مخيم عين الحلوة «قنبلة موقوتة».. وانقسامات فتح تدعم جند الشام

منير المقدح لـ «الشرق الأوسط»: محمود عباس يدرس تصورا لكيفية ضبط المخيمات الفلسطينية في لبنان

TT

لا تزال الاشتباكات العنيفة التي شهدها مخيم عين الحلوة بالقرب من صيدا منذ يومين، التي أودت بحياة امرأة وعدد من الجرحى، تؤرق أهالي المخيم الذين يبدون متأكدين من أنها لن تكون الأخيرة في مسلسل الأحداث الأمنية التي تعصف بمخيمهم. ومع أن الاجتماعات الأمنية ومحاولات التنسيق بقيت مستمرة، فإن مصدرا فلسطينيا مسؤولا قال لـ«الشرق الأوسط»: «إن مخيم عين الحلوة بات أشبه بـ(قنبلة موقوتة) بحاجة لمن يفككها لأن الوضع الحالي لا يشكل تهديدا لأهالي المخيم نفسه فقط، بل للسلم الأهلي اللبناني. فقد تجاوزت الاشتباكات هذه المرة حدود المخيم، ووصل رصاص القنص إلى بعض مناطق صيدا مما اضطر الجيش إلى قطع طريق رئيسي للمدينة». وأضاف المصدر متسائلا: «ماذا لو أصابت إحدى القذائف أو الرصاصات الطائشة أحدا من اللبنانيين خارج المخيم؟ وما العواقب المترتبة على ذلك؟ وماذا ستكون ردة الفعل تجاه المخيمات». وكانت قد اندلعت اشتباكات عنيفة في مخيم عين الحلوة منذ يومين بين فتح وجند الشام أودت بحياة امرأة وعدد من الجرحى. وقال منير المقدح، مسؤول الكفاح المسلح في لبنان لـ«الشرق الأوسط»: «الإطار الذي نجتمع وننسق ضمنه هو تحالف لفصائل المنظمة والقوى الإسلامية». وأوضح أن هناك «إجراءات داخلية تتخذ داخل حركة فتح لمعالجة الأمور، خاصة أن الرد خلال المعارك الأخيرة كان فوضويا وعشوائيا وطال المدنيين». وأضاف المقدح: «الجميع يعمل بجد، وترى لجنة المتابعة ضرورة استكمال التحقيق وتسليم المعتدي إلى الجيش اللبناني. فنحن متفقون على رفع الغطاء عن كل مخالف، وهذا لا خلاف حوله». وأشار إلى أن الرئيس الفلسطيني محمود عباس، «يدرك أن ثمة خللا أمنيا في المخيمات الفلسطينية في لبنان ولا بد من علاجه»، وقال: «طلب مني الرئيس تصورا لوضع كل مخيم في لبنان على حدة وكيفية المعالجة، وقد أرسلت له تصوري للعلاج ونحن في انتظار الجواب الشافي». أما عن المشكلة الأساسية التي تعيق عمل فتح لضبط الأمن بحده الأدنى في عين الحلوة، قال المقدح: «عدم وجود قوة أمنية مدعومة، تستطيع العمل طوال النهار، ويشتغل أعضاؤها كمتفرغين، يجعلنا غير قادرين على ضبط الوضع. فالقوة الأمنية يفترض أن تضطلع بما يقارب عشرين مهمة، منها تنظيم السير ومكافحة المخدرات مثلا. وهذا يحتاج إلى دعم وتفرغ». وأضاف: «سبق لنا أن شكلنا قوة أمنية، شاركت فيها مختلف الأطراف لكنها فشلت بسبب عدم وجود الدعم الكافي لها».

ومع أن الهدوء عاد إلى مخيم عين الحلوة أمس، فإن المصدر الفلسطيني المسؤول في المخيم الذي رفض الكشف عن اسمه ، قال لـ«الشرق الأوسط»: إن الاشتباكات ستتكرر والحل لن يكون إلا بموقف شعبي فلسطيني صارم ورافض لهذا العنف، يضغط على مختلف الفصائل. وأضاف المصدر: «ما يحدث في مخيم عين الحلوة يتعدى كونه اشتباكات متقطعة بين فتح ومجموعة من الإسلاميين من جند الشام يصل عددهم إلى ثلاثين أو أربعين عنصرا، في ما تعد فتح في المخيم ما يصل إلى خمسة آلاف عنصر. الموضوع الأساس هو الخلاف الفتحاوي داخل المخيم، وأجنحة فتح المتصارعة التي يغطي بعضها مجموعة جند الشام، انتقاما من الأجنحة الأخرى، أو على الأقل لا يعاديها. وهذا ما يفسر التصريحات المتضاربة لمسؤولي فتح حول ما يدور داخل المخيم في كل مرة تحدث اشتباكات».

وشرح المصدر أن «جند الشام مجموعة صغيرة، لكنهم محميون من عصبة الأنصار، الذين يعدون نحو 500 عنصر في المخيم وهم قوة كبيرة». وقال: «لا يخفى على أحد أن الإسلاميين يتعاطفون مع بعضهم ولو أن عصبة الأنصار باتت لها مواقف تميل إلى الاعتدال والتعاون مع الجيش اللبناني اللبناني، ووافقوا على تسليم مطلوبين، لكنهم في النهاية يرون أن القضاء على جند الشام، قد يكون مقدمة للقضاء عليهم». أما لماذا تدعم عصبة الأنصار التي باتت تميل إلى الاعتدال جند الشام مع أنهم في عرف الكثيرين، متطرفون جدا ويعتبرون امتدادا لفتح الإسلام، أجاب المصدر: «الحوادث التي تحصل لغاية الآن، تأخذ طابعا فرديا بين عنصرين من الجهتين أي فتح وجند الشام، تتلوها بعد ذلك اشتباكات تودي بحياة ضحايا. وغالبا ما تلتمس عصبة الأنصار الأعذار لجند الشام، من خلال تأويل ما حصل أو تفسيره على نحو لا يدين حلفاءهم الإسلاميين، أي أن عصبة الأنصار لا تجد حتى الآن، ما يكفي من الأعذار لردع الجند أو التخلي عنهم».

وأشار إلى أن خلافات ونزاعات قوية تشرذم الأجنحة الفتحاوية داخل المخيم أبرزها الصراع بين جناح أمين سر حركة فتح سلطان أبو العينين ومسؤول الكفاح المسلح منير المقدح الذي اتهم الأول بقتل المسؤول الفتحاوي كمال مدحت علنا. وأضاف المصدر «لقد جرت محاولة لتقوية جناح (اللينو)، كقائد يمكن تسليمه المخيم، لكنه لم يثبت جدارة كافية، وقوة تمكنه من ذلك». وأسف المصدر للحال الذي وصلت إليه فتح من الانقسامات «حتى باتت الميزانية توزع على المسؤولين وهم الذين يتكفلون بالمساعدات الاجتماعية». وقال: «هذه المساعدات كانت مركزية فيما سبق، لكن فتح لم تتمكن حتى من تعيين مسؤولين للمناطق والمخيمات، بسبب الخلاف على المراكز، فاضطرت للعمل من خلال لجان. وهو أمر جيد، لكننا كعرب لا نجيد العمل المؤسساتي على هذا النحو ونحتاج باستمرار إلى رأس يدبر الأمور، وهو ما لا تستطيع أن تفعله فتح للأسف، بسبب نزاعاتها الداخلية».

ويجمع فتحاويون، وحتى معارضون، على أن انقسامات فتح وضعفها داخل المخيمات، ينعكس سلبا على الفلسطينيين في لبنان عموما. ففتح متماسكة وقوية أفضل لحلفائها ومعارضيها من فتح ضعيفة ومشتتة. وعن الحل يقول المصدر الفلسطيني: «إذا لم يكن هناك ضغط شعبي من الناس، وينتفضون ضد العبث بأمنهم فإن مسألة التجاذبات داخل مخيم عين الحلوة ستجعله قنبلة قابلة للانفجار في أي وقت، لا بل تتفاقم خطورتها. وعلى عكس ما صرح سلطان أبو العينين، أمين سر حركة فتح بأن ما تبقى هو فلول جند الشام، فإن جند الشام يزدادون قوة، لأن عصبة الأنصار لا تتخلى عنهم، وهي مجموعة تقوى بدورها، ولأن حماس لا تلعب دورا مهدئا في هذا الموضوع». ويؤكد المصدر على أن حماس بمقدورها أن تمارس ضغطا على المجموعات الإسلامية لكنها تفضل أن ترى فتح تضعف وتنهش نفسها بنفسها، فهذا لا بد مفيد لها بشكل أو بآخر.