جهود السعودية في مكافحة الإرهاب.. استفادت منها الدول خارجيا

الدولة نجحت في لجم وتفنيد مزاعم الفئة الضالة

TT

تحظى جهود المملكة العربية السعودية في مكافحة الإرهاب باهتمام جميع الأجهزة المعنية بمواجهة الأعمال الإرهابية، واستفادت بعض الدول من التجربة السعودية في التصدي لخطر الإرهاب، وتجفيف منابعه والوقاية منه.

وقال تقرير لوكالة الأنباء السعودية أمس إن الجهود السعودية في محاربة الإرهاب نالت استحسان المجتمع الدولي من خلال اعتمادها استراتيجية شاملة تعتمد المواجهة الفكرية والمناصحة بنفس درجة الاهتمام بالتعامل الأمني، والإجراءات القانونية في محاكمة المتهمين بارتكاب الجرائم الإرهابية، وتعددت جهود المملكة في محاربة الإرهاب على المستويين الدولي والعربي لتعزيز التعاون بين كل الدول والشعوب وقطع مصادر تمويل ودعم الجماعات الإرهابية وتفعيل الآليات الدولية في هذا الشأن.

واقترنت مواقف المملكة الواضحة على المستوى الدولي في رفض الإرهاب بتحرك كبير لتحقيق التعاون في مواجهة الجرائم الإرهابية، حيث أكدت في كثير من المناسبات رفضها الشديد وإدانتها الصريحة للإرهاب بجميع صوره وأشكاله وشجبها للأعمال الشريرة كافة التي تتنافى مع تعاليم الإسلام وأحكامه التي تحرّم قتل الأبرياء وتنبذ كل أشكال العنف والإرهاب، وتدعو إلى حماية حقوق الإنسان.

وفي هذا السياق، وقّعت السعودية الكثير من الاتفاقيات الخاصة بمكافحة الإرهاب كما التزمت تنفيذ القرارات الدولية الصادرة عن مجلس الأمن في هذا الشأن، وصادقت على جملة من الاتفاقيات والمعاهدات الدولية ذات العلاقة منها الاتفاقية العربية لمكافحة الإرهاب عام 1998، ومعاهدة منظمة المؤتمر الإسلامي لمكافحة الإرهاب عام 2000م، واتفاقية مجلس التعاون لدول الخليج العربية لمكافحة الإرهاب بالإضافة إلى عدد من الاتفاقيات الأمنية الثنائية مع دول عربية وإسلامية وصديقة بشأن مكافحة الإرهاب.

ويبرز المؤتمر الدولي لمكافحة الإرهاب الذي دعت إليه السعودية وعقد بمدينة الرياض في فبراير (شباط) 2005 واحدا من الجهود الكبيرة للسعودية في مكافحة هذه الآفة العالمية في إطار دولي انطلاقا من قناعة أثبتتها الأحداث، بأن الإرهاب لا يقتصر على أبناء دين بعينه أو بلد دون غيره وأن النجاح في مواجهته يحتم تعاون جميع الدول.

وجاء الإعلان الصادر في ختام أعمال المؤتمر الذي عرف بإعلان الرياض ليؤكد أن الإرهاب يمثل تهديدا للسلام والأمن الدوليين، ويجدد موقف المملكة الرافض لكل آيديولوجية تدعو للكراهية وتحرض على العنف وتسوغ الجرائم الإرهابية.

وشدد إعلان الرياض على أن الأمم المتحدة هي المظلة القانونية لتعزيز التعاون الدولي ضد الإرهاب وأن قرارات مجلس الأمن ذات الصلة هي الأساس والمرجعية لكل جهود مكافحة الإرهاب.

وبناء على دعوة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز لإنشاء مركز دولي لتبادل المعلومات والخبرات بين الدول وإيجاد قاعدة بيانات ومعلومات أمنية واستخباراتية تستفيد منها الجهات المعنية بمكافحة الإرهاب، تقدمت المملكة بمشروع قرار للجمعية العامة للأمم المتحدة يدعو لتشكيل فريق عمل لدراسة توصيات المؤتمر وما تضمنه «إعلان الرياض» بما في ذلك إنشاء مركز دولي لمكافحة الإرهاب وفق ما أعلنه الأمير سلطان بن عبد العزيز ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع والطيران والمفتش العام في كلمته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في 16 سبتمبر (أيلول) 2005م.

وعلى المستوى المحلي، اعتمدت المملكة استراتيجية شاملة لمحاربة الإرهاب، وحرصت على أن تشارك جميع مؤسسات المجتمع في تنفيذ هذه الاستراتيجية، كل في مجال اختصاصه، ونجح علماء المملكة في إيضاح منافاة الإرهاب لتعاليم الإسلام، وما تمثله الأعمال الإرهابية من اعتداء محرم على الأنفس المعصومة من المسلمين وغيرهم، وتفنيد مزاعم الفئة الضالة، التي تروجها التنظيمات الإرهابية لتبرير جرائمها أو كسب أي تعاطف معها. وحث علماء السعودية عموم المواطنين والمقيمين في البلاد على التعاون مع الجهات الأمنية في التصدي للفئة الضالة والإبلاغ عن المتورطين في الأعمال الإرهابية، كما كان للعلماء دور كبير في مناصحة بعض المتأثرين بدعاوى الفئة الضالة في الوقت الذي كانت فيه الجهات الأمنية تحقق نجاحات متتالية في ملاحقة أعضاء هذه الفئة المتورطين بارتكاب جرائم إرهابية وتوجيه عدد كبير من العمليات الاستباقية التي حققت نجاحا كبيرا في إفشال مخططات إرهابية في عدد من مناطق المملكة.

وحرصت القيادة السعودية في خضم معركتها مع الإرهاب على تكريم الشهداء من رجال الأمن ومواساة ذويهم وعائلاتهم، وتقليدهم أوسمة الشرف وأنواط الكرامة، تعبيرا عن التقدير الكبير لبطولاتهم وتضحياتهم.

ولم يقتصر ذلك على شهداء وأبطال الأجهزة الأمنية فقط، بل حرصت الدولة على مراعاة مشاعر آباء وأمهات المتورطين بارتكاب الأعمال الإرهابية ممن ألقي القبض عليهم وكان لذلك أكبر الأثر في عودة كثير منهم إلى جادة الصواب، في أعقاب ما أعلنته القيادة السعودية من عفو عن التائبين من أعضاء الفئة الضالة الذين يسلمون أنفسهم، وقد حققت هذه السياسة الحكيمة نتائج ممتازة، وأعلن بعض أعضاء الفئة الضالة توبتهم وتراجعهم عن الأفكار المنحرفة التي كانوا يعتنقوها.

وعلى مستوى التشريع والقضاء، تم إنشاء محكمة خاصة للنظر في قضايا الإرهاب تحت مسمى المحكمة الجزائية المتخصصة، كذلك استحداث دائرة مختصة بهيئة التحقيق والادعاء العام تحت مسمى «دائرة قضايا أمن الدولة» لتتولى التعامل مع مثل هذه القضايا وتوفير جميع الضمانات التي توفر للمتهمين في قضايا الإرهاب وتمويله محاكمة عادلة بما في ذلك حقهم في الدفاع عن أنفسهم وتعويض من تثبت براءته منهم مع البدء في دراسة إصدار نظام لمكافحة الإرهاب وذلك في إطار تطوير الأنظمة واللوائح ذات العلاقة بالجرائم الإرهابية وتكثيف برامج التأهيل والتدريب للجهات الأمنية المعنية بالمواجهة الميدانية المباشرة واعتماد عدد من الآليات لمكافحة عمليات تمويل الإرهاب.

وفي الاتجاه الوقائي، تعددت جهود المملكة في مكافحة الإرهاب، بدءا من برامج توعية طلاب المدارس والجامعات بخطورة الأعمال الإرهابية وحرمتها في الإسلام والآثام التي تقع على مرتكبيها وحثت المعلمين والمعلمات على توعية الطلاب والطالبات بذلك وتوجيههم إلى الطريق الصحيح وغرس حب الوطن وطاعة أولياء الأمور في نفوسهم، كما ركزت على تعزيز الأمن الفكري وخصصت يوما دراسيا كاملا خلال العام الدراسي لإقامة معرض في كل مدرسة للبنين والبنات عن الإرهاب والأعمال الإجرامية التي ارتكبها أرباب الفكر التكفيري وما نتج عنها من قتل للأبرياء وتدمير للممتلكات ومقدرات الوطن، لأن ظاهرة الإرهاب جاءت نتيجة لأفكار منحرفة اعتمدت المملكة في جهودها لمكافحة هذه الظاهرة مبدأ مواجهة تلك الأفكار بضدها من خلال الحوار والمناقشة فكان إنشاء «مركز الأمير محمد بن نايف للمناصحة والرعاية» بهدف كشف الشبهات وتوضيح المنزلقات الفكرية التي يتبناها أصحاب الفكر المنحرف الذي يقود إلى الإرهاب من أجل إعادة الموقوفين إلى رشدهم وتصحيح مفاهيمهم من خلال الاستعانة بعلماء الشريعة والمختصين في العلوم الاجتماعية والنفسية والمثقفين ورجال الأعمال وإتاحة الفرصة لهم لمقابلة هذه الفئة ومناقشتهم بكل حرية والرد على شبهاتهم وانتهاج أسلوب الحوار والإقناع مع بعض أتباع هذا الفكر، وتغيير الكثير من القناعات السابقة لديهم وعرض هذه التراجعات عبر وسائل الإعلام.

بالإضافة إلى إنشاء الكراسي العلمية التي تُعنى بالأبحاث المتعلقة بالإرهاب في عدد من الجامعات السعودية وفي مقدمتها كرسي الأمير نايف لدراسات الأمن الفكري وتشجيع الجهات المختصة على طباعة الكتب والنشرات وإصدار الأشرطة التي تدحض الأفكار المنحرفة وتكثيف أنشطة رعاية الشباب والاهتمام بهم وتحصينهم من الاختراقات الفكرية ونوازع الغلو.

وأصدرت المملكة جملة من الأنظمة والتعليمات واللوائح لاستخدام شبكة الإنترنت والاشتراك فيها بهدف مواجهة الاعتداءات الإلكترونية والإرهاب الإلكتروني إضافة إلى تنظيم الجهات المعنية دورات تدريبية كثيرة عن موضوع مكافحة جرائم الحاسب الآلي لتنمية معارف العاملين في مجال مكافحة الجرائم التي ترتكب عن طريق الحاسب الآلي وتحديد أنواعها.

كما عملت الدولة عبر أجهزتها الرسمية على تجفيف منابع الإرهاب واجتثاث جذوره من خلال إعادة تنظيم جمع التبرعات للأعمال الخيرية التي قد تستغل لغير الأعمال المشروعة وقامت بإنشاء هيئة أهلية كبرى تتولى الإشراف والتنظيم على جميع الأعمال الإغاثية والخيرية بهدف تنظيم عمل تلك الهيئات وعدم السماح لذوي النيات والأهداف الشريرة باستخدام الهيئات الإنسانية لأعمال غير مشروعة.

وقد كان لهذه العناصر انعكاسات إيجابية على أرض الواقع بتحقيق رجال الأمن نجاحات كبيرة ضد هذه الفئة الضالة وإفشال أكثر من 95 في المائة من المخططات الإرهابية قبل تنفيذها، والوصول إلى عدد من الخلايا النائمة وتلك التي توارت تحت ضربات رجال الأمن للفئة الضالة.