الجزائريون مستاؤون مع بدء سريان قانون صارم للمرور

السجن 10 سنوات للمتسبب في أي وفاة.. وتغريم الراجلين المخالفين

حوادث المرور في الجزائر تخلف نحو 4 آلاف قتيل سنويا (أ.ف.ب)
TT

يبدي سائقو المركبات في الجزائر انزعاجا كبيرا من قانون جديد للمرور يهدد بعقوبة تصل إلى 10 سنوات سجنا، في حال إثبات مسؤولية السائق عن وفاة أي شخص، سواء كان داخل سيارة أو يمشي على رجليه. ويكيف القانون حادث المرور الذي يفضي إلى وفاة، على أنه جناية، ويتضمن غرامات مالية، يقول المتذمرون من القانون إن السلطات «تعمدت فرضها لملء الخزينة العمومية بالأموال».

لا يخرج الحديث بين سكان العاصمة حاليا عن موضوعين، منتخب كرة القدم وأخبار نجومه واستعداداته لخوض غمار مونديال جنوب أفريقيا الصيف المقبل، وقانون المرور الجديد الذي دخل حيز التنفيذ نهاية الشهر الماضي. لكن الفرق أن الموضوع الأول يتعاطون معه بفرح وسرور، ويتطلعون بشغف إلى تطوراته بشكل يومي. أما الثاني فيثير انزعاجهم ويبعث الرعب في نفوس الكثير من السائقين، إلى درجة دفعت بعضهم إلى ركن السيارة والتنقل بواسطة مركبات النقل العمومي، لتفادي العقوبة التي يرى البعض أن التعرض لها لا مفر منه.

واعتبر محمد، وهو سائق سيارة أجرة بوسط العاصمة، القانون الجديد «مفاجأة غير سارة على الإطلاق». ويقول لـ«الشرق الأوسط» التي تحدثت إليه وهو بصدد التوقف بجانب «حديقة صوفيا» في العاصمة: «أستطيع أن أتحدث باسم فئة سائقي سيارات التاكسي، فنحن تفاجأنا بدخول القانون حيز التطبيق، لأننا لم نسمع به ولم نقرأ عنه إلا في بعض الصحف، بينما كان ينبغي أن تنشر وزارة النقل تفاصيله على نطاق واسع حتى يطلع عليه الجميع». وأوضح أن السير طول النهار في شوارع العاصمة «يعرضنا حتما لعقوبات القانون التي لا مفر منها، تصور أن الشرطي يحق له سحب رخصة السياقة لمجرد أن لوحة الترقيم متسخة. هل يعقل أن أتوقف كل ساعة لغسل لوحة الترقيم في مثل هذه الأيام التي تتهاطل فيها الأمطار بشكل مستمر مما يؤدي إلى اتساخ السيارة؟».

ويذكر رضا زعموش، وهو موظف بمؤسسة مصرفية عمومية ببئر خادم بالضاحية الجنوبية للعاصمة، أن شرطيا في حاجز أمني سحب منه رخصة القيادة بسبب تعطل أحد مصابيح السيارة. ويقول رضا: «قبل ساعات من خضوعي لإجراءات سحب رخصة السياقة، كانت كل مصابيح السيارة تشتغل بشكل عادي، لكن يبدو أن أحدها توقف أثناء السير. كيف لي أن أعرف أنني فقدت مصباحا وأنا أسير في الطريق؟. إن مواد القانون الجديد تعاقبنا على أخطاء لم نرتكبها، أو على الأقل لم نتعمد ارتكابها، فكان على معدي القانون أن يتركوا لأعوان الأمن هامشا يتيح لهم تقدير الظروف، بدل أن يلزموهم بتسليط العقوبة كيفما كانت الظروف».

ويتضمن النص القانوني مواد تهدد بالسجن لمدة تصل إلى 10 سنوات، في حال وفاة شخص بسبب حادث مرور، سواء كان المتوفى داخل السيارة أو يسير على قدميه. وتزداد العقوبة حدة إذا أثبتت أجهزة مراقبة السرعة المنتشرة في الطرقات، أن حادث المرور كان بسبب الإفراط في السرعة. وتصل العقوبة المالية إلى مليون دينار جزائري (13 ألف دولار)، زيادة على السجن، في حال وقوع حادث مرور مفض إلى وفاة. ويهدد القانون الراجلين بغرامة مالية تصل إلى ألفي دينار جزائري (30 دولارا) إذا ضبط رجل الشرطة شخصا يمشي خارج الممرات المخصصة للراجلين.

وقال وزير النقل عمار تور، عندما أعلن الصيف الماضي عن التحضير لعقوبات صارمة في القانون الجديد، إن الدافع إليها هو ارتفاع عدد الضحايا الذين تخلفهم حوادث المرور، الذي يبلغ سنويا معدل 4 آلاف قتيل، وآلاف الجرحى، منهم من يصابون بعاهات مستديمة.

ويذكر محمد بوزياني، وهو شيخ في الثمانين من العمر يسكن بحي بلفور بالضاحية الشرقية للعاصمة: «ليس هناك شك في أن جسامة الخسائر التي تتسبب فيها حوادث المرور، تستدعي تشديد العقوبة. لكن بعض الإجراءات التي جاء بها القانون غير منطقية وبعيدة عن الواقع. ففي الكثير من المناطق البعيدة عن العاصمة لا توجد ممرات خاصة بالراجلين. في بلدتي بولاية بسكرة (400 كلم جنوب شرق العاصمة) يسير الراجلون والسائقون معا في الشوارع، ولا حيلة لهم، بسبب الفوضى التي تميز نظام المرور هناك، فهل من المعقول أن تفرض الحكومة غرامة على شخص بسبب خروجه عن النطاق المخصص للراجلين كما ورد في القانون، في حين لم تقم هي بواجبها في تخصيص ممرات لهم؟ إن هذا القانون على ما يبدو لجأت إليه الحكومة لملء الخزينة العمومية بالمال».

وتعود الحصيلة الثقيلة لحوادث السير بالجزائر، إلى عدة أسباب. ويعتقد وزير النقل، حسبما نقلته عنه الصحافة، أن 90% من الحوادث القاتلة «سببها العامل البشري، لا سيما الإفراط في السرعة». وهدد الوزير مدارس تعليم السياقة بعقوبات قاسية إذا لم تتقيد بالإجراءات الجديدة التي تأمر بالتشدد في منح رخصة القيادة. ويتهم البعض، دون أدلة قوية، مدارس تعليم السياقة بـ«التساهل» في إعطاء الرخصة للسائقين المتعلمين الذين يشار إليهم بأنهم مسؤولون، جزئيا، عن حوادث السير.

وحسب تقارير الدرك الوطني المسؤول عن أمن الطرقات، يأتي التجاوز الخطير في المنعرجات على رأس أسباب الحوادث. ويعد قدم المركبات أيضا من الأسباب المهمة لما أضحى يسمى محليا «إرهاب الطرقات»، إذ تفيد إحصاءات وزارة النقل أن أكثر من 60%من المركبات التي تسير في الجزائر يتجاوز عمرها 10 سنوات، نسبة كبيرة منها تعاني من أعطاب فنية.

ويشكو السائقون من جهتهم من اهتراء الطرقات في غالبية المدن والمناطق غير الحضرية. وأوضح سائق شاحنة كان ينقل سلعة مستوردة من الصين، أن المسافة التي تفصل بين ميناء العاصمة ومستودعات الشركة التي يشتغل لحسابها، تفوق 50 كيلومترا نصفها طرقات مكسَرة. وأضاف: «عندما تنزل الأمطار بغزارة كما هو الحال هذه الأيام، تتحول أجزاء واسعة من الطريق إلى مستنقعات، وأكاد أجزم أن هذا الوضع يتسبب في حادث مرور واحد على الأقل يوميا. فعلى السلطات أن تتحمل مسؤوليتها في إصلاح الطرقات، بدل أن تلقي بالمسؤولية على سائقي العربات الثقيلة».