أن الأكثر دلالة كانت الإجراءات في الأحياء البيروتية، بحيث كان واضحا أن الترتيبات اتُّخذت للحُؤول دون أي إشكال في مناطق معينة تجاور وسط العاصمة حيث ميزان القوى لصالح حركة «أمل» و«حزب الله»، وتحديدا مناطق الخندق الغميق والبسطة وبرج أبو حيدر وزقاق البلاط، التي لم يكن مسموحا للمشاركين بالوصول عبرها إلى الساحة، لا سيما إذا كانوا يحملون أعلاما. أما الطرق التي شهدت تدفق البيروتيين فكانت من جهة منطقة الحمراء والأشرفية والصيفي.

وبعد انتهاء الاحتفال، كانت الإجراءات أكثر تشددا، فلم يسمح لحاملي الأعلام اللبنانية وأعلام «تيار المستقبل» بالمرور في مناطق «أمل» و«حزب الله»، إضافة إلى «مصادرة» العصي عن الأعلام، ربما منعا لاستخدامها إذا حصل اشتباك أو احتكاك.

لم يغب وليد جنبلاط عن ذكرى رفيق الحريري، لكنه غاب عن منصة الخطباء. وصل في سيارة رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري ودخل برفقته ومعهما ابنه تيمور والوزراء غازي العريضي وأكرم شهيب ووائل أبو فاعور. توجه الجميع إلى ضريح الرئيس الراحل رفيق الحريري لتلاوة الفاتحة، ومن ثم إلى أضرحة رفاق الحريري. ليغادر بعد ذلك ويبقى تيمور جنبلاط الذي صافح الموجودين في المكان ليجلس في الصف الأمامي للرسميين من وزراء ونواب وشخصيات مشاركة.

وقال النائب السابق منسق الأمانة العامة فارس سعيد إن «المشاركة في الذكرى على المستوى العام كثيفة وفاقت كل التوقعات».

النائب في «اللقاء الديمقراطي» مروان حمادة، الذي حضر باكرا، بدا كأنه «أم العروس». ولم يُخفِ سعادته بالحشود التي كانت تملأ الساحة. قال إن «المحكمة الدولية الخاصة بلبنان من أهم إنجازات (14 آذار)». ولفت إلى أن «هذه المحكمة تأخذ اليوم مسارها الطبيعي والصحيح». وأضاف: «يجب أن نكون مطمئنين، لأن الخائف هو الذي أعطى قرارا باغتيال رفيق الحريري ونفّذه. تصوروا لو فشلت (14 آذار) في الانتخابات، ولننظر إلى ما يحصل في إيران».

أيضا، المستشار الإعلامي لرئيس الحكومة هاني حمود لم يُخفِ شعوره بالحشد الذي جاء إلى ساحة الحرية وفاء للرئيس رفيق الحريري. واعتبر أن «لحظة 14 فبراير (شباط) 2005 كانت مؤسسة في حياتنا الوطنية والسياسية، ودفعت عددا من الخصوم والأحزاب إلى إجراء مراجعة حقيقية». وأشار إلى «الحاجة سنة بعد سنة إلى توسيع الساحة تماشيا مع أعداد الناس الذين يحضرون إليها».

المشاركة الاشتراكية كانت لافتة. يقول كريم حمادة إن «الناس حضروا من دون تنظيم أو تجييش». على أي حال باستثناء مغادرة جنبلاط، لم يتغير المشهد بوجود نواب ووزراء «اللقاء الديمقراطي» وحواراتهم مع رفاق الدرب. وقال وزير الدولة وائل أبو فاعور إن «مشاركة الحزب التقدمي الاشتراكي في ذكرى اغتيال رئيس الحكومة الراحل رفيق الحريري في ساحة الشهداء اليوم هي على مستوى رسمي وسياسي». ولفت إلى أن «الحزب الاشتراكي لم يتخلَّ يوما عن مبادئ ثورة الأرز ولكن هناك مرحلة إيجابية ويجب أن ننفتح على كل القوى، معلنا أن المشاركة وفاء لرفيق الحريري ولثورة الأرز».

الساعة الثانية عشرة انتهى الاحتفال الفني لتنحسر الأغاني الوطنية، وينطلق النشيد الوطني اللبناني. بعد ذلك تولى الإعلامي جورج بكاسيني منصة التقديم وأعلن الوقوف دقيقة صمت على أرواح ضحايا الطائرة الإثيوبية، فأقسم الشهيد جبران تويني: «نقسم بالله العظيم مسلمين ومسيحيين أن نبقى موحَّدين إلى أبد الآبدين دفاعا عن لبنان العظيم».

توالت الكلمات مع رئيس الجمهورية السابق أمين الجميل ورئيس الحكومة السابق فؤاد السنيورة الذي استقبل بتصفيق «دافئ»، ما دفع أحد الحاضرين إلى القول: «السنيورة يحمي الجمهور الذي سيفور عندما يصعد الشيخ سعد إلى المنصة». ومن ثم كلمة رئيس الهيئة التنفيذية لـ«القوات اللبنانية» سمير جعجع الذي استهل كلمته بالقول: «شهداؤنا لا يموتون مرتين، مرة بالاغتيال ومرة بالنكران». ويضيف: «إذا رأيت الأرز يمد يده، فلا تظنن أن الأرز يساوم». «الشيخ سعد» يترك مكانه ويتجول بين الحضور يصافحهم ويتحدث إليهم، حتى تحين «ساعة الزلزال» عند الواحدة إلا خمس دقائق ليسود صمت مطبق على الساحة. يرتفع صوت المؤذن «الله أكبر» وتُقرع أجراس الكنائس تزامنا مع لحظة وقوع الانفجار في موكب الرئيس رفيق الحريري. في اللحظة ذاتها تضاء الشعلة في مكان الاغتيال. ويقدم بكاسيني «الرئيس ابن الرئيس» ليطل سعد الحريري وتموج الساحة بالهتافات ليبدأ كلمته ويؤكد للجمهور الوفي أنه «واحد منهم ويقف معهم».