جعفر باقر الصدر لـ «الشرق الأوسط»: الخطاب السياسي للطبقة الحاكمة يعزز الشعور الطائفي

نجل المرجع الديني البارز قال إنه يتفق مع مقتدى الصدر في معارضة الاحتلال ويختلف معه في الأسلوب

السيد جعفر محمد باقر الصدر
TT

على الرغم من اعترافه بإخفاقات الحكومة الحالية التي أرجع أسبابها إلى عملية المحاصصة، فإن جعفر محمد باقر الصدر نجل المرجع الديني محمد باقر الصدر، اختار أن يكون ضمن ائتلاف دولة القانون التي يترأسها رئيس الوزراء نوري المالكي، في الوقت نفسه الذي يرى فيه الصدر أن أسباب تدهور الأوضاع في العراق، هي سياسات النظام السابق وقرارات سلطة الائتلاف بحل الجيش والأجهزة الأمنية والاجتثاث للبعثيين والخطاب السياسي للطبقة الحاكمة الذي عزز الشعور بالطائفية على حساب الهوية الوطنية. «الشرق الأوسط» أجرت مع الصدر حوارا بعد عودته إلى العراق ليكون أحد أهم الشخصيات التي يتطلع إليها الشارع الآن، وربما سيغير بعضا مما أخذ من تصورات عن شخصيات دينية دخلت عالم السياسة في العراق.

* ما حجم التحديات التي تواجهها قائمة دولة القانون في الانتخابات التي ستجري الشهر القادم؟

- على الرغم من التفوق الذي حققته القائمة في انتخابات مجالس المحافظات، فإن هناك تحديات مهمة تواجهها للظفر بأغلبية مريحة في الانتخابات الحالية؛ كالحفاظ على المشروع الوطني الجامع الذي تبنته خلال السنوات الماضية، وعدم الانجرار لوضع شعارات مغايرة لهذا المشروع لأجل المزايدة الانتخابية، هذا المشروع الذي مكنها من تحقيق التفوق الواضح في الانتخابات السابقة، كما أن إخفاقات الحكومة في بعض الملفات قد تلقي بظلالها على القائمة، رغم أن الكثير منها هو نتيجة تركيبة الحكومة القائمة على المحاصصات وعدم مسؤولية الوزراء المباشرة أمام رئيس الوزراء والتعطيل الذي كان تمارسه بعض الكتل في البرلمان لعمل الحكومة.

* لماذا اخترتم الانضمام إلى هذه القائمة من دون غيرها ولماذا كان ظهوركم الآن في هذا الوقت تحديدا؟

- العراق يمر بمرحلة حساسة جدا والعملية السياسية فيه على المحك، وهذا الظرف يحتاج لأي جهد في سبيل أن نخرج من هذه المرحلة بتثبيت العراق الجديد وإنجاح العملية السياسية ومحاولة التخلص من السلبيات والإخفاقات التي رافقتها، في الوقت ذاته فإن الاتفاقية الأمنية، التي عقدتها الحكومة العراقية مع قوات الاحتلال لجدولة انسحابها من العراق، رفعت المانع الأساسي الذي كان يحول بيني وبين الاشتراك المباشر في العملية السياسية، ومما شجعني أيضا هو مشروع ائتلاف دولة القانون الذي يلبي بعض الطموح من خلال المشروع الوطني البعيد عن الاصطفافات الطائفية والحزبية والرؤية الاقتصادية الواضحة للقيام بالعراق سياسيا واقتصاديا واجتماعيا، فنحن نحتاج في المرحلة القادمة إلى حكومة ذات إرادة وعزيمة وصاحبة مشروع تغييري واضح واعد.

* أين قضيتم حياتكم في الفترة الماضية وهل كنتم تؤسسون للعمل السياسي الحالي وكيف؟ - لا شك أن هناك محطات عديدة في حياتي وأبرزها أننا انتقلنا للإقامة في الكاظمية برعاية ابن عمي سماحة آية الله السيد حسين إسماعيل الصدر مباشرة بعد استشهاد السيد الوالد، وبعد دراستي الجامعية عدت في التسعينات إلى النجف للدراسة الحوزوية بين يدي السيد الشهيد الثاني محمد محمد صادق الصدر، ونتيجة لضغوط النظام ومتابعاته آنذاك وبناء على رغبة السيد الشهيد الثاني وسعيه لتبليغ رسالته للعراقيين في إيران فقد بعثني إلى هناك أواخر التسعينات، وفي إيران باشرت دراستي الحوزوية ومن ثم الدراسة الأكاديمية حتى ما بعد عام 2003 حيث غادرت إيران، وواصلت الدراسة والبحث بشكل خاص في موضوعة التحاور الفكري بين ثقافات الشرق والغرب، ولكن متابعا لمجريات الأمور وتطورات العملية السياسية منذ سقوط النظام ومحتفظا بعلاقات طيبة مع أغلب الفرقاء السياسيين، التي استثمرتها في التوسط لحل بعض الملفات الشائكة.

* ما اهتماماتكم السياسية غير الاشتراك في العملية الانتخابية، هل لديكم طموحات بتولي منصب مهم في الدولة بعد تشكيل الحكومة المقبلة؟ - أعتقد أن الترشيح لعضوية مجلس النواب هو بداية نشاط متواصل أستثمر فيه تجربتي ومخزوني العلمي والثقافي لخدمة العراق وشعبه، وخاصة في مجال الطبقات الفقيرة والمحرومة والمهمشة، وكذلك المساهمة في بناء الوعي الثقافي والفكري لجيل الشباب والنشء الجديد، أما المنصب فليس غاية بحد ذاته بل هو وسيلة يتخذها الإنسان لتحقيق أهدافه.

* ما وجهة نظركم حول مستقبل العملية السياسية في البلاد ومتى سيشهد العراق استقرارا أمنيا وسياسيا؟

- مستقبل العملية السياسية يرتبط بمقدار قدرة كل المكونات العراقية على بناء شراكة حقيقية لقيادة العراق وشعور الجميع بأن لهم بصمة في رسم سياسات العراق وبناء مستقبله، وعدم تهميش فئة أو مكون لأي سبب كان، وهذا سيقلل من التدخل الأجنبي الذي هو عامل سلبي لتحقيق الاستقرار لأنه يستغل حالة الانقسام الداخلي ويستفيد منها لتحقيق مصالحه، كما أن الملف الاقتصادي عامل مهم؛ فالنهوض الاقتصادي وإنصاف الطبقات المحرومة وإيجاد حلول لمشكلات المجتمع كالبطالة والفقر وانعدام السكن طريق أساسي لتحقيق الاستقرار.

* ما طبيعة علاقتكم بالسيد مقتدى الصدر، هل هناك أوجه خلاف أو اتفاق وفي أي الاتجاهات؟ - السيد مقتدى الصدر شخصية وطنية مخلصة، له مواقف شجاعة في مواجهة الاحتلال وحريص على سيادة العراق واستقلاله ووحدته، وهذه أمور نتفق فيها معه، ولكن قد نختلف معه في طريقة معالجة هذه الأمور وتحقيقها.

* هل من وجهة نظركم التدخلات الخارجية كانت السبب وراء تدهور الأوضاع الأمنية والسياسية على مدى السنوات المنصرمة، وما الدور الإيراني والعربي في العراق؟ - لذلك أسباب عديدة منها سياسات النظام السابق التي برزت نتائجها إلى السطح بعد سقوطه وبعض قرارات سلطة الائتلاف الأجنبي كقرار حل الجيش والأجهزة الأمنية والاجتثاث، الخطاب السياسي للطبقة الحاكمة الذي كان يعزز الشعور الطائفي والعرقي على حساب الهوية الوطنية الواحدة، إضافة إلى أن التدخل الإقليمي كان له دور في تأزيم الوضع، لأن الوجود العسكري الأجنبي في العراق خلق تخوفا عند بعض دول الجوار حول المشروع الأميركي في المنطقة، والتجربة الديمقراطية الناشئة في العراق شكلت هاجسا عند البعض، واستفادت من ذلك القوى الأصولية الإرهابية التي اعتبرت العراق (ساحة جهاد) بامتياز فبدأت بحجة الجهاد باستخدام العنف وشق الصفوف وزرع الفتنة، ونحتاج اليوم إلى خطاب موحد لكل العراقيين موجه لدول الجوار لطمأنتهم أن العراق الجديد ليس خطرا على أحد، وأنه يمد يده للجميع لبناء أفضل العلاقات، وبالمقابل فإننا لن نسمح بأي تدخل في شؤوننا، وعلى هذه الدول الكف عن ذلك والعمل على تعزيز الوحدة الوطنية من خلال التعامل مع الدولة العراقية حصرا، ومن خلال القنوات الرسمية وعدم الارتباط بعلاقات مع أي مكون أو تنظيم داخلي ليس فيه مصلحة العراق الواحد.

* جميع القوائم تنادي بوحدة العراق وأن العراق هدفها أولا وأخيرا، هل ستضيع الأهداف أمام الناخب العراقي أم أن المرشح يعول فعلا على الناخب وكيفية فرزه للقوائم الحقيقية التي تسعى لتطور العراق؟

- أظهر الناخب العراقي وعيا كبيرا في انتخابات مجالس المحافظات إذ تجاوز الجو المشحون بالطائفية والفئوية، وانحاز للقوائم ذات الخطاب الوطني البعيدة عن الطائفية وعن تسييس الدين، وتمتلك برامج طموحه لخدمة المواطن، وأنا أعوّل على هذا الوعي في الانتخابات القادمة.

* هل تعتقدون أن المرحلة المقبلة ستشهد اغتيالات وتصفيات سياسية وصولا إلى يوم الاقتراع؟ ومن هي الجهات التي ستصعد من هذا الجانب، هل هي جهات خارجية أم داخلية؟ - أتمنى أن لا يحصل ذلك، وأنا على ثقة بالجهود التي تبذلها القوى الأمنية من جيش وشرطة في سبيل تهيئة أجواء آمنة حتى يوم الانتخابات، كما أن ضمان مشاركة جميع مكونات الشعب العراقي وبفرص متساوية وعدم تعكير الأجواء بحملات انتخابية غير مسؤولة سيفوت الفرصة على من يريد استغلال هذه الفترة لضرب العملية السياسية، من خلال العنف كالجماعات الإرهابية أو الصداميين القتلة.