كلينتون تدعو للتحلي بالصبر حيال واشنطن.. وتعبر عن خشيتها من انجراف إيران إلى نظام عسكري ديكتاتوري

في لقاء مع طلاب جامعيين في منتدى الولايات المتحدة والعالم الإسلامي

هيلاري كلينتون (أ.ف.ب)
TT

قالت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون، أمس، إن بلادها تخشى انجراف إيران نحو نظام عسكري ديكتاتوري، مع سيطرة الحرس الثوري الإسلامي على قطاعات واسعة من المؤسسات السياسية والعسكرية والاقتصادية الإيرانية. وأضافت كلينتون في لقاء مع طلاب جامعيين داخل إحدى قاعات الحرم الجامعي لجامعة كارنيغي مليون في الدوحة: «هكذا ننظر إلى الأمر، فنحن نرى أن الحكومة في إيران والمرشد الأعلى والرئيس والبرلمان يجري استئصالهم، وأن إيران تتحرك نحو نظام ديكتاتوري عسكري». وأشارت إلى أن الولايات المتحدة تعمل على صياغة مجموعة جديدة من عقوبات أشد تحت رعاية الأمم المتحدة لاستهداف الحرس الثوري الذي يسيطر على البرنامج النووي الإيراني، الذي قالت كلينتون إنه يتعمد تهميش القيادات الدينية والسياسية بالبلاد على نحو متزايد. وقالت صحيفة «واشنطن بوست» إن إجابات كلينتون كانت «فظة» نظرا إلى أن حديثها كان موجها لجمهور داخل قطر. إلا أن الصحيفة أضافت أن «هذه التعليقات تشكل امتدادا للاستراتيجية التي تبنتها الإدارة مؤخرا والتي في إطارها جرى وصف الحرس الثوري بأنها فئة مؤهلة»، بمعنى أنه يمثل التهديد الرئيس في إيران.

وأوضحت كلينتون، التي وصلت قطر أول من أمس، حيث تلقي كلمة في إطار فعاليات منتدى الولايات المتحدة والعالم الإسلامي، أن إدارة أوباما تعتقد أن الحرس الثوري يعمد إلى وضع نفسه محل الحكومة الإيرانية.

وبعد تسعة شهور من إعلان الرئيس أوباما تعهده بالشروع في «بداية جديدة» بين الولايات المتحدة والعالم المسلم، وصلت كلينتون إلى قطر لتناشد بالتحلي بالصبر، واعترفت بأن إدارة أوباما لم تحقق بعد بعض أبرز أهدافها على صعيد السياسة الخارجية. ومن عملية السلام المتجمدة مرورا بسجن غوانتانامو في كوبا الذي لا يزال مفتوحا وصولا إلى حالة التأزم الدبلوماسي مع إيران حول برنامجها النووي، اعترفت كلينتون بقائمة من المهام التي لم تنجز بعد، وترى أنها أثارت الشكوك في أن التزام الولايات المتحدة بتسويتها «ليس كافيا أو غير صادق». وأضافت، خلال الكلمة التي ألقتها أمام «منتدى الولايات المتحدة والعالم الإسلامي»: «أتفهم لماذا قد يفقد البعض صبرهم، لكن بناء علاقة أقوى لا يمكن تحقيقه بين عشية وضحاها أو حتى خلال عام». جدير بالذكر أن المنتدى أقيم تحت رعاية الحكومة القطرية و«معهد بروكنغز». وألقت كلينتون بعض المسؤولية عن تحسين المناخ العام في العلاقات بين العالمين الأميركي والمسلم على عاتق الدول العربية، موضحة أن على هذه الدول تحمل مسؤوليتها للمساعدة في دفع عجلة مفاوضات السلام بين إسرائيل والفلسطينيين، والتصدي للطموحات النووية الإيرانية. وعن خطاب الرئيس أوباما من داخل جامعة القاهرة في يونيو (حزيران) الماضي، قالت كلينتون: «لم تكن رؤية الرئيس أوباما انعكاسا لرغبة دولة واحدة في فتح فصل جديد في العلاقات بنفسها، بل كانت بمنزلة دعوة لنا جميعا لتحمل مسؤولياتنا للتخلي عن القوالب التقليدية ووجهات النظر التي عفا عليها الدهر». الملاحظ أن بعض هذه القوالب التقليدية كانت واضحة داخل هذا المؤتمر النخبوي، الذي شارك فيه 300 مسؤول من حكومات مسلمة وغربية ورجال أعمال وعلماء ورجال دين. فعندما تحدى سعد الدين إبراهيم، عالم الاجتماع المصري وأحد دعاة حقوق الإنسان، الذي تعرض للسجن بين عامي 2001 و2003، كلينتون كي تتخذ موقف أكثر تشددا حيال الحكومة المصرية ، أثار ذلك ضحكة من جانب رئيس الوزراء القطري، الشيخ حمد بن جاسم آل ثاني، الذي كان يشارك وزيرة الخارجية الأميركية المنصة. وقال رئيس الوزراء القطري لإبراهيم: «تعلم أن لدي ما يكفي من المشكلات مع حكومتك». مضيفا: «بمقدور الأميركيين التعامل مع» رد فعل مصر الغاضبة، لكن ليس دولة مجاورة صغيرة مثل قطر. وعلقت كلينتون مبتسمة: «ما نزال نتحمل المسؤولية». وقالت صحيفة «نيويورك تايمز»: كان هذا الحديث بمنزلة حوار مرح في ظل مؤتمر هيمنت عليه الجدية وسلط الضوء على محدودية التغييرات التي طرأت منذ تعهد أوباما بتحسين العلاقات بين الولايات المتحدة والعالم المسلم. وقد أكدت كلينتون خلال الجلسة، أن أوباما بذل جهودا استثنائية، بل أقدم على بعث رسائل إلى القيادات الإيرانية - مما يعد تأكيدا واضحا لتقارير إعلامية ظهرت العام الماضي حول كتابة الرئيس خطابات إلى المرشد الأعلى الإيراني، آية الله علي خامنئي، لم يرد عليها الأخير. وفي الوقت الذي لم تتقدم فيه كلينتون بطلبات محددة إلى الدول المجاورة لإيران، فإنها أكدت أن هذه الدول بحاجة للاضطلاع بدور نشط في المساعدة في كبح جماح الحكومة الإيرانية.

وقالت في خطابها: إن الإدارة الأميركية «ما تزال تبدي استعدادا للتعاون» مع الجمهورية الإسلامية، لكنها «لن تقف مكتوفة الأيدي» حال سعي طهران لصنع سلاح نووي. وأكدت أن الولايات المتحدة ستحمي حلفاءها في الخليج من أي عدوان إيراني - وهو تعهد يحمل أصداء فكرة بناء «مظلة أمنية» روجت لها في آسيا الصيف الماضي. وأشارت كلينتون إلى أن واشنطن قدمت بالفعل أسلحة دفاعية إلى عدد من هذه الدول، وأنها على استعداد لتعزيز مساعداتها الأمنية إذا لزم الأمر. وأضافت: «سنحمي أنفسنا دوما، وسنحمي دائما أصدقاءنا وحلفاءنا، وبالتأكيد سنحمي دول منطقة الخليج التي تواجه الخطر الأكبر المباشر من إيران المجاورة». وتابعت تقول: «نعقد محادثات مطولة أيضا مع كثير من أصدقائنا في الخليج بشأن ما يحتاجونه على الصعيد الدفاعي حال مضي إيران قدما في طموحاتها النووية». وبعد تعرضها لضغوط متكررة من جمهور الحاضرين الذي تألف معظمه من طلاب مسلمين، قالت كلينتون: إن الولايات المتحدة ليست لديها خطط لشن ضربة عسكرية ضد إيران. وفي سؤال لها حول ما يدعى «مظلة أمنية» - عبارة استخدمتها كلينتون للمرة الأولى أثناء الانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي ولم يقرها البيت الأبيض بعد أن ذكرتها في تايلاند الصيف الماضي - قالت كلينتون: إن هناك اعتقادا ما يزال يساورها بأنها السبيل الأمثل للتصدي للتهديد الإيراني.

وأوضحت كلينتون أن الدول المجاورة لإيران أمامها خيارات ثلاثة: «بإمكانها الخضوع للتهديد، أو يمكنها السعي لبناء قدراتها، بما في ذلك النووية، أو التحالف مع دول مثل الولايات المتحدة لديها استعداد للمساعدة في الدفاع عنهم». وأضافت: «أعتقد أن الثالث هو الخيار الأفضل بكثير».

الملاحظ أنه في إطار جهودها لاستهداف الحرس الثوري، تحاول إدارة أوباما أيضا خلق صدع بين الإيرانيين العاديين والطبقة الحاكمة. وفي حديثها أمام مراسلين أثناء توجهها من قطر إلى السعودية في وقت لاحق أمس، شددت كلينتون على هذه الفجوة، حيث قالت: «أعتقد أن التوجه القائم على وجود دور متزايد للمؤسسة العسكرية في القرارات التي تتخذها القيادة لا بد أن يثير القلق في نفوس الإيرانيين وكذلك الجهات الخارجية مثلنا». إضافة إلى ذلك، أعربت كلينتون عن تفاؤل حذر حيال إمكانية إبداء الصين موقفا أكثر تقبلا لفرض عقوبات ضد إيران. وكانت بكين رفضت فرض الأمم المتحدة عقوبات أشد ضد طهران بسبب روابطها التجارية الواسعة معها. وقالت كلينتون: «أعتقد أن الثقل بدأ في التحرك باتجاه الرغبة في تجنب العزلة أو الإسهام على نحو غير مقصود في حالة من انعدام الاستقرار تقوض مصالحها الاقتصادية»، في إشارة للصين. وعن عملية السلام في الشرق الأوسط، قالت كلينتون: «أعلم أن الناس قد أصابها شعور بالإحباط لعدم تحقيقنا انفراجة حتى الآن. وهذا الإحباط يساور أيضا الرئيس والسيناتور ميتشل وأنا شخصيا»، مؤكدة أنه على الرغم من ذلك فلم يتزعزع عزم أوباما على هذا الصعيد. من ناحيته، ناشد الشيخ جاسم آل ثاني الولايات المتحدة بالمضي قدما في مساعيها للدخول في حوار مباشر مع إيران. وقال: «إذا كان هناك سباق تسلح نووي في المنطقة، فإنه سيضرنا جميعا». وأبدى رئيس الوزراء القطري تأييده المبادرة الأميركية الأخيرة في الشرق الأوسط، التي تدور حول عقد محادثات للتقريب بين وجهتي النظر الإسرائيلية والفلسطينية، والتي من المقرر أن يتولى خلالها المبعوث الخاص لإدارة أوباما، جورج جيه ميتشل، نقل رسائل بين الجانبين. وحث الأمير القطري، الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، الولايات المتحدة على بذل مزيد من الجهود للتخفيف من حدة المعاناة في قطاع غزة. بينما قالت كلينتون أن «مبدأ المسؤولية المشتركة يمتد إلى الدول العربية المجاورة لإسرائيل، وكذلك الدول بمختلف أنحاء العالم». وأكدت التعليقات التي أدلت بها كلينتون أمس، على عزم إدارة أوباما استهداف فيالق الحرس الثوري على وجه الخصوص كسبيل نحو كبح جماح البرنامج النووي الإيراني. وقد وصف مسؤولون بارزون في البيت الأبيض ما قالوا إنه سيشكل جهودا «منظمة» لخلق صدع بين الشعب الإيراني والحرس الثوري، الذي يقول الغرب إنه مسؤول عن إدارة البرنامج النووي الإيراني. وسيتم ذلك من خلال استصدار قرار من مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة يضم أسماء شركات محددة وشبكة واسعة من الأصول التي يملكها الحرس الثوري - إنها أصول تتضمن حتى مطار طهران - وتأمل الإدارة في زيادة الضغوط على الحرس الثوري بصورة بالغة، الذي وصفه مسؤول رفيع المستوى بالإدارة بأنه «فئة مؤهلة» للعقوبات داخل إيران.