بوادر أزمة سياسية جديدة في باكستان

القضاء يرفض تعيينات زرداري للمحكمة العليا.. وتهديد بتوسيع الاحتجاجات

TT

أصبحت باكستان في مواجهة اضطرابات سياسية جديدة بعد الخلاف بين الرئيس آصف علي زرداري ورئيس السلطة القضائية في البلاد حول تعيينات قضائية، ما يهدد بمواجهة بين الحكومة الهشة والسلطة القضائية.

واندلعت الأزمة حين عين زرداري قاضيين كبيرين في مناصب عليا خلافا لتوصيات رئيس السلطة القضائية افتخار محمد تشودري، ما دفع بالمحكمة العليا إلى تعليق التعيينات الليلة قبل الماضية. وصدر بيان عن المحكمة إثر اجتماع مسائي يقول إن تعيينات زرداري تبدو غير دستورية. وأثارت هذه الخطوة احتجاجات، فيما يرى محللون أنها تمهد الطريق أمام حركة احتجاج محتملة على حكم الرئيس.

وأصدر زرداري مرسوما تمت بموجبه ترقية أبرز قاض في لاهور هو خواجة شريف لتولي منصب في المحكمة العليا، كما عين صائب نيسار مكانه، من دون العمل، كما يبدو، بتوصية تشودري بتعيين نيسار عضوا في المحكمة العليا. وبعد ساعات قامت المحكمة العليا بتعليق المرسوم قائلة إن تعيين خواجة شريف «يبدو أنه صدر بشكل مخالف للدستور». واستدعت المحكمة العليا المدعي العام للمثول أمام جلسة استماع أرجئت حتى 18 فبراير (شباط) الحالي.

وهون رئيس الوزراء يوسف رضا جيلاني أمس من خطر حدوث حالة من عدم الاستقرار السياسي جراء الأزمة الأخيرة، وقال للصحافيين: «لا يوجد أي تهديد للديمقراطية. ولا يوجد أي تهديد للبلاد أو لأي مؤسسة».

واحتج نحو مائة محام في لاهور، ثاني كبريات مدن باكستان، مساء أول من أمس، ورددوا هتافات ضد الرئيس ووعدوا بدعم المحاكم. وفي مدينة مولتان (شرق) نظم نحو ثمانين محاميا تجمعا مماثلا. وأعلنت «رابطة المحامين» النافذة عزمها على تنظيم مظاهرات اليوم الاثنين احتجاجا على ما سمته تدخل الحكومة في استقلالية القضاء. وقال قاضي أنور رئيس جمعية محامي المحكمة العليا، إن المحامين في كل أنحاء البلاد سيحتجون على خرق الحكومة للدستور عبر التعيينات الأخيرة. كذلك، دخلت الأحزاب السياسية على الخط؛ إذ قال زعيم المعارضة، رئيس الوزراء السابق نواز شريف، في مؤتمر صحافي إن ما أقدمت عليه الحكومة يعد «هجوما على استقلالية النظام القضائي، والرئيس زرداري هو أكبر تهديد للديمقراطية». وأضاف شريف أنه لن يسمح للحكومة بما سماه مواصلة هجومها على استقلالية القضاء. بدوره، قال رجا ظفار الحق وهو عضو بارز في «رابطة باكستان الإسلامية» التي يتزعمها نواز شريف، إن الحزب المعارض سيعقد اجتماعا لبحث الأزمة السياسية، واصفا خطوة زرداري بأنها «قرار خاطئ تماما».

ويعتقد محللون أن هذه المواجهة قد تهدد حكومة زرداري الضعيفة في وقت تتصاعد فيه الضغوط الأميركية على هذا البلد الذي يملك السلاح النووي للقضاء على مسلحي طالبان و«القاعدة». وقال المحامي البارز قاضي أنور لوكالة الصحافة الفرنسية: «نحن نتجه نحو وضع خطير جدا، فإذا ثبت أن الرئيس انتهك الدستور فيمكن للمحكمة العليا بموجب المادة 177 إقالة الرئيس».

وقد ظهرت الخلافات بين الحكومة والسلطة القضائية منذ تولي زرداري منصبه في عام 2008 وازدادت حدة حول وعد انتخابي بإعادة تشودري إلى منصبه بعد أن كان الرئيس السابق برويز مشرف أقاله في عام 2007. وأعاد زرداري تشودري إلى منصبه في مارس (آذار) الماضي، في ما اعتبر تراجعا محرجا عشية مظاهرة تأييد لرئيس السلطة القضائية الذي يحظى بشعبية واسعة. ولاحقا في 16 ديسمبر (كانون الأول) الماضي، ألغت المحكمة العليا مرسوما يحمي زرداري وشخصيات حكومية أخرى من الملاحقة القضائية، ما عرض الرئيس لاحتمال رفع حصانته وإمكان التشكيك في أهليته لتولي منصبه.

وفاز حزب زرداري بالانتخابات في فبراير (شباط) 2008 ما أنهى سنوات من حكم برويز مشرف العسكري، كما تولى السلطة وسط موجة تعاطف كبرى إثر اغتيال زوجته رئيسة الوزراء السابقة بي نظير بوتو في ديسمبر (كانون الأول) 2007. لكن نسبة التأييد له تراجعت وسط القلق على الوضع الاقتصادي وفضائح الفساد والتمرد الذي تشنه حركة طالبان. ومن شأن أي اضطرابات سياسية أن تثير قلق حلفاء باكستان الغربيين الذين يريدون من إسلام آباد أن تركز على حملة ملاحقة المتشددين. وقد حذر نائب الرئيس الأميركي جو بايدن يوم الأربعاء الماضي من أن باكستان «لا تعتبر ديمقراطية فاعلة بشكل كامل بالمعنى الذي نفهمه». ويرى معظم المحللين أن الحل الأفضل لزرداري هو التراجع عن قراره المحرج.