آثار ديانات سابقة تطفو إلى السطح بعد حفريات في إندونيسيا

خبراء آثار: قدوم الإسلام إلى البلاد لم يغير الأمور فجأة.. بل عبر سلسلة تغيرات ثقافية

TT

دون سابق إنذار، وكما لو كان احتفالا دينيا، بدا الراهبان البوذيان في حلتيهما باللون الزعفراني في ظهيرة أحد الأيام، لإكمال هذه الصورة للماضي والحاضر الديني الإندونيسي. وقف الزائران على حافة موقع الحفر الذي تحيطه الأسوار، حيث يقف معبد بوذي يعود إلى القرن التاسع الميلادي تم الكشف عنه مؤخرا في حرم الجامعة الإسلامية الإندونيسية. على الجانب الآخر من موقع الحفر، حيث ترتفع قبة مسجد ضخمة في الخلفية، يوشك المؤذن أن ينادي لصلاة المغرب.

اكتشاف هذا المعبد الهندوسي، الذي لا يزال على حالته الأولى، تذكرة بالتاريخ الديني الطويل للدولة، التي تعد الآن أكبر دولة في العالم الإسلامي من حيث عدد السكان. فهناك بعض الأماكن المعدودة في العالم التي تتآلف فيها ديانات من حيث الكثافة والتقارب كما هو الحال في جزيرة جاوة الإندونيسية. وإذا كان قصر سلطان يوجياكارتا يقع في قلب المدينة، فإن المركز الروحي لجاوة، المتمثل في بوربودور، أضخم أثر بوذي في العالم، وكذلك أضخم المعابد الهندوسية في المدينة موجودان على أطراف المدينة.

ومع بلوغ المسلمين نسبة 90% من عدد سكان إندونيسيا، مع بعض جيوب من البوذيين والهندوس، في الجزر الإندونيسية، فإن الهندوسية والبوذية، السائدتين في جزيرة جاوة، تتخللان المجتمع، وتسهمان في هذه الصورة المعتدلة للإسلام في إندونيسيا.

وعلى الرغم من ظهور خط ديني إسلامي متشدد بدأ يكتسب أرضية واسعة في إندونيسيا، فإن الإسلام التقليدي الإندونيسي يقدم وجهة نظر موازية. ويقول سوارسونو محمد، المسؤول في الجامعة الإسلامية: «هذه هي إندونيسيا، فقد أثبتنا عبر التاريخ الطويل لإندونيسيا، أن الأديان والديانات المختلفة قادرة على التعايش بسلام مع بعضها البعض». ويشير محمد إلى أنه نتيجة لهذه الروح، خططت الجامعة لأن تعرض المعبد الهندوسي أمام المكتبة التي تبنى حوله في صورة نصف دائرة. تعود بداية اكتشاف المعبد إلى أغسطس (آب) الماضي، عندما قررت الجامعة الخاصة بناء مكتبة «رمز للمعرفة الدينية» جوار المسجد. وخلال العقدين الماضيين منذ إنشاء الجامعة، على مساحة 79 فدانا خارج يوجياكارتا، لم تكن هناك أي معابد على الإطلاق. لكن الفرص كانت كبيرة في وجود المعابد من حولها، فغالبية أسماء القرى القريبة من الجامعة تحمل لفظة كاندي، والتي تعني المعبد، في بداية أسمائها.

وفي 11 ديسمبر (كانون الأول) الماضي، بدأ عمال البناء في إزالة نحو 7 أقدام من التراب من موقع المكتبة، لكن التربة كانت غير مستقرة، مما دفع فريق الإنشاء إلى الحفر بعمق 20 بوصة أخرى. وعندئذ اصطدمت إحدى الجرافات بشيء صلب غير عادي. ذلك الصدع الذي تركته الجرافة على حائط المعبد سيصبح العلامة الوحيدة للدمار الذي لحق بالمعبد، الذي يقول الخبراء إنه قد يكون أفضل أقدم المعابد الموجودة في جاوة.

وقد توجه الباحثون من مكتب الآثار الحكومية في يوجياكارتا إلى الجامعة في اليوم التالي، وقاموا بأعمال التنقيب على مدار 35 يوما، وفي النهاية أزالوا التراب عن معبدين قديمين يقدر عمرهما بـ1,100 عام. تبلغ مساحة المعبد الرئيسي 20 x 20 قدما، ويضم تمثالا لجانيشا، تأتي على هيئة رأس فيل، وقد جلست إلى جوار تمثال لشيفا وآخر لشاكتي. وتعد الشخصيات الثلاث من الآلهة التي يعبدها البوذيون.

في المعبد الثانوي المجاور، الذي تبلغ مساحته 20 x 13 قدما، عثر الباحثون على تماثيل أخرى لشيفا وشاكتي، إلى جانب مذبحين وتمثال لناندي وآخر لشيفا. ويقول هرني براماستوتي، الذي يدير مكتب الآثار، مشيرا إلى المعبد مستطيل الشكل حيث توجد تماثيل شيفا وشاكتي: «المعابد ليست ضخمة، لكنها تتسم بملامح لم نعثر عليها في إندونيسيا من قبل».

ويعتقد الباحثون أن المعابد لا تزال سليمة، لأنها دفنت في ثورة بركانية بعد قرن من بنائها، حيث يعتقد أن الحمم البركانية من جبل ميرابي الذي يقع على بعد 7.5 ميل إلى الشمال من المدينة، قد ملأت النهر المجاور قبل أن تفيض على المعابد وتحد من الدمار بها.

ويقول إندونغ بانكا باترا، الباحث في مكتب الآثار الحكومي، إن جدران المعابد والتماثيل تحتوي على تفاصيل لم يعثر عليها في العشرات من المعابد الهندوسية والبوذية الصغيرة التي اكتشفت في هذه المنطقة.

وقد نقل المسؤولون القطع القيمة مثل تمثال جانيشا إلى مكتب الآثار. ومن أجل مزيد من الحماية من اللصوص، قام العمال ببناء لسياج حول الموقع، واقتصر دخول الموقع على الحراس. على الرغم من أن الراهبين البوذيين لم يواجها صعوبة في الدخول إلى الموقع، فإنهما سافرا من ديرهما، الذي يبعد نحو ساعة، بالسيارة لزيارة المكان. وقال الراهب ذاميكو: «هنا يوجد أسلافنا، لذا فإن لدينا شعورا بالانتماء».

ويعتقد المؤرخون أن الهندوسية انتشرت في جاوة في القرن الخامس الميلادي، ثم أعقبتها البوذية بعد ذلك بثلاثة قرون. وقد ازدهرت الممالك الهندوسية والبوذية في جاوة قبل أن تتوارى عند مجيء الإسلام في القرن الخامس عشر. ويشير الأستاذ تيمبول هاريونو، أستاذ الآثار في جامعة غاداه مادا، وخبير الآثار الهندوسية في جنوب شرق آسيا، إلى أن الأمور لم تتغير فجأة مع مجيء الإسلام، وإنما كانت هناك «سلسلة من التغيرات الثقافية». وأشار إلى أنه في الفنون الإندونيسية، مثل عروض مسرح الظل، واليانغ، الذي يروي أحداث الملاحم الهندوسية، أو حياة الناس الخاصة، لا تزال آثار الديانات باقية حتى الآن، ولا تزال المواد الغذائية والزهور والبخور، ترافق جنازات كثيرة للمسلمين، وذلك تماشيا مع التقاليد الهندوسية والبوذية. وقال هاريونو: «الهندوسية كانت الديانة الرئيسية في إندونيسيا لمدة 1,000 عام، لذا فإن تأثيرها لا يزال قويا».

*خدمة «نيويورك تايمز»