مسؤولون أميركيون يؤكدون اعتقال القائد العسكري لطالبان أفغانستان

عملية سرية مشتركة في كراتشي أوقعت الرجل الثاني في الحركة

TT

ألقي القبض على قائد عسكري بارز بحركة طالبان قبل عدة أيام في مدينة كراتشي الباكستانية خلال عملية سرية مشتركة نفذتها القوات الاستخباراتية الباكستانية والأميركية، وذلك حسب ما ذكره مسؤولون في الحكومة الأميركية. وأكد مسؤولون أميركيون أن الملا عبد الغني برادار، وهو أفغاني، يعد أبرز الشخصيات داخل حركة طالبان التي يلقى القبض عليها منذ بدء الحرب الأميركية داخل أفغانستان قبل أكثر من ثمانية أعوام. ويعد الرجل الثاني في الحركة، بعد الملا محمد عمر، مؤسس حركة طالبان والقريب من أسامة بن لادن قبل هجمات الحادي عشر من سبتمبر (أيلول). وبقي الملا برادار داخل سجن باكستاني لعدة أيام، وأشرف مسؤولون استخباراتيون باكستانيون وأميركيون على استجوابه، حسبما ذكره المسؤولون. ولم يتضح بعد هل تحدث (خلال الاستجوابات)، ولكن يقول مسؤولون: إن إلقاء القبض عليه فتح نافذة داخل حركة طالبان ويمكن أن يساعد على الوصول إلى مسؤولين بارزين آخرين. والشيء الأكثر إلحاحا، أنهم يؤملون أن يدلي بمعلومات عن الأماكن التي يتردد عليها الملا عمر، الذي يعد الزعيم الروحي للحركة.

ويقول بروس ريدل، الضابط السابق في وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية الذي ترأس مراجعة إدارة أوباما لسياسات باكستان وأفغانستان خلال الربيع الماضي: إنه ربما ينتج عن إلقاء القبض عليه إعاقة العمليات المسلحة التي تنفذها حركة طالبان، على المدى القريب على الأقل. ولم يكشف حتى الآن عن تفاصيل العملية، ولكن يقول مسؤولون: إنها نفذت على يد وكالة الاستخبارات الباكستانية، وأن عناصر تابعة لوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية كانوا مع الباكستانيين. وعلمت صحيفة «نيويورك تايمز» عن العملية يوم الخميس، لكنها أرجأت ذكر تقرير عن ذلك بناء على طلب من مسؤولين داخل البيت الأبيض قالوا: إن الكشف عن ذلك سوف يوقف جهدا استخباراتيا ناجحا إلى حد كبير. وقال المسؤولون: إن قيادات التنظيم لا تعلم عن عملية إلقاء القبض على الملا برادار، وأنهم ربما يغطون تحركاتهم ويصبحون أكثر حرصا في التواصل مع الآخرين عندما يعلمون بالقبض عليه. وتكشف صحيفة «نيويورك تايمز» عن ذلك حاليا لأن مسؤولين بالبيت الأبيض قالوا: إن اعتقال الملا برادار أصبح معروفا على نطاق واسع داخل المنطقة. وذكر عدد من المسؤولين الحكوميين الأميركيين تفاصيل عن العملية شريطة عدم ذكر أسمائهم لأنها سرية.

ويعتقد مسؤولون أميركيون أنه إلى جانب إدارة العمليات العسكرية داخل حركة طالبان كان الملا برادار يدير مجلس قيادة الحركة، الذي يطلق عليه «شورى كويتا»، لأنه يُعتقد منذ أعوام أن قياداته تختبئ بالقرب من كويتا، عاصمة إقليم بلوشستان الباكستاني. وأكد متحدث باسم حركة طالبان أن برادار لا يزال حرا طليقا. وقال المتحدث باسم الحركة ذبيح الله مجاهد: «ليست هذه إلا إشاعات ينشرها أجانب لصرف الانتباه عن الهجوم على مرجا». وربما تظهر مشاركة وكالة الاستخبارات الباكستانية مستوى جديدا من التعاون من جانب قيادات باكستانية كانت تتصرف بتناقض فيما يتعلق بالجهود الأميركية للقضاء على حركة طالبان. ويقول الأميركيون: إن قيادات بارزة داخل باكستان، ومن بينهم رئيس أركان الجيش الجنرال أشفاق برويز كياني، انتهوا إلى وجهة نظر مفادها أنه لم يعد في استطاعتهم تقديم دعم لحركة طالبان في أفغانستان، كما فعلوا على مدى عدة أعوام، من دون تعريض أنفسهم للمخاطر. وفي الواقع، يقدر مسؤولون أميركيون أن المسؤولين الأمنيين الباكستانيين كان يمكنهم إلقاء القبض على الملا برادار منذ وقت طويل. ولوقت طويل كان هناك خلاف بين وكالة الاستخبارات الباكستانية ووكالة الاستخبارات المركزية بسبب عمل قيادات بارزة في حركة طالبان بحرية نسبية داخل باكستان لأعوام. واشتكى أميركيون من أنهم أعطوا لعناصر وكالة الاستخبارات الباكستانية معلومات عن أماكن دقيقة توجد فيها قيادات بحركة طالبان، ولكن عادة كان الباكستانيون يرفضون القيام بأي خطوة. وخلال الأسابيع الأخيرة، قال مسؤولون أميركيون إنهم رأوا إشارات تدلل على أن هيئات الاستخبارات والجيش الباكستاني بدءوا أخيرا النأي بأنفسهم عن حركة طالبان. وقال مسؤول في إدارة أوباما يوم الاثنين: إن البيت الأبيض «لا يجد سببا يدفعه إلى التفكير في أن هناك من يمارس الخداع» في المساعدة على إلقاء القبض على الملا برادار. وفي محاولة لتحسين صورة حركة طالبان خارج وداخل البلاد، عمل الملا برادار العام الماضي على إصدار «ميثاق شرف» لمقاتلي حركة طالبان. وتناول الكتيب، وهو صغير يمكن أن يحمله أي مقاتل تابع لحركة طالبان في جيبه، توجيهات محددة بخصوص مواضيع معينة، منها: كيف يمكن تجنب قتل المدنيين وإصابتهم، وكيف يمكن كسب قلوب أهل القرى وعقولهم، وضرورة الحد من الهجمات الانتحارية لتجنب رد فعل عكسي. وخلال الأشهر الأخيرة، يعتقد أن عددا كبيرا من قيادات حركة طالبان هربت إلى كراتشي، وهي مدينة فوضوية جنوب باكستان تقع على بعد أميال من الحدود الأفغانية التي تسيطر عليها الاضطرابات. وقال دبلوماسي يقيم في كابل، اشترط عدم ذكر اسمه، في مقابلة أجريت معه الشهر الماضي: إن الملا عمر انتقل إلى كاراتشي وإن الكثير من رفاقه هناك أيضا. ويرسم مجلس القيادة، الذي يضم أكثر من عشرة من القيادات المعروفة داخل حركة طالبان، التوجيهات الخاصة بالحرب، ويكلف «حكام الظل» التابعين لحركة طالبان إدارة الكثير من الأقاليم الأفغانية والمناطق، ويختار القيادات الميدانية. ويشرف المجلس أيضا على عدد من اللجان الفرعية التي تدير أشياء أخرى مرتبطة بالحرب مثل الشؤون العسكرية والدينية والسياسية. وحسب ما ذكره وحيد مزده، المسؤول السابق في حركة طالبان داخل كابل الذي لا تزال له علاقات مع رفاق سابقين: إن المجلس يجتمع كل ثلاثة أو أربعة أشهر للتحضير لاستراتيجيته. ويضيف أنه حتى ثلاثة أعوام كان المجلس يحتوي على 19 عضوا. ومنذ ذلك الحين، تعرض ستة إما للقتل أو الأسر. وشغل آخرون المقاعد الشاغرة بعد ذلك. ويقول مزده: «يعد الملا محمد عمر الرجل الوحيد الذي يتمتع بنفوذ أكبر من برادار. ولا يمكن أن يلتقي مع عمر كثيرا لأسباب أمنية، ولكن بينهما علاقة جيدة».

ويقول مسؤولون أفغان وغربيون على معرفة بمجريات الأمور داخل قيادة حركة طالبان: إن الملا برادار من أكثر قيادات الحركة التي يمكن الحديث معها والشخصية الأكثر استعدادا للتفاوض مع الحكومة الأفغانية. وكان الوسطاء الذين عملوا على حل قضايا اختطاف وغيرها من القضايا الخطيرة يتواصلون مع قيادات حركة طالبان من خلاله. وكما هو الحال مع الملا عمر، فإن التفاصيل العامة عن حياة الملا برادار لا تزال غامضة. وحسب ما ورد في إخطار الإنتربول: ولد الملا برادار عام 1968 داخل قرية ويتماك داخل ولاية أروزكان الأفغانية. ويقول خبراء في شؤون الإرهاب إنه قيادي عسكري ماهر يدير الكثير من الاجتماعات على مستوى رفيع لقيادات بارزة داخل حركة طالبان بأفغانستان.

وبعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) بوقت قصير، كلف الملا عمر الملا برادار بالإشراف على قوات حركة طالبان شمال أفغانستان، وحينها كان يشرف على مجموعة كبيرة من المقاتلين العرب والأجانب الذين كانوا يقيمون داخل مدن قندوز ومزار شريف الشمالية.

* خدمة «نيويورك تايمز»