تشيني وبايدن يشتبكان على شبكات التلفزيون

نائب الرئيس الأميركي: مزاعم النائب السابق خاطئة

TT

اشتبك نائب الرئيس الأميركي جو بايدن وسلفه ريتشارد تشيني في جدل صاخب ألقى بالضوء على صغر حجم التقدم الذي تم إحرازه خلال العام الماضي - وخلال الإدارات المتعاقبة - فيما يتعلق بحل إشكالات الأمن القومي التي أثارتها هجمات 11 سبتمبر (أيلول) 2001 والأحداث التي ترتبت عليها.

وأقر تشيني يوم الأحد في برنامج «زيس ويك» الذي تبثه شبكة «إيه بي سي» بأن أوباما يواجه نفس القضايا التي واجهتها إدارة بوش والتي تتعلق بالاحتجاز، ومحاكمة الإرهابيين المشتبه بهم، والمكان الملائم للمحاكمة. وبالرغم من انتقاده قرارات أوباما المتعلقة بإغلاق السجن العسكري الأميركي في غوانتانامو بكوبا، ومنع التعذيب خلال الاستجواب، ومحاكمة الإرهابيين المشتبه بهم في محاكم مدنية، فإنه وصف تلك القرارات بأنها «صعبة»، و«قاسية» في إشارة نادرة للغلالة الباهتة التي تظلل القتال ضد الإرهاب.

ومن جهته، يقول تشيني مستدعيا قرار إدارة بوش بالتعامل مع الهجمات الإرهابية باعتبارها حالة حرب: «إن توجهاتهم هي ما تقلقني، حيث إن الشيء الذي تباطأت إدارة أوباما في عمله هو الاعتراف بأننا في حالة حرب وأننا لسنا نتعامل مع أفعال إجرامية».

ومن جهة أخرى، يقول المسؤولون بالبيت الأبيض إنهم لا يلقون بالا للانتقادات التي يوجهها تشيني للإدارة، مؤكدين أنه يفتقر إلى الشعبية في أميركا، وفي نفس الوقت، أظهرت استطلاعات الرأي أن أوباما حصل على نسبة تأييد أكبر فيما يتعلق بإدارته للمسائل المتعلقة بالأمن القومي أكثر من التي حصل عليها في القضايا الأخرى، حيث أيد أغلبية الأميركيين توجهه، فيما لم تؤيد نسبة ضئيلة جدا قراره بمحاكمة الإرهابيين في محاكم مدنية، مشيرين إلى أن أوباما يتسم بالضعف السياسي فيما يخص بعض الإشكالات السياسية. كما انتقد الجمهوريين أوباما للطريقة التي تعامل بها مع محاولة تفجير الطائرة المتوجهة إلى ديترويت عشية عيد الميلاد، بالإضافة إلى قراره بمحاكمة خالد شيخ محمد، الذي يزعم بأنه العقل المدبر لهجمات 11 سبتمبر، في محكمة فيدرالية بجنوب مانهاتن، وعلى الرغم من أن أوباما وكبار مستشاريه دافعوا عن القرارين، فإن المحامي العام إريك هولدر ترك الباب مفتوحا خلال الأسبوع الماضي فيما يتعلق باحتمالية محاكمة «محمد» أمام محكمة عسكرية، وهو التغير الذي أعرب تشيني يوم الأحد عن احتفائه به.

جدير بالذكر أن البيت الأبيض كان يعلم منذ بداية الأسبوع أن تشيني سوف يظهر في برنامج «زيس ويك» الذي تبثه شبكة «إيه بي سي»، ومن ثم قرر انتداب بايدن، وفقا لأحد المسؤولين الكبار بالإدارة، «لتحميل نائب الرئيس السابق مسؤولية حقائق الوقت الراهن». وقد سجل بايدن لقاءه مع برنامج «ميت ذا بريس» الذي تبثه شبكة «إن بي سي» مساء يوم السبت من فانكوفر، حيث يترأس الوفد الأميركي لدورة الألعاب الأولمبية الشتوية، في الوقت الذي لم يكن يعلم فيه شيئا حول تعليقات تشيني، ولكن فريق العمل الخاص به كان قد تمكن من إعطائه نبذة عن تصريحات تشيني صباح يوم الأحد وقبل ظهوره في برنامج «فيس ذا نيشن» الذي تبثه شبكة «سي بي إس».

وبلهجة حازمة، وصف بايدن مزاعم تشيني بأنها «خاطئة تماما» مستشهدا بقرار أوباما بإرسال 30 ألف جندي إضافي إلى أفغانستان، بالإضافة إلى تعزيز الهجمات باستخدام طائرات من دون طيار ضد تنظيم القاعدة، التي قال إنها أسفرت عن مقتل عشرات من قيادات تنظيم القاعدة، إضافة إلى عدد كبير من الأعضاء العاديين، وأضاف بايدن أن تشيني كان إما مضللا وإما محاولا تضليل الرأي العام حول توجهات الرئيس أوباما.

وأضاف بايدن في برنامج «ميت ذا بريس»: «إن ديك تشيني هو صنو بارز، ولكنه ليس مخولا بكتابة التاريخ دون معارضة». مضيفا: «لا أعرف أين كان خلال السنوات الأربع الأخيرة للإدارة السابقة؟» وقد أثار نائبا الرئيس السابق والحالي عدة قضايا تماثل تلك التي أثيرت خلال مايو (أيار) الماضي، عندما ألقى كل من أوباما وتشيني بخطب مستمرة حول الدور الذي يجب أن تلعبه الحريات المدنية في سياسة الأمن القومي الأميركية، ومنذ ذلك الوقت، تجاوز أوباما مدة العام الواحد التي أعلن أنه سيغلق معتقل غوانتانامو خلالها، كما فشل في الحصول على التأييد السياسي اللازم للإتيان بمعتقلي غوانتانامو إلى ذلك الموقع المحلي الجديد، أو الحصول على إجماع بشأن كيفية محاكمة هؤلاء الذين ما زالوا في المعتقل.

ومن جهته، يقول تشيني - أكثر الشخصيات التي كانت تقترن بسياسة إدارة بوش للتعامل مع قضايا الأمن القومي، بالإضافة إلى أنه أصبح أكبر المدافعين عنها في الوقت الراهن - إنه لن يندهش إذا ظل معتقل غوانتانامو مفتوحا حتى نهاية مدة رئاسة أوباما، ولكنه وجه انتقادات أكثر دقة لمقاربة أوباما بصفة عامة أكثر مما فعل خلال العام الماضي، عندما أطلق عليها «إهمالا متسترا في عباءة الفضيلة».

وفي الوقت نفسه، أكد تشيني أنه «يؤيد تماما» قرار أوباما بتصعيد الحرب في أفغانستان، وعلى الرغم من أنه قال إنه كان يجب على أوباما أن يعامل عمر الفاروق عبد المطلب، الرجل المحتجز بتهمة محاولة تفجير طائرة ديترويت، باعتباره عدوا مقاتلا، فإنه أقر بمدى التعقيد الذي ينطوي عليه ذلك القرار.

وعندما سئل عن قضية ريتشارد ريد الذي تم اعتقاله ومحاكمته في محكمة مدنية بعدما حاول إسقاط طائرة أميركية من خلال قنبلة مزروعة في حذائه في ديسمبر (كانون الأول) 2001، قال تشيني إن تلك القضية كانت في أعقاب هجمات 11 سبتمبر مباشرة، وبالتالي لم يكن الإطار القانوني الجديد قد اتضح تماما، ولكنه أقر بأن ريد كان من الممكن أن يخضع لمحاكمة عسكرية، يذكر أن ريد اعترف في النهاية بجريمته أمام محكمة مدنية.

وحول قضية عبد المطلب قال تشيني: «لم تكن الإدارة مؤهلة حقا للتعامل مع تداعيات محاولة الهجوم ضد الولايات المتحدة، بمعنى أنهم لم يعرفوا في ذلك الوقت ماذا يجب عليهم فعله مع ذلك الشاب، فهم يحتاجون إلى عملية منظمة، وإلى سلسلة من المؤسسات التي يستطيعون الاعتماد عليها، ولكنني أعترف بصعوبة ذلك، فقد واجهنا أوقات عصيبة في التعامل معه أيضا».وكان الأعضاء الجمهوريون بالكونغرس قد انتقدوا إدارة أوباما لمقاضاة عبد المطلب، المواطن النيجيري، باعتباره مدنيا ومنحه نفس الحقوق القانونية التي يتمتع بها المواطن الأميركي، حيث قرئت عليه حقوقه قبل مرور 10 ساعات على اعتقاله، وهو ما يقول الجمهوريون إنه عرقل عمل المستجوبين في الحصول على معلومات قيمة منه حول عمليات تنظيم القاعدة في اليمن، التي يعتقد المسؤولون أن عبد المطلب حصل على تدريبه بها، ولكن المسؤولين بالإدارة يقولون إنه كان يتعاون مع المستجوبين منذ إحضار عائلته لتشجيعه على ذلك.

ومن جهة أخرى، قال جيمس جونز، مستشار الأمن القومي، في حوار لبرنامج «حالة الاتحاد» الذي تبثه شبكة «سي إن إن» إنه كان يجب على الإدارة أن تحدد وضع عبد المطلب القانوني أسرع من ذلك، وأضاف جونز: «إنه بعد دراسته للموقف بعناية ونظرا لمعلوماته بشأن ما حدث سواء قبل قراءة حقوقه عليه أو بعدها، فإنه يعلم أنهم يحصلون على ما يحتاجونه من المعلومات».

وفي ذلك اللقاء، قدم تشيني نفسه باعتباره مختلفا مع أعضاء إدارة بوش الأقل تشددا فيما يتعلق بإطلاق سراح معتقلي غوانتانامو أو وسائل الاستجواب التي تصفها اللجنة الدولية للصليب الأحمر بـ«التعذيب». كما ذكر في أحد الاجتماعات التي تمت بقاعة روزفلت، حيث دار بينهم جدل صاخب حول ما إذا كان يجب محاكمة الإرهابيين المشتبه بهم أمام محاكم عسكرية، أو أمام محاكم مدنية كما أوصت محكمة العدل.ويقول تشيني: «لم نصل لمواقف قاطعة أو حاسمة بشأن تلك القضايا، فتلك قضايا صعبة، ولا شك في ذلك، ولكن إن أردت رأيي فيما كان يجب أن يحدث، أعتقد أننا كان يجب علينا التعامل من منطلق أننا في حالة حرب».

* خدمة «نيويورك تايمز»