الرئيس الإندونيسي بين حل مشاكل الناس والترفيه عنهم.. بالغناء

يبدي حساسية مفرطة تجاه النقد.. وأخطاء صغيرة وراء تراجع شعبيته

TT

أصدر الرئيس الإندونيسي، سوسيلو بومبانغ يوديونو، في الآونة الأخيرة ألبوما غنائيا جديدا من موسيقى البوب بعنوان «أثق أنني سأصل هناك». ورغم الاستقبال الطيب الذي قابله الألبوم، وهو الثالث له منذ توليه الرئاسة، فإنه عجز عن إنقاذه من حالة التراجع السياسي التي يعانيها.

من قبل، جرت الإشادة بيوديونو على نطاق واسع باعتباره إصلاحيا ومحاربا للفساد. وبالفعل، أعيد انتخابه في يوليو (تموز) الماضي في فوز انتخابي كاسح. ظلت معدلات التأييد له مرتفعة بعد ذلك، إلا أنه في الفترة الأخيرة، بدأت فضائح تجري فصولها منذ فترة بعيدة وما يعتبره النقاد افتقارا إلى الحسم من قبل يوديونو في التعامل معها في التأثير سلبا على شعبيته.

وقد أثار يوديونو مشاعر الدهشة والتعجب ليس فقط بتحوله إلى أول رئيس إندونيسي يسجل ألبوما غنائيا خلال فترة توليه السلطة، وإنما كذلك لإبدائه حساسية مفرطة إزاء النقد. وفي وقت سابق من الشهر الحالي، مثلا، حظر يوديونو وجود جاموس الماء في المظاهرات العامة بعد تشبيه المتظاهرين له بهذا الحيوان. وأعرب بوني هارغينز، أستاذ العلوم السياسية بجامعة إندونيسيا، عن اعتقاده أن «الرئيس يبالغ في رد فعله للأحداث المحيطة به. وبدلا من محاولة حل المشكلات الحقيقية، يحاول الترفيه عن الناس بالموسيقى». وأضاف أن «سوكارنو كان يعشق الغناء، لكنه لم يطرح في الأسواق ألبوما غنائيا قط»، في إشارة إلى أول رئيس لإندونيسيا بعد الاستقلال.

وفي تقييمها للأيام المائة الأولى من فترة رئاسة يوديونو الثانية، أعلنت الحكومة منذ أسبوعين أنه أنجز تقريبا جميع أهدافه المعلنة لهذه الفترة. وركزت الحكومة على جهود البدء بمشروعات كبرى في مجال البنية التحتية، بينها طريق سريع وسدود وجسور ومجمعات سكنية ومنشآت لمعالجة المياه.

ورغم إشادة بعض وسائل الإعلام بالحكومة لشروعها في هذه المشروعات، تركز الاهتمام الأكبر على فضيحتي فساد، أولهما عداء قائم منذ أمد بعيد بين «لجنة القضاء على الفساد» وكل من الشرطة الوطنية ومكتب المدعي العام. وتوحي الأدلة المتوفرة في هذا الشأن بقوة إلى أن مسؤولين بالشرطة ومحققين حاولوا الإيقاع بمسؤولين رفيعي المستوى معنيين بمحاربة الفساد. إلا أن أحدا لم توجه إليه اتهامات في هذه القضية، التي لم يتحدث عنها الرئيس كثيرا، رغم تزعمه جهود مكافحة الفساد خلال فترة رئاسته الأولى.

وتدور الفضيحة الثانية حول الإجراءات الغامضة التي اتخذت لإنقاذ مصرف صغير، هو «سنشري»، يشارك به مستثمرون ذوو صلات سياسية. وفي إطار تحقيق اتسم بطابع سياسي كبير، ركز البرلمان، الذي يعد على نطاق واسع أكثر المؤسسات الإندونيسية فسادا، على اثنين من أبرز الإصلاحيين في صفوف الحكومة يحظيان بقدر بالغ من الاحترام: بويديونو، نائب الرئيس، وسري مولياني، وزير المالية، وكلاهما من التكنوقراط. ويعتقد أن أعضاء المعارضة والحكومة على حد سواء يحاولون التخلص من أحد المسؤولين أو كليهما لإبدالهما بمسؤولين معينين.

من ناحيته، أعلن جوليان ألدرين باشا، المتحدث الرسمي باسم الرئيس، أن وسائل الإعلام ركزت على نحو ظالم على الفضيحتين، بينما تجاهلت التقدم الذي تحرزه الحكومة على صعيد مشروعات البنية التحتية ومجالات أخرى. وأضاف باشا، في إطار مقابلة أجريت معه عبر الهاتف: «يتبع الإعلام مصالح ودوافع سياسية خاصة. لا نزال نعتقد، من جانبنا، أننا في طريقنا نحو مكافحة الفساد والإرهاب وتناول قضايا أخرى».

إلا أنه بدلا من صياغة موقف حازم ضد الفساد، يرى خبراء أن يوديونو تسبب في ارتباك بإقدامه على الحديث دونما استعداد. في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، وصف الرئيس مسيرة ضد الفساد باعتبارها جزءا من حركة ترمي للإطاحة به، مما أثار دهشة الكثيرين في العاصمة الإندونيسية حيث تعد المظاهرات السياسية من المشاهد المعتادة في الشوارع.

وأوضح محمد قداري، المدير التنفيذي لشركة تعنى بإجراء استطلاعات للرأي العام، «إندو باروميتر»، أن «برنامج الرئيس يوديونو تعرض للتهميش جراء هذه المشكلات. الآن، أصبحت الشكوك تساور أفراد الشعب حيال موقفه من الفساد». وأشار قداري إلى أن هذه التطورات شكلت الأسباب الرئيسة وراء انحسار معدلات تأييد الرئيس بمقدار 15%، لتصل إلى قرابة 75%، خلال الشهور الستة الأخيرة.

وعليه، فإن الآراء الإيجابية حيال ألبوم الرئيس الجديد، الذي طرح في الأسواق منذ أسبوعين، جاءت بمثابة أنباء جيدة. يذكر أن يوديونو تولى بنفسه تأليف كلمات ووضع ألحان جميع الأغنيات التسع الواردة في الألبوم. ورغم أن يوديونو لا يبدي خجلا حيال التحدث في مكبرات الصوت في العلن، فإنه فضل ترك مهمة الغناء في الألبوم إلى مطربين إندونيسيين مشهورين انتقاهم بنفسه، بل وحرص على اختيار صورة غلاف الألبوم أيضا، حسبما ذكر المتحدث الرسمي باسمه.

وتتنوع موضوعات الأغاني بين السياسي والشخصي. وفي الوقت الذي يمثل فيه عنوان الألبوم «أثق أنني سأصل هنا» إشارة إلى الالتزام السياسي ليوديونو، فإنه تناول جمال الطبيعة الإندونيسية في أغنية بعنوان «روحي غمرها الضوء تلك الليلة»، والأطفال الذين تلم بهم كوارث طبيعية في «من أجلكم أيها الأطفال الأحباء».

إلا أنه في الأغاني التي تحمل طابعا شخصيا أكبر، يستغرق يوديونو في الحديث عن ذكرياته عن فترة المراهقة التي قضاها بمدينة صغيرة في أغنية «أيام المدرسة»، وعن مولد حفيدته في أغنية «هل هناك؟»، ويتحدث عن الشوق والحنين في أغنية «أحن إليك يا حبيبتي».

وقام يوديونو، الذي يتحدث الإنجليزية بطلاقة، بترجمة أغنية «أحن إليك يا حبيبتي»، إلى الإنجليزية في ألبومه الأخير. ومن بين كلماتها:

خذيني إلى البيت وضميني بشدة خذي روحي ولا تتركيها أبدا دعي وعودنا وكلماتنا وحبنا يجمعنا سويا من جانبهم، أثنى النقاد الموسيقيون على الألبوم باعتباره يشكل تطورا إيجابيا عن الألبومين السابقين للرئيس. وقال بينز ليو، الناقد الغنائي المشهور، إن الألبوم الأول «لم يكن على درجة كبيرة من الحرفية»، أما الألبوم الجديد فيتميز بالبراعة. ومن بين المطربين الذين شاركوا في الألبوم أبو الموسيقى الريفية في إندونيسيا والفائز السابق بلقب «معشوق إندونيسيا».

وفيما يخص أسلوب تلحين الرئيس، قال ليو: «لا يزال أسلوبه واحدا دون تغيير. الواضح أنه لم يتغير عن الألبوم الأول».

من ناحية أخرى، انتهز البعض فرصة صدور الألبوم لاستغلال موسيقاه في التحليل النفسي. على سبيل المثال، ذكرت صحيفة «جاكرتا بوست»، الصادرة بالإنجليزية، أن موسيقى الألبوم تكشف شعورا بالحزن. وأوضحت الصحيفة أنه «رغم العناوين المرحة للأغاني، يبقى مناخ عام من الحزن مهيمنا على الألبوم».

داخل متجر «أكواريوس» الموسيقي في جنوب جاكرتا، لم يحقق الألبوم مبيعات جيدة. إلا أن عملاء أعربوا عن إعجابهم بفكرة طرح الرئيس من حين لآخر ألبومات غنائية، أو على الأقل لا يرون ما يضير في هذا الأمر. وقال جون أراريا، وهو موسيقي يتولى قيادة فرقة موسيقية تدعى «أنغيلز»: «سوسيلو بومبانغ يوديونو هو الشخص رقم واحد على مستوى البلاد، وهو يطرح ألبومات غنائية. هذا أمر رائع. إذا كانت لديه نزعة فنية، فهذا يعني أنه أكثر عطفا وحساسية».

لكن آخرين يرون أن الرئيس ربما ليس حساسا فقط، وإنما مفرطا في حساسيته. ومنذ أسبوعين، قاد متظاهرون حيوانات من فصيلة جاموس البحر إلى داخل جاكرتا، معلقين صور الرئيس عليها. وكان يمكن أن يمر الحدث من دون أن يتذكره أحد لولا إثارة الرئيس، الذي انتابه غضب واضح، له علانية. وقال الرئيس: «لقد قالوا إن سوسيلو بومبانغ يوديونو كسول وضخم وغبي مثل جاموس البحر».

وعلى الفور، سارعت السلطات إلى حظر إشراك جاموس البحر في أي مظاهرات علنية. وفي اليوم التالي، منعت الشرطة سيارة محملة بجاموس البحر، الذي أطلق عليه المتظاهرون لقب «سي ليباي»، أو «الشخص الذي يبالغ في رد فعله»، من دخول المدينة.

* خدمة «نيويورك تايمز»