سارة بالين: شهرة إعلامية عابرة.. أم قوة سياسية حقيقية قادمة؟

الجمهوريون والديمقراطيون يخشونها رغم التشكيك في جدية عزمها الترشح للرئاسة

TT

أثبتت الحاكمة السابقة لألاسكا، سارة بالين، أنها تستطيع لفت الأنظار إليها، ولكن ما يجب عليها إثباته الآن هو هل تستطيع تحويل تلك الظاهرة إلى قوة سياسية يمكنها جذب عدد كبير من المقترعين وحشدهم حولها أم لا. تعد بالين من أكثر الشخصيات في الحزب الجمهوري الأميركي شهرة، بل إنها ساهمت في إعلاء صوت الحركة المعارضة لسياسات واشنطن والرئيس باراك أوباما. ولكن رغم ذلك ما زال مستقبلها السياسي محلا للتساؤلات. فهل هي مؤهلة للرئاسة، وهل تقتصر قوتها على الحزب الجمهوري، وهل هي مرشحة معارضة؟.

يقول الاستراتيجي الجمهوري أليكس كاستيلانوس «على سارة بالين أن تختار بين أن تكون قائدة لحركة سياسية أو قائدة لأمة؛ حيث إنها لا تستطيع أن تصبح قائدة للاثنين. لأنها الآن أصبحت مثل (جورج) ماكجوفرن أو (باري) غولدووتر، وهما المرشحان اللذان تصدرا أقوى حركات تاريخ بلادنا السياسي، دون أن يستطيعا الفوز بالوسط».

وإذا أكدت بالين أن لديها طموحات تتعلق بالرئاسة، فسيكون عليها ارتقاء جبل شاهق للغاية. فقد اكتشف استطلاع جديد قامت به «إيه بي سي نيوز» لصالح «واشنطن بوست» أن نحو 71% من الأميركيين لا يعتقدون أن السياسية التي شاركت السيناتور جون ماكين حملته الانتخابية في عام 2008 مؤهلة للرئاسة. وهي نسبة مثبطة للهمة حتى إن بعض الجمهوريين المعجبين بما استطاعت بالين تحقيقه يشككون في أنها سترشح نفسها لانتخابات 2012. فيما يقول البعض الآخر إنه ما لم تغير بالين من توجهاتها على نحو جذري، فلن يكون لديها أمل في تحقيق إنجازات في الانتخابات العامة. ومع ذلك فإن الاستراتيجي بالحزب الجمهوري، فيل ماسر، يقول «إذا رشحت نفسها للانتخابات اليوم، فإنها ستكون مرشحة الحزب الجمهوري». ولتعليقات ماسر أهمية خاصة، حيث إنه مستشار حاكم مينسوتا الجمهوري، تيم باولنتي، الذي يعتزم الترشح في انتخابات 2012.

ويقول ماسر إن مستقبل بالين السياسي ما زال غامضا تماما، لكن القوة التي أضافتها على حملة انتخابات 2008 لم تختف، بل ربما، وفقا لما يراه البعض، تكون قد تزايدت. ولا تكل وسائل الإعلام من متابعة بالين. فقد بثت القنوات الإخبارية الرئيسية الثلاث الخطاب الذي ألقته بالين في مؤتمر «حركة حفل الشاي» الذي أقيم في ناشفيل أخيرا، على الهواء مباشرة. كما تصدر التصريح الذي أدلت به في الصباح التالي لـ«فوكس نيوز صنداي»، والمتعلق بأنها لن تغلق الباب أمام ترشحها لانتخابات 2012، عناوين الأخبار في كل مكان رغم أن ذلك لم يكن تحولا جذريا لموقفها، لكن له أهمية خاصة بالنسبة للصحافة والمدونات. وقد ساعد مؤتمر «حفل الشاي» في تزايد شعبيتها؛ حيث تمكنت في اليوم التالي من جذب نحو 8000 شخص في الحملة الانتخابية لحاكم تكساس الجمهوري ريك بيري الذي يخوض سباقا هائلا ضد السيناتور كاي بيلي هاتشيسون. ويقول ديفيد كارني، مستشار بيري، إن ظهور بالين كان «الحدث الجمهوري الأساسي في تاريخ الولاية»، كما أن الجمهور احتشد دون «إنفاق أدني قدر من المال على الإعلانات، أو الرسائل البريدية، أو المكالمات الهاتفية، فقط عبر وسائل الإعلام الاجتماعية والبريد الإلكتروني».

ومما لاشك فيه أن قوة بالين داخل الحزب ليست محلا للنزاع، لكن قياسها ليس أمرا سهلا. فقد ظهرت لمساندة الكثير من المرشحين الجمهوريين - في تكساس، كنتاكي، أريزونا (لصالح ماكين) - لكن مدى التأثير الذي أحدثته تلك المساندة لم يظهر جليا في استطلاعات الرأي.

ورغم أن الديمقراطيين ينظرون إلى بالين باعتبارها معضلة جمهورية؛ أي قادرة على إثارة الفوضى بالوسط السياسي بواشنطن من خلال تعليق منشور على الإنترنت أو موقع «تويتر»، فإنهم لا ينظرون إليها باعتبارها مرشحا رئاسيا يعتد به حتى الآن، أو قائدا لحركة معارضة واسعة النطاق. كما أنهم يعتقدون أن دعمها لحركة «حفل الشاي» يعرض الحزب الجمهوري لمخاطر تضاهي الفوائد التي يمكن أن يجنيها لأنها تجعل الحزب ينحاز على نحو واضح للمعارضة الغاضبة، مما قد يعرضه لخطر خسارة المقترعين الذين يقفون في الوسط بين الاتجاهين والذين يرغبون في مزيد من التعاون بين الحزبين.

من جهة أخرى، هناك الكثير من المعارضين لبالين حتى داخل الحزب الجمهوري. وقد سخروا من محتوى الخطاب الذي ألقته بمؤتمر «حفل الشاي» نظرا لطوله المفرط فيما يتعلق بالمظالم فيما مر مرورا سريعا على القضايا الجوهرية. كما سخروا من التعليقات التي دونتها على راحة يدها بالإضافة إلى ما اعتبروه تخبطا للتعليقات التي أدلت بها.

لكن كما قال خبير استراتيجي بالحزب الجمهوري، رفض ذكر اسمه حتى يستطيع الحديث بحرية «إن جمهور بالين هو جمهور غير مهتم بالتجارب بحجم تجربتها السياسية، بل إن ما يدفعهم هو خصائص شخصيتها، فهم يهتمون بمصداقيتها أكثر من الأفكار نفسها». من جهة أخرى، يقول فريد مالك، الذي كان يعمل كمستشار لسارة لأشهر كثيرة «بغض النظر عما تفعله، فإنها لها دورا مهما في الحزب الجمهوري. فهي تنتمي إلى المواطن العادي وتهتم بمشكلاته بطريقة لا يقوم بها أحد غيرها».

وبالنسبة لهؤلاء الذين يفكرون في الترشح عن الحزب الجمهوري في انتخابات عام 2012، يجب أخذ وجود بالين في الاعتبار، لكن دون الانهماك فيه سياسيا. فيقول خبير استراتيجي آخر يعمل كمستشار لأحد مرشحي 2012 المحتملين «أن تفعل أي شيء، أن تخرج وتتحداها، ليس له أي معنى في الوقت الراهن». لكن المخاطرة تكمن، وفقا لذلك الخبير الاستراتيجي، في أن يقوم المرشح بخسارة المقترعين الذين يميلون إلى اختيار شخص مختلف إذا لم ترشح بالين نفسها. ويضيف «من الواضح أنها ما زالت تحمل ضغينة وأنها لم تنس الأمر».

لكن يجب على المرشحين الآخرين أن ينتبهوا لها من كثب، وفقا لكاستيلانوس الذي قال «على كل من ميت رومني، وبولنتي، وأي مرشح جمهوري آخر أن يقلق. فقد ظهر صوت شعبي ذو مصداقية كمناهض لأوباما. ولكن ذلك الصوت لا ينتمي للمؤسسة الجمهورية. بل إنه ينتمي لسارة بالين».

ومنذ تركت منصب الحاكم خلال الصيف الماضي، اتخذت بالين عدة خطوات لتوسيع نطاق عملها السياسي، وهو ما وصفه حتى الجمهوريون بأنه محدود ويفتقر إلى الخبرة.

من جهة أخرى، يعمل تيم كروفورد، السياسي بالحزب الجمهوري منذ أكثر من 30 عاما، كأمين صندوق للجنة العمل السياسي الخاصة بها. ومن الآخرين الذين يساعدونها راندي شونمان، الذي يقدم لها نصائح تتعلق بالسياسة الخارجية كما كان يفعل خلال ترشحها لمنصب نائب الرئيس. وما زال مستشارها ميغ ستابلتون يعمل كعامل الربط بينها وبين وسائل الإعلام.

وقد أخبرت سارة بالين مذيع برنامج «فوكس نيوز صنداي» كريس والاس بأنها تتلقى بريدا إلكترونيا يوميا من مستشاريها يوضحون لها فيه التطورات المحلية والدولية. وعندما سألها والاس عما إذا كانت خبرتها بالشؤون المحلية والأجنبية قد تزايدت عن قبل عامين، أجابت «أتمنى ذلك. أجل، قد تزايدت».

لكن المقربين من بالين يقولون إنه لا يوجد شخص واحد فقط تتوجه له بالين دائما للحصول على النصح. وما زالت بالين تعبر لبعض المقربين لها عن دهشتها من قدر الاهتمام الذي تلقاه خاصة في مؤتمر حركة «حفل الشاي» الأخير. لكنها تضع في اعتبارها، وفقا لهؤلاء المقربين منها، إلى حد كبير الأرقام التي تأتي في استطلاعات الرأي والتي تظهر أنها لن تنجح في خوض أي انتخابات عامة في الوقت الراهن.

لكن هناك خلافا حول قراءة ما بين السطور لأنشطتها الأخيرة؛ حول إذا ما كان نشاطها السياسي الأخير يعبر عن نيتها الترشح للمنصب الرئاسي أم لا. ويرى بعض الخبراء الاستراتيجيين أن جهود بالين تستهدف إبقاء الباب أمام الترشح للرئاسة مفتوحا حتى تستعد لاتخاذ القرار، فيما يرى البعض الآخر أنها لم تبذل قصارى جهدها أو ما يجب أن تقوم به لتعزيز شعبيتها وعلاقاتها في الولايات الأساسية؛ سواء خلال جولة توقيع كتابها أو خلال الرحلات الأخرى. ويقول أحد الأشخاص الذين كانوا يتابعونها عن كثب «عندما كانت تقوم بالجولة الخاصة بكتابها، كان الناس يريدون الالتقاء بها، لكنها لم تكن تبذل جهدا في ذلك».

وأظهر استطلاع رأي حديث أجرته مؤسسة «غالوب» سباقا واسع النطاق على المرشح الجمهوري لعام 2012. وعندما سئلوا عن مرشحيهم المفضلين، اختار 14% الجمهوري رومني، فيما اختار 11% بالين. لكن 42 من الذين استطلعت آراؤهم لم يختاروا مرشحا محددا، فيما تفرقت البقية بين عدد آخر من المرشحين.

*خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»