البيت الأبيض لـ «الشرق الأوسط»: دبلوماسيتنا متشددة.. وإيران لم تنفذ التزاماتها

واشنطن تكثف جهودها لتقوية الإجماع الدولي للتعامل مع طهران

الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد واجه معارضين في الداخل لطريقة إدارته للملف النووي، من بينهم رئيس البرلمان علي لاريجاني («رويترز»)
TT

تغيرت لهجة المسؤولين الأميركيين تجاه إيران بعد عدم إحراز تقدم ملحوظ في جهود فتح قنوات حوار بين الطرفين. وبينما وصفت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون النظام في طهران بأنه أقرب إلى «دكتاتورية عسكرية» رفض البيت الأبيض استبعاد الخيار العسكري للرد على رفض إيران الانصياع لقرارات مجلس الأمن حول ملفها النووي.

ويؤكد مسؤولون في الإدارة الأميركية أن واشنطن ما زالت ملتزمة بدبلوماسية المسارين - مسار الحوار، والضغط - لدفع إيران على التعاون في ما يخص ملفها الأمني. وبعد أن كان مسار الحوار والتواصل هو المسار المفضل للإدارة الأميركية، أصبح مسار الضغط والسعي لإجماع دولي للضغط على إيران هو المسار الأبرز في السياسة الأميركية. ووصف ناطق باسم البيت الأبيض السياسة الحالية للإدارة الأميركية بأنها «دبلوماسية متشددة»، قائلا لـ«الشرق الأوسط»: «حاليا الرئيس وهذه الإدارة، مع شركائنا الدوليين، يركزون على الدبلوماسية المتشددة لحل القضية النووية الإيرانية». وأضاف: «إيران لم تلتزم بالتزاماتها الدولية ونتيجة لذلك نحن نتبع أسلوب المسارين مع التشاور المكثف مع شركائنا حول الخطوات المقبلة». والتواصل مع الشركاء أدى إلى اتصالات مع حلفاء الولايات المتحدة الأوروبيين، بالإضافة إلى جهود إقناع روسيا والصين بأهمية فرض عقوبات أكثر صرامة على إيران. كما أن زيارة وزيرة الخارجية الأميركية إلى الخليج الأسبوع الماضي شملت نقاشات مطولة حول توثيق الجهود الدولية للضغط على إيران، وجاءت بعد زيارة مسؤولين رفيعي المستوى مثل مستشار الأمن القومي الجنرال جيمس جونز ورئيس أركان القوات المشتركة الأدميرال مايك مولن إلى المنطقة. ونهج «الدبلوماسية المتشددة» الذي تحدث عنه المسؤولون الأميركيون قد ظهر من خلال التصريحات الأميركية الأكثر حزما. وكان الرئيس الأميركي باراك أوباما قد قال العام الماضي إن إدارته ستنتظر حتى نهاية ديسمبر (كانون الأول) الماضي للحصول على إشارة تعاون من إيران قبل إعادة تقييم السياسة تجاه إيران. وبينما يستمر نهج المسارين، يؤكد مسؤولون أميركيون أن «باب الحوار» ما زال مفتوحا، إلا أن التركيز الأميركي اليوم على أسلوب الضغط والتوصل إلى «نتائج ملموسة» للرد على التعنت الإيراني. وقال الخبير في شؤون الشرق الأوسط في «مركز تقدم أميركا» براين كاتوليس إنه «من الواضح أننا ندخل مرحلة جديدة» في ما يخص التعامل مع إيران. وأضاف أن أوباما بدأ رئاسته بمرحلة «التواصل» مع إيران، مشيرا إلى خطاب أوباما للشعب الإيراني بمناسبة رأس السنة الجديدة الإيرانية «نوروز» في مارس (آذار) الماضي وإرسال رسالة إلى المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي. ثم دخل مرحلة ثانية خلال قمة مجموعة العشرين في سبتمبر (أيلول) الماضي عند إعلان أوباما مع رئيس الوزراء البريطاني غوردن براون والرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي عن المفاعل النووي الإيراني السري في قم، حيث أوضح كاتوليس أن «هذه كانت لحظة مفصلية مع مواصلة جهود الحوار وتقديم عرض لإيران لتخصيب اليورانيوم في الخارج، مع رفع نسبة الضغط عليها من خلال هذا الإعلان». أما المرحلة الثالثة، التي قال كاتوليس إننا نشهدها الآن، فهي زيادة الضغط والتنسيق الدوليين لمواجهة إيران مع «التركيز الأكبر على العقوبات والعزلة الدولية».

وردا على سؤال حول «النتائج» التي ستصدر عن رفض إيران التعاون مع المجتمع الدولي في ما يخص ملفها النووي، رفض الناطق باسم البيت الأبيض روبرت غيبس هذا الأسبوع استبعاد «نتائج عسكرية». وقال: «لن أستبعد أي شيء، تركيزنا كان على عملية التواصل.. الإيرانيون إما تجاهلوا وإما أهملوا التواصل، مما أظهر للعالم أن برنامجهم النووي ليس بالطبيعة التي حاولوا إقناع العالم بها». وأضاف أن التصرفات الإيرانية تعني أن «النتائج ستأتي». وعلى الرغم من أن المسؤولين الأميركيين كرروا مرات عدة عدم استبعاد أي خيارات، دبلوماسية أو عسكرية، فإن استخدام عبارة «النتائج» تثير شكوكا حول استعداد واشنطن لاتخاذ إجراءات أكثر صرامة من السابق. وحول إمكانية اللجوء إلى الخيار العسكري، قال كاتوليس: «من غير المتوقع حدوث ذلك الآن، هذه إدارة تنظر إلى كل الخيارات»، موضحا أن «الرئيس أوباما يكره النظر إلى الأمور بالأبيض والأسود بل يريد استراتيجية متنوعة وفيها آليات مختلفة». وتابع أن «الحديث الأميركي عن الخيار العسكري والتصريحات الواردة هي آلية قوية إذا كانت فعالة، إذ تزيد من الضغط وتظهر جدية الإدارة، لكن في الوقت نفسه هذه التصريحات قد تعطي نتيجة عكسية بتوحيد صف الإيرانيين ضد أي ضربة محتملة». يذكر أنه في الأشهر الماضية أجرت معاهد أميركية عدة سيناريوهات وألعاب حربية حول نتائج ضربة عسكرية أميركية أو إسرائيلية لإيران وكانت غالبية نتائجها غير محسومة لصالح استقرار المنطقة. واعتبر كاتوليس أن «هذا الأمر حساس للغاية وله تداعيات سياسية داخلية للإدارة الأميركية، بالإضافة إلى تبعاته في المنطقة». وإدارة أوباما تنظر الآن إلى انتخابات نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل في الكونغرس بالإضافة إلى انتخابات الرئاسة عام 2012، وتأثير معالجتها للملف الإيراني على رأي الشعب الأميركي في قدرة أوباما على مواجهة التهديدات الخارجية. ولفت كاتوليس إلى أن المسؤولين الأميركيين حاليا يريدون إظهار الإيرانيين كـ«مخربين ورافضين للتعاون بعد الإشارات العلنية والواضحة التي أعطتها هذه الإدارة لاستعدادها للتعاون مع إيران». وكانت الإدارة الأميركية حرصت منذ دحول أوباما إلى البيت الأبيض على إظهار صدق نيتها بفتح صفحة جديدة مع إيران بعد قطع العلاقات على مدار 30 عاما، وأبدت استعدادها للتحاور مع طهران من دون شروط مسبقة. وكان ذلك أمرا أساسيا بالسعي لحل الملف النووي من خلال الحوار، ولكن أيضا إعطاء الإدارة الأميركية ذريعة للتخلي عن جهود الحوار في حال رفضت إيران ذلك وطلب الدعم الدولي للضغط على طهران. واعتبر كاتوليس أن «الانتخابات الرئاسية الإيرانية كان لها تأثير في هذه الصورة»، إلا أنه أردف قائلا إن المشاكل السياسية الداخلية الإيرانية «لم تؤثر كثيرا على النهج الأميركي في الفترة الأولى ولم تصدر رسائل قوية من البيت الأبيض والاتحاد الأوروبي حول حقوق الإنسان الإيرانية حتى الشهر الماضي».