خارجون من الاحتجاز الأميركي يواجهون مصيرين: القتل بيد العشائر أو الانضمام لـ«القاعدة»

في الأنبار تلاحقهم العشائر ثأرا لمقتل أبنائها.. وعائلات بعضهم تدفع آلاف الدولارات ديات

TT

يواجه الكثيرون من العراقيين الذين أفرجت عنهم القوات الأميركية مصيرين: القتل بأيدي العشائر التي تريد الثأر لمقتل أبنائها، أو الانضمام إلى صفوف تنظيم القاعدة. وتضطر عائلات بعض المفرج عنهم إلى دفع مبالغ ضخمة لتجنيب أبنائها القتل.

وأسوأ الحالات هي في محافظة الأنبار التي كانت في وقت ما معقلا لتنظيم القاعدة والجماعات المسلحة المرتبطة بها. وتقول عائلات إنها تدفع آلاف الدولارات «ديات» لفداء أبنائها من القتل بعدما يفرج عنهم الجيش الأميركي. وإذا لم تتمكن العائلات من توفير الأموال فإن أبناءها غالبا ما يختفون ويعودون في بعض الأحيان إلى صفوف المتشددين.

وقال علي حماد، وهو شيخ كبير في الأنبار يعمل في قضايا المصالحة الوطنية ويتوسط بين القبائل المتحاربة، إن الأمر أصبح ظاهرة في المحافظة. وأضاف لوكالة «رويترز»: «المجرمون يصعب عليهم المغادرة، وبما أنهم منبوذون من المجتمع والعشائرُ أهدرت دماءهم فإنهم يعودون إلى نفس الجماعات ويمارسون القتل من جديد».

وخسرت «القاعدة» معقلها في الأنبار بعد انضمام عشائر المحافظة إلى الجيش الأميركي في قتالها منذ 2007 بعدما وجدت أنها تسيء استخدام القوة وتفرض أساليب وحشية.

وتنص معاهدة أمنية دخلت حيز التنفيذ العام الماضي على أن يسلم الجيش الأميركي العراق آلافا من الأشخاص اعتقلهم خلال الحرب وبعضهم اعتُقل بسبب صلات مزعومة بميليشيات شيعية وآخرون أُلقيَ القبض عليهم لصلات بحركات تمرد. وتتهم الحكومة العراقية المعتقلين المفرج عنهم بالمسؤولية عن بعض الهجمات الانتحارية على مبان عامة في بغداد منذ أغسطس (آب). ويقول الجيش الأميركي إن خمسة في المائة فقط من المعتقلين الذين احتجزوا في سجونه منذ عام 2003 وعددهم 90 ألف شخص يعودون لارتكاب جرائم جديدة.

وصرح اللواء طارق يوسف وهو رئيس سابق لشرطة الأنبار بأن الشرطة على علم بخمسين معتقلا على الأقل أفرج عنهم وقتلتهم عشائر منذ عام 2007. وقال: «لا توجد لدينا أدلة ولكننا نعلم أن العشائر قتلتهم». وغالبا ما تغض الشرطة الطرف عن هذا الأمر. وتعني هذه المخاطر أن المعتقلين الذين ما زالوا محتجزين في السجون الأميركية وعددهم ستة آلاف شخص لا يحرصون كلهم على الخروج منها. وقال أبو عبد الله وهو شقيق معتقل احتجز في سجن كامب كروبر بالقرب من مطار بغداد: «طبعا نريده أن يغادر المعتقل ولكننا نحتاج أن نتأكد أننا لن نفقده. الكثير من العشائر تنتظر إطلاق سراحه بلهفة لتقوم بقتله».

وتتبع هذه التقاليد في الأنبار مع الأشخاص الذين تربطهم صلات غامضة بـ«القاعدة». وقرر شيوخ قبائل رفض الديات في حالات الأشخاص الذين يعرف أنهم قتلوا في إطار مجموعة. وقال الشيخ محمد خميس أبو ريشة الذي قتلت «القاعدة» ثلاثة من أبناء عمومته وأربعة أعمام له ووالده وجده: «قدر ابن (القاعدة) الموت بطريقة أو بأخرى».

وحتى عندما تقبل أموال الديات تكفيرا عن الجريمة فإن بعض المعتقلين السابقين يجدون أنها لا تساعد في قضيتهم. وذكر أبو مصطفى وهو ابن عم لمعتقل سابق أطلق سراحه العام الماضي من مركز كامب بوكا للاحتجاز الذي أغلق أن ابن عمه اتُّهم بقتل رجل شرطة عام 2006. وأضاف: «أطلق الجيش الأميركي سراح ابن عمي لعدم كفاية الأدلة ومع ذلك دفعنا 12 مليون دينار (10 آلاف دولار تقريبا) فدية لعائلة الشرطي بعد أن هددونا. عندها شرعت جميع عائلات رجال الشرطة الذين قُتلوا في ذلك الحي بمطالبتنا بدفع دية أبنائهم. بدا كأن ابننا قتل جميع أولئك الناس. لا نعلم أين هو الآن كما لا يمكننا أن ندفع كل هذه الأموال». وذكر أبو عبد الله أن الضغط يدفع البعض إلى التشدد، وقال: «أخي واحد من مئات الآلاف الذين لا يملكون ملاذا يلجأون إليه عدا الجماعات المسلحة. أين يُفترض بهم الذهاب؟».

من جهته، يحاول الشيخ أبو علي، الذي قضى أكثر من عامين في حاويات «المتشددين» في سجن بوكا جنوبي البلاد، أن يدخل طرفا في حل النزاعات العشائرية. وقال لـ«الشرق الأوسط» إنه جلس في أحد النزاعات العشائرية التي قادته إلى معرفة حقيقة مفادها أن بعض العشائر تستغل مقتل أبنائها لتتهم أي معتقل خرج لتوه من السجن، ومن هذه الحالات أن تقدم أحد الآباء بشكوى لمقتل أبنائه ضد إحدى العشائر التي خرج أحد أبنائها للتو من السجن، وتبين بعد التدقيق أن السجين المفرج عنه كان في السجن عند مقتل ابنه. ويقول أبو علي « هذا النوع من الحالات كثير».