الحريري: زيارتي إلى دمشق جزء من نافذة كبرى فتحها خادم الحرمين وأعطت نتائجها في أكثر من ساحة عربية

قال لجمهور «14 آذار» في ذكرى اغتيال والده الخامسة: لا فرصة للبيع والشراء على حساب الكرامة الوطنية الجميل: السيادة تعني احتكار الدولة لقرار الحرب والسلم

سعد الحريري رئيس الحكومة اللبنانية يحيي مؤيديه لدى تجمعهم لاحياء الذكرى الخامسة لاغتيال والده رئيس الحكومة الراحل رفيق الحريري وذلك في ميدان الشهداء ببيروت أمس (رويترز)
TT

* السنيورة: يربطنا بسورية الحاضر والمستقبل * جعجع: أي سلاح خارج مؤسسات الدولة عبء لا قدرة للبنان على تحمله

* نجح رئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري في «امتحان الشعبية» الذي أخضع نفسه إليه في الذكرى الخامسة لاغتيال والده الرئيس الراحل رفيق الحريري، واستطاع من خلال الحشد الكبير الذي حضر إلى ساحة الشهداء في بيروت أن «يأخذ معه جمهوره» في المسار الذي اعتمده منذ ما بعد الانتخابات البرلمانية في العام الماضي والذي أوصله إلى زيارة سورية، مرورا بتأليفه حكومة اتحاد وطني جمعته وقوى «14 آذار» مع المعارضة السابقة التي خسرت الانتخابات.

ومن على المنبر الذي اعتاد اللبنانيون أن يسمعوا منه في كل عام خطاب «ابن الرئيس»، أجرى الحريري «مكاشفة» مع جمهوره الذي رسمت علامات استفهام عديدة من قبل سياسيين في «المقلب الآخر» عن مدى وقوفه وراء الحريري الابن بعد سلوكه «درب المصالحة». وقد تحدث الحريري فيها عن الأسباب التي دفعته إلى هذا النهج، مؤكدا أن «الاستقرار والمصالحة العربية والتضامن في مواجهة التهديدات الإسرائيلية وتعطيل أسباب الفتنة الداخلية هي في مصلحة لبنان أولا». جازما بأنه «لن تكون هناك أي فرصة للبيع والشراء على حساب الكرامة الوطنية، أو على حساب نظامنا الديمقراطي أو على حساب المحكمة الدولية». وإذ أشار الحريري إلى أن زيارته إلى سورية هي من ضمن وضع لبنان على خارطة المصالحات العربية»، أعلن أنه «شريك في رسم وإعداد هذه الخارطة»، وأن زيارته إلى دمشق «كانت جزءا من نافذة كبرى، فتحها خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز وأعطت نتائجها في أكثر من ساحة عربية».

وكانت اللهجة الهادئة هي أبرز ما طبع كل خطباء المهرجان الذين اقتصرت أعدادهم على 4 هذا العام خلافا للأعوام السابقة، وقد غاب عنهم النائب وليد جنبلاط الذي قرأ الفاتحة على الضريح وغادر. وبدا واضحا ميل هؤلاء الخطباء إلى طمأنة جمهورهم على عدم تقديمهم تنازلات على حساب «قضيتهم وقضية المحكمة الدولية»، مع التأكيد في المقابل على طلب «أفضل العلاقات مع سورية».

وقد شارك مئات الآلاف من اللبنانيين في إحياء الذكرى أمس، قدّرتهم أوساط أمنية بنحو 250 ألف نسمة حضروا من بيروت والمناطق وتجمعوا في الساحة ليستمعوا إلى الحريري يؤكد لهم أنه «واحد منهم مؤتمن معهم، ومثلهم، على متابعة المسيرة». وقال «ها أنتم هنا اليوم، كما في كل سنة، لتقولوا للعالم أجمع، ها هي 14 آذار، هذا هو مشهد 14 آذار، مشهد اللبنانيين واللبنانيات، مسيحيين ومسلمين، من كل لبنان، من الشمال والجنوب، من البقاع والجبل من بيروت، مجتمعين، موحدين، دفاعا عن لبنان، عن كل لبنان». وتوجه إلى المشاركين بالقول:» لا أقف أمامكم اليوم، رئيسا لمجلس الوزراء، بل أقف معكم وبينكم، واحدا منكم، معترفا لكم، بفضلكم وجميلكم، فأنا لم أَختر رفيق الحريري والدا لي، أنا سعد رفيق الحريري لقد منّ الله عليّ بهذا الشرف، أما أنتم، أنتم اخترتم، بملء إرادتكم، اخترتم رفيق الحريري، واخترتم مسيرة رفيق الحريري، واخترتم الدفاع عن شهادة رفيق الحريري وكل شهداء ثورة الأرز من بعده». وشدد على أن الحرية والسيادة والاستقلال «ليست مكتسبات لـ 14 آذار، بل مكتسبات لكل لبنان، ولكل اللبنانيين» وتابع «كما كان سبيلنا الوحيد للدفاع عن لبنان في 14 آذار 2005 هو وحدتنا الوطنية، فلا سبيل لنا اليوم وغدا ودائما للدفاع عن لبنان واللبنانيين جميعا إلا الوحدة الوطنية. بهذه الروح نواجه المرحلة الجديدة ونمد الأيدي للتعاون في سبيل جعل الاستقرار الوطني، حاجةً لبنانيةً عامة، لبسط سلطة الدولة والقانون وحماية النظام العام. وبهذه الروح، وضعنا لبنان على خارطة المصالحات العربية، وليس سرا على أحد، أنني شخصيا، شريك في رسم وإعداد هذه الخارطة، وأن زيارتي إلى دمشق كانت جزءا من نافذةٍ كبرى، فتحها خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز وأعطت نتائجها في أكثر من ساحة عربية. وإنني بكل صراحة وصدق ومسؤولية، أمينٌ على إبقاء هذه النافذة مفتوحة، والشروع في بناء مرحلة جديدة من العلاقات بين لبنان وسورية، من دولةٍ سيدةٍ حرةٍ مستقلة، إلى دولةٍ سيدةٍ حرةٍ مستقلة. مصلحة لبنان في الاستقرار هي مصلحة مؤكدة، ومصلحة لبنان في التضامن العربي هي مصلحة استراتيجية. لبنان أكبر متضرر من الانخراط في لعبة المحاور، والمصالحة العربية فرصة للبنان لا يجوز أن تضيع، ولا يصح أن نغيب عنها، مهما كانت الأسباب والاعتبارات. أصارحكم القول في هذا اليوم. لأن أي شكل من أشكال التكاذب أمام ضريح الرئيس الشهيد رفيق الحريري، هو جريمة جديدة بحقِّ الشهيد وكل الشهداء. لقد خطونا خطوة تاريخية، رأى البعض أن خسائرها الشخصية علينا كانت كبيرة. لكن المهم، أن نسأل عن فوائد هذه الخطوة على الاستقرار في لبنان، وعلى مصير العلاقات العربية». مشددا على أنه «لن تكون هناك أي فرصة للبيع والشراء على حساب الكرامة الوطنية، أو على حساب نظامنا الديمقراطي أو على حساب المحكمة الدولية أو على حساب الطائف أو على حساب المناصفة التامة بين المسيحيين والمسلمين في لبنان وسيبقى لبنان أولا، شعارنا لكلِ المراحل، وعنوانا للقرار الوطني الحر المستقل».

وكان الحفل استهل بكلمة للرئيس السابق أمين الجميل، الذي خاطب الجمهور قائلا «ندرك حجم التساؤلات في بال اللبنانيين وفي بالكم، ووجودنا هنا لنؤكد على ثباتنا وأن أي تغييرات داخلية أو خارجية لا تغيّر في عزيمتنا للمضي في تعزيز الاستقلال وبناء الدولة وإنجاز السيادة». مشددا على ضرورة «خلق ديناميكية جديدة تعيد الإيمان إلى النفوس القلقة». وفي إشارة واضحة إلى موضوع سلاح حزب الله شدد الجميل على ضرورة «أن يكون لبنان بأسره بعهدة السلطة الشرعية المنتخبة ديمقراطيا، وأن لا يكون على أرض لبنان سلاحا غير السلاح الشرعي»، معتبرا أن السيادة تعني احتكار الدولة للقرارات الشرعية وأولها قرار الحرب والسلم».. وقال «نحن مع قيام أفضل العلاقات بين لبنان وسورية، وهذا النهج واظبنا عليه منذ سنوات، ونحن ندعم الرئيس سعد الحريري في كل الخطوات لتحسين هذه العلاقات، ولنا ملء الثقة بأنّه لن يقدم إلا على ما فيه مصلحة لبنان، وفي المقابل نريد خطوات سوريّة محددة بالزمن لمعالجة الملفات العالقة، ولنا في التجارب السابقة مع سورية خير دليل على أحقيّة مخاوفنا، فنحن نريد أفضل العلاقات وفي الوقت نفسه نريد من سورية أن تقتنع بأن لبنان ذات سيادة وأنه دولة حرة سيدة مستقلة، وأن تتعاطى معنا على هذا الأساس، ونريد منها أداءً ينطلق من المفهوم الدولي للعلاقات الندية بين دولتين جارتين مستقلتين».

مقدرا للرئيس الحريري «جرأته وتعاليه على جرحه الشخصي لمصلحة لبنان» طالبا من سورية «خطوات ملموسة على حجم هذه التضحيات».

ثم تحدث رئيس الحكومة السابق فؤاد السنيورة، فشدد على أن «جمهور رفيق الحريري لن يتخلّى عن مبادئ الاعتدال والتسامح المنصوص عليها في الدستور، وهي التي أسهم الرئيس رفيق الحريري في تكريسها، ولن يتخلّى أو يساوم على سيادة البلاد أو أمنها العام والداخلي، ولن يتوقف عن العمل لبناء دولة القانون». وقال «نحن أيدينا ممدودة وأطلقنا وشاركنا في مقاومة إسرائيل، وسنقوم وبقلب رجل واحد بالتصدي إذا اعتدى علينا الإسرائيلي، لكن لا يجب إعطاء الذريعة لإسرائيل بالاعتداء علينا».

مشيرا إلى أن «ما نريده من الإخوة العرب هو احترام سيادتنا واستقلالنا ونحن نبادلهم الحب والاحترام والتقدير ولا نريد التدخل في شؤونهم أو نكون مصدر إزعاج لهم، ولكن نريد منهم احترام خصوصياتنا. ويربطنا مع سورية التاريخ والجغرافيا والحاضر والمستقبل ونريد منها أن تحترم هذا النموذج اللبناني». متمنيا «أن نكون قد دخلنا مرحلة جديدة من الاعتراف المتبادل بالسيادة والاستقلال».

أما رئيس الهيئة التنفيذية لـ«القوات اللبنانية» سمير جعجع فقد رأى أن «بقاء أي سلاح، خارج مؤسسات الدولة اللبنانية، بات يشكل عبئًا لا قدرة للبنان واللبنانيين على تحمّله، وهو ما قد يستجلب اعتداءات خارجية واستدراجا للبنان». وقال «إن قادة الفريق الآخر مدعوون لاتخاذ قرار وطني شجاع، يقضي بالموافقة على وضع إمكاناتهم العسكرية بتصرف الدولة اللبنانية، وقرار السلم والحرب في مجلس الوزراء من دون سواه، فهذا هو السبيل الوحيد للنأي بلبنان عن تجاذبات المنطقة، وتداعيات هزّاتها المحتملة، ولتجنيب شعبنا المزيد من الدماء والدموع والمآسي».