باريس وموسكو تنفيان مزاعم إيران حول وجود عرض جديد حول برنامجها النووي

مصادر فرنسية: رفض طهران للتعاون سيجعل مهمة منع إسرائيل من مهاجمتها أمرا بالغ الصعوبة

TT

سارعت باريس وموسكو، أمس، إلى نفي مزاعم إيران بأنها تلقت عرضا جديدا من الدول الكبرى حول برنامجها النووي، وهو ما أعلنه في وقت سابق أمس رئيس الوكالة الإيرانية للطاقة النووية علي أكبر صالحي، الذي قال إن روسيا وفرنسا والولايات المتحدة قدمت اقتراحا جديدا لتبادل اليورانيوم بالوقود وتقوم طهران بدراسته حاليا.

وقال صالحي لوكالة الأنباء العمالية الإيرانية «بعد قرار إيران إنتاج اليورانيوم المخصب بنسبة 20% محليا، قدمت روسيا وفرنسا والولايات المتحدة اقتراحا جديدا ونحن في صدد دراسته». وأضاف صالحي أن إيران ستتوقف عن «التخصيب (بنسبة 20%) إذا تم احترام كل الشروط التي طالبت بها طهران لتبادل اليورانيوم» في الاقتراح الروسي الفرنسي الأميركي الجديد.

وأعطى صالحي لاحقا مقابلات مع وكالات أنباء إيرانية أخرى وكرر أن هناك اقتراحا جديدا من جانب روسيا وفرنسا والولايات المتحدة. وقال لوكالة «فارس» «لن أكشف عن مضمون هذا الاقتراح... إننا على استعداد للتبادل إذا أعطت (الدول الثلاث) ضمانات كافية، أي أن يتم هذا التبادل بشكل متزامن وعلى الأراضي الإيرانية». وأكد صالحي أن «دولا مختلفة اتصلت بإيران لعرض اقتراحات بشأن تبادل اليورانيوم مقابل وقود، وأن هذه الاقتراحات قيد الدراسة حاليا» من جانب طهران.

إلا أن وزارتي الخارجية الفرنسية والروسية نفتا وجود مثل هذا العرض الجديد لإيران. وقال برنار فاليرو، الناطق باسم الخارجية الفرنسية أمس، في إطار المؤتمر الصحافي اليومي إنه «يتعين على صالحي أن يعلم أن الاقتراح الوحيد (المطروح على إيران) هو الذي قدمته الوكالة الدولية للطاقة النووية في شهر أكتوبر (تشرين الأول) الماضي والذي لم يلق حتى تاريخه ردا إيجابيا» من طهران.

من جهتها، قالت روسيا إن القوى الكبرى أكدت ببساطة دعمها لاقتراح توسطت فيه الوكالة الدولية للطاقة الذرية بإرسال معظم اليورانيوم الإيراني منخفض التخصيب مقابل الحصول على وقود لمفاعل أبحاث في طهران. ونقلت الوكالة عن مسؤول بوزارة الخارجية قوله: «أكدت روسيا والولايات المتحدة وفرنسا دعمها للمقترحات السابقة للوكالة الدولية للطاقة الذرية».

وتربط باريس بين المزاعم الإيرانية وتكثيف الجهود والضغوط الدولية لفرض عقوبات إضافية على إيران عبر قرار جديد في مجلس الأمن الدولي. وتعمل فرنسا مع الولايات المتحدة الأميركية على بلورة مشروع قرار أكد مستشار الرئيس أوباما للأمن القومي أنه سيطرح على المجلس قبل نهاية الشهر الجاري. غير أن باريس تبدو أكثر حذرا من واشنطن إذ لا تتوقع إصدار القرار المنتظر قبل «عدة أسابيع»، وفقا لما قالته لـ«الشرق الأوسط» مصادر فرنسية رسمية.

وكان كوشنير قد أشار نهاية الأسبوع الماضي إلى ضرورة بذل جهود لإقناع الصين للسير في مشروع العقوبات. وتبدو بكين بمثابة «العقبة الأساسية» للوصول إلى شبه إجماع في مجلس الأمن. وبحسب المصادر الفرنسية، فإن باريس وواشنطن «لم تقطعا الأمل» من النجاح في إقناع بكين بالتصويت لصالح القرار الجديد أو على الأقل الامتناع عن التصويت مما يسمح بتمرير القرار في حال توافرت الأصوات التسعة الضرورية في المجلس. غير أن فرنسا والولايات المتحدة ودول أخرى «حريصة على وحدة المجلس»، وتريد قرارا يحظى بالإجماع أو ما اقترب منه.

وأمس، أجرى كوشنير جولة مباحثات مع مدير عام وزارة الخارجية البرازيلية أنطونيو دو أغويار باتريوتا تركزت في جزء كبير منها على الملف النووي الإيراني. ويعود اهتمام باريس بالبرازيل لكون الأخيرة عضوا في مجلس الأمن الدولي وهي من بين بلدان أميركا اللاتينية التي تقيم علاقات وثيقة مع إيران وتعارض فرض عقوبات جديدة على طهران لأنها تعتبرها «غير مفيدة» وستأتي بـ«نتائج معكوسة». وكان الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد زار البرازيل في شهر نوفمبر (تشرين الثاني) من العام الماضي كما ينوي الرئيس البرازيلي لولا دا سيلفا زيارة طهران قريبا.

وكشف كوشنير أيضا الأسبوع الماضي أن لبنان، العضو غير الدائم في مجلس الأمن منذ بداية العام الجاري، من الدول غير المتحمسة لعقوبات جديدة. وتستبعد باريس أن تصوت بيروت لصالح القرار، مرجحة امتناعها عن التصويت. وتعتبر تركيا من بين الدول المعارضة أيضا وهي تريد أن تلعب دور الوسيط مع طهران فيما تضاف إليها دولتان أفريقيتان هما نيجيريا وأوغندا.

والمحصلة أن ست دول، الصين وخمس دول غير دائمة العضوية من أصل عشرة، تعارض فرض عقوبات إضافية على طهران. ورغم تأكيدات واشنطن أن ثمة تعاونا «وثيقا» مع روسيا، فإن تصويت موسكو على العقوبات ليس مضمونا تماما. وترى باريس أن وجهة التصويت الروسي مرتبطة بمضمون العقوبات.

ويلحظ العرض الذي قدمته الوكالة الدولية لطهران في الخريف الماضي على أن تقوم إيران بتسليم 1200 كلغ من مخزونها الذي كان يبلغ وقتها 1500 كلغ من اليورانيوم ضعيف التخصيب مرة واحدة على أن تقوم روسيا بتخصيبه إلى درجة 20 في المائة ثم ينقل إلى لفرنسا التي تتولى تحويله إلى نحو 110 كلغ من قضبان اليورانيوم الصالحة للاستخدام في مفاعل طهران لإنتاج النظائر الطبية المستخدمة في معالجة عدد من الأمراض وأهمها السرطان.

وتحذر فرنسا من أن رفض إيران التعاون مع مجلس الأمن الدولي سيفضي إلى وضع «سيكون معه من الصعب لجم إسرائيل» ومنعها من قصف المنشآت الإيرانية. وهذا الاحتمال حذر منه الأدميرال مايكل مولن، رئيس أركان القوات الأميركية في جولته الحالية في الشرق الأوسط. وإذا كانت باريس تعتبر أن انفجار الوضع عسكريا سيشعل المنطقة، فإنها ستجد نفسها في الواجهة بسبب حضورها العسكري في أبوظبي حيث لها قاعدة عسكرية بحرية وجوية وتربطها بالإمارات اتفاقية دفاعية ينص أحد بنودها على الدفاع عن الإمارات في حال تعرضها لهجوم.

وتراهن باريس، كما تقول مصادرها، على حصول تغيرات سياسية داخلية في إيران. وكان الوزير كوشنير قد قال قبل أيام إن «الحركة الخضراء، أي المعارضة الإيرانية، تحظى بدعم غالبية الشعب. ولم يستبعد الوزير الفرنسي «انتصار» المعارضة في عملية لي الذراع الراهنة مع السلطة. غير أن المشكلة أن ما يقوله الوزير كوشنير أقرب إلى التمنيات منه إلى التوقعات حيث يحذر المراقبون من الإغراق في التعويل على ضعف النظام أو توقع انفجاره من الداخل في الأمد القريب.