مسؤولون أميركيون: اعتقال برادار نقطة تحول لواشنطن.. وأهمية حيوية لباكستان

إسلام آباد ترغب في ضمان مكان لها في نهاية تفاوضية للحرب

رجل يُعتقد أنه الملا عبد الغني برادار في صورة أخذت له عام 1998 وأعطيت إلى «نيويورك تايمز» من قبل مصور سابق لطالبان (نيويورك تايمز)
TT

أجمع مسؤولون أميركيون ومحللون على أن اعتقال الرجل الثاني في طالبان، الملا عبد الغني برادار، يمثل نقطة تحول في الحرب التي تشنها الولايات المتحدة ضد التنظيم المتشدد منذ أكثر من 8 أعوام. ووصف اعتقال الرجل الثاني في تنظيم طالبان، والقيادي العسكري المقرب من زعيم تنظيم القاعدة بأنه «نجاح ساحق لوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية» و«ضربة قوية لطالبان.. وانقلاب استراتيجي محتمل بالنسبة لباكستان». وكانت باكستان قد تمكنت من التخلص من القائد البارز في طالبان، لتعزيز التعاون مع الولايات المتحدة، وضمان مكان لها عند سعي الأطراف المعنية نحو التوصل إلى نهاية تفاوضية للحرب في أفغانستان. جاء إلقاء القبض على عضو طالبان البارز في أعقاب أسابيع عمد خلالها قائد القوات المسلحة الباكستانية، الجنرال إشفاق برويز كياني، إلى إصدار إشارات إلى مسؤولي حلف شمال الأطلسي (الناتو) وصحافيين غربيين ومحللين عسكريين تفيد برغبة بلاده في الانضمام إلى أية محاولات للوساطة مع طالبان. وحتى قبل إلقاء القبض على قائد طالبان العسكري، الملا عبد الغني برادار، فقد أعرب مسؤول رفيع المستوى بالاستخبارات الباكستانية، عن غضبه إزاء إقصاء باكستان عما وصفه بمحاولات أميركية وأفغانية للتواصل مع طالبان. وقال المسؤول خلال مقابلة أجريت معه: «من ناحية، لا يرغب الأميركيون في أن ندخل مفاوضات مباشرة مع طالبان، لكن بعد ذلك نسمع أنهم يقومون بالأمر ذاته بأنفسهم من دون أن يخبرونا. ليس هذا هو النحو الملائم للتعامل مع الشركاء». من جانبهم، قال مسؤولون أفغان إن الملا برادار شكل نقطة اتصال مهمة بالنسبة للأفغان على مدار سنوات. في المقابل، نفى مسؤولون بإدارة أوباما إجراءهم أي اتصالات به. بغض النظر عن حقيقة الأمر، فإنه بإلقائها القبض على الملا برادار، فقد نجحت باكستان فعليا في عزل نقطة اتصال محورية بقيادة طالبان، مما يجعل منها قناة الاتصال الرئيسية. يذكر أن مسؤولا بالاستخبارات الباكستانية صرح خلال مقابلة أجريت معه منذ ثلاثة أسابيع قائلا: «إننا نقتفي أثر الملا برادار. ولدينا قناعة قوية بأن الأميركيين على اتصال به، أو بأشخاص مقربين منه». وأشار المسؤول إلى أن إقصاء واشنطن لإسلام آباد من المحادثات مع طالبان الأفغانية «يصعب» الأمور. وأضاف: «لا يمكن أن نقول إننا حلفاء مهمون، ثم نجدك تتفاوض من الأشخاص الذين نتعقبهم ولا تشركنا معك في ذلك». من ناحية أخرى، أنكر مسؤول أميركي في واشنطن جرى إخطاره بإلقاء القبض على قائد طالبان العسكري، إجراء مفاوضات مع زعيم طالبان أو أن تكون الاستخبارات الباكستانية أقدمت على إلقاء القبض على هذا القائد سعيا لضمان دور لإسلام آباد في المفاوضات. وقال: «هذه نظرية مؤامرة لا أتفق معها، لأنها ببساطة غير صحيحة». إلا أنه بغض النظر عما إذا كان ذلك هو هدف باكستان من وراء إلقاء القبض عليه، يبقى هذا هو التأثير المترتب عليه. من المعروف أن طالبان تشكل حليفا داخل أفغانستان منذ أمد بعيد للباكستانيين. وأبدت باكستان رغبتها في الاحتفاظ بنفوذها هناك. على الجانب الآخر وعلى الرغم من انقسام صفوف الإدارة الأميركية حول ما إذا كان ينبغي التعامل مع طالبان وكيفية هذا التعامل، ربما تأتي الخطوة الباكستانية الأخيرة على حساب الحكومة الأفغانية بقيادة حميد كرزاي وتعقد جهود المصالحة التي بدأتها حكومته. من ناحيته، أبدى مسؤول استخباراتي أميركي في أوروبا اتفاقه مع هذا الرأي، مع اعترافه في الوقت ذاته بأن الملا برادار اضطلع بدور محوري في عملية المصالحة. وأوضح: «أعلم أن رجالنا كانوا على اتصال بأفراد محيطين به وكنا نتفاوض معه». ورفض المسؤول الكشف عن هويته لأنه غير مخول مناقشة القضية علنا. واستطرد المسؤول قائلا: «وعليه، لا يبدو منطقيا أن نعض اليد التي مدت إلينا. والآن، لن يكون هناك سبب يدفع طالبان للتفاوض معنا، لأنهم لن يصدقوا أي شيء نعرضه عليهم أو نقوله لهم». يأتي إلقاء القبض على عضو طالبان البارز في وقت حساس تشهد طالبان خلاله نقاشا داخليا محتدما حول ما إذا كان ينبغي التفاوض من أجل السلام أم المضي في القتال مع استعداد واشنطن إرسال 30.000 جندي إضافي إلى أفغانستان هذا العام. يعد الملا برادار واحدا من أبرز الشخصيات العسكرية بين قيادات الجماعة ويرتبط بصلات وثيقة مع زعيم طالبان، الملا محمد عمر، وشكل واحدا من الأصوات الرئيسة في الجماعة الداعية للمصالحة، حسبما أفاد مسؤولون أفغان. وقد اتضح من مقابلات أجريت مؤخرا مع قادة وأعضاء آخرين في طالبان في جنوب أفغانستان وباكستان أن فكرة خوض محادثات أحدثت انقساما في صفوف طالبان، مع رغبة المزيد والمزيد من الأعضاء في اللجوء إلى المفاوضات. وتدعو بعض الأصوات المتشددة إلى الاستمرار في القتال. لكن خلال الأسابيع الأخيرة، بدأت كفة الترجيح تميل بصورة متزايدة نحو عقد سلام، طبقا لما ذكره حاج محمد إحسان، عضو مجلس قندهار الإقليمي. يذكر أن مسؤولين في قندهار، القاعدة السابقة لحكومة طالبان، ارتبطوا بعلاقات وثيقة مع قيادة طالبان، الذين ينتمون في معظمهم إلى جنوب أفغانستان ويعيشون حاليا في منطقة الحدود الأفغانية - الباكستانية. من ناحيته، قال حاج أغا لالاي، الرئيس السابق لعملية المصالحة التي تزعمتها الحكومة في مدينة قندهار، الذي تولى التعامل مع أعضاء في مجلس قيادة «القاعدة» لسنوات طويلة: «كان الشخص الوحيد العاقد العزم على مفاوضات سلام، ولديه استعداد للمشاركة فيها». وقال لالاي ومسؤولون آخرون في أفغانستان على معرفة بقيادة طالبان إن إلقاء القبض على الملا برادار من جانب الاستخبارات الباكستانية، والتحقيق معه على يد ضباط استخباراتيين باكستانيين وعملاء أميركيين، يمكن أن يسفر عن واحدة من نتيجتين: إما أن يتمكن الملا برادار من إقناع أعضاء طالبان الآخرين بالتخلي عن القتال، أو إذا ساد اعتقاد بأنه يتعرض لسوء المعاملة، فإن ذلك قد يقضي على أية آمال في كسب تأييد أي أعضاء آخرين في الجماعة لمسار السلام. من جهته، قال حاج باريداد، أحد الزعماء القبليين من قندهار: «أخي الملا يمكن أن يخلق تغييرا داخل صفوف قيادة طالبان، إذا ما جرت الاستعانة به في جهود الوساطة أو محادثات السلام لإقناع أعضاء طالبان الآخرين بالانضمام إلى هذه الجهود، لكن إذا ما تعرض للسجن كأسير، فلا نعتقد أن عملية السلام ستكون مثمرة». من جانبها، لم تصدر الحكومة الأفغانية رد فعل على أنباء إلقاء القبض على الملا برادار، في مؤشر على ضيقها من هذا الإجراء الباكستاني. لكن أحمد والي كرزاي، شقيق الرئيس، الذي أجرى اتصالات غير مباشرة بالملا برادار في الماضي، أبدى ترحيبه بإلقاء القبض عليه باعتباره «ضربة قاصمة» لزعيم طالبان، الملا عمر. وقال «إننا نقدر مساعدة المسؤولين الباكستانيين في إلقاء القبض على الملا برادار. في الواقع، هذه خطوة إيجابية، ونأمل في أن يستمروا في مثل هذا النمط من الإسهامات». لكن سفير طالبان السابق لدى باكستان، الملا عبد السلام زائيف، الذي قاد جهودا نيابة عن الرئيس كرزاي لإقناع طالبان بالتفاوض لوضع نهاية للحرب، هاجم الإجراء الباكستاني باعتباره يدمر جميع فرص المصالحة مع أعضاء قيادة طالبان. وقال، من كابل حيث يقيم منذ إطلاق سراحه من سجن غوانتانامو في كوبا منذ عدة سنوات: «إذا كان هذا الخبر صحيحا، فإن بمقدوره التأثير بشدة على المفاوضات ويمكن أن يؤثر على نحو خطير على عملية السلام. من شأن ذلك تقويض الثقة الهشة بين الجانبين ولن يساعد في عملية السلام».

* كارلوتا غال نقلت الأنباء من إسلام آباد، وسعاد مكهينيت من فرانكفورت، وأسهم تيمور شاه في التقرير من قندهار بأفغانستان، وأسهم سانغار رحيمي من كابل بأفغانستان، وكذلك سكوت شين من واشنطن.