لندن تطلب من تل أبيب توضيحات بشأن استخدام جوازات سفر بريطانية في اغتيال المبحوح

ميلباند: نتوقع ان تتعاون إسرائيل مع التحقيقات * خلفان: الموساد وراء العملية 100% * باريس تطلب توضيحات وكذلك فيينا

السفير الإسرائيلي في بريطانيا بعد مغادرته مقر وزارة الخارجية في لندن أمس (أ.ف.ب)
TT

في الوقت الذي دعت فيه كل من لندن ودبلن سفيري إسرائيل لاجتماعات على خلفية استخدام جوازات سفر مزورة من البلدين في عملية اغتيال محمود المبحوح أحد القادة العسكريين في حركة حماس في دبي في 20 يناير (كانون الثاني) الماضي، والتي يكاد يكون مؤكدا أن جهاز المخابرات الإسرائيلية الخارجية (الموساد) يقف وراءها، أعلنت باريس وفيينا عن نيتهما التحقق من إسرائيل بشأن إقحام اسميهما في العملية.

وأكد قائد شرطة دبي الفريق ضاحي خلفان أنه يكاد يكون متأكدا بنسبة 99% إن لم يكن 100% أن الموساد هو الذي نفذ عملية الاغتيال. وقال خلفان إن «تحقيقنا أظهر أن الموساد ضالع في قتل محمود المبحوح». وأضاف أن «وقوف الموساد خلف القتل أكيد بنسبة 99 المائة إن لم يكن مائة في المائة». وبحسب صحيفة «ذي ناشيونال» الإماراتية الناطقة باللغة الإنجليزية، فإن خلفان أكد أن «الأدلة التي تملكها شرطة دبي تظهر ارتباطا واضحا بين المشتبه بهم وأشخاص على علاقة وثيقة بإسرائيل» دون أن يكشف عن هذه الأدلة.

غير أن السفيرين لدى بريطانيا رون بروسو ولدى أيرلندا صهيون انفروني، لم يدليا بأي معلومات في هذه القضية. وقال بروسو عقب الاجتماع «بعد الدعوة مساء (أول من) أمس، التقيت اليوم (أمس) مع السير بيتر ريكيتس السكرتير الدائم في وزارة الخارجية البريطانية، وبينما أنا سعيد بالتعاون مع طلب سير بيتر فإنني لم أستطع تسليط مزيد من الضوء على الأحداث». وأضاف «التزاما بالممارسات الدبلوماسية سيكون من غير اللائق الكشف عن تفاصيل مثل هذا الاجتماع الثنائي بين بلدينا».

أما المسؤولون البريطانيون فقد اختاروا بعناية شديدة الكلمات التي صرحوا بها عقب اللقاء الذي تم أمس بين سير بيتر والسفير الإسرائيلي، بشأن استخدام 6 جوازات سفر بريطانية.

فقال وزير الخارجية ديفيد ميليباند إن السكرتير الدائم أطلعه على تفاصيل الاجتماع، وإنه «أعرب (للسفير الإسرائيلي) بوضوح عن قلقنا إزاء حاملي جوازات السفر البريطانية في إسرائيل، الذين عبروا بدورهم عن قلقهم من هذا الإجراء». وأضاف ميليباند أن ريكيتس قال «إننا نريد إعطاء إسرائيل الفرصة لتتقاسم ما لديها من معلومات حول هذه الحادثة، ونحن نأمل بل ونتوقع أنهم سيتعاونون مع التحقيق الذي تقوم بع وكالة الجريمة المنظمة والخطرة تنفيذا لتعليمات رئيس الوزراء غوردن براون».

وأعلن ميليباند أنه سيلتقي مع وزير الخارجية الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان أثناء وجودهما في بروكسل يوم الاثنين المقبل، وإنه سيبحث الأمر معه. وعاد ميليباند إلى وعد براون أول من أمس بإجراء تحقيق شامل عبر وكالة الجريمة المنظمة والخطرة «وننتظر نتائج هذا التحقيق».

وفي مقابلة قال ميليباند ردا على سؤال إن كان ريكيتس قد طلب من السفير الإسرائيلي ضمانات بعد إساءة استخدام جوازات السفر البريطانية بهذه الطريقة، إن ما أوضحه السكرتير الدائم هو «إننا نريد من إسرائيل أن تتعاون معنا بشكل كامل في التحقيق، ونريد من السفير أن ينقل إلى إسرائيل وإلى حكومته الجدية التي نتعامل بها مع هذا الوضع». وحول ما يأملون في إنجازه من خلال هذا التحقيق قال ميليباند «نريد أن نصل لعمق هذه القضية.. الجوازات المزورة أو احتمالات استخدامها.. هذا هو أهم شيء بالنسبة لنا».

وتشهد وزارة الخارجية حالة من الارتباك يعجز فيها المتحدثون عن الرد على تساؤلات الصحافيين، منها على سبيل المثال لا الحصر لماذا لم يكن الاستدعاء من قبل وزير الخارجية حتى يعطيه أهمية وجدية أكبر؟.. وقالت إيزابيلا ماكراي، ناطقة باسم الخارجية البريطانية، ردا على سؤال طرحته عليها «الشرق الأوسط» حول ما إذا كان السبب خلف ذلك عدم رغبة بريطانيا في توجيه رسالة جدية لإسرائيل أو توبيخ «لن نعلق على ذلك، يمكنك أن تفترضي ما تريدين».

ورفضت أيضا التعليق على مدى تأثر العلاقات البريطانية - الإسرائيلية بحادثة تزوير جوازات السفر، وما إذا كانت تتسم بالتوتر في الوقت الحالي، وقالت «هذا أيضا أمر يعود لك أن تستنتجي ما تريدين منه، في الوقت الحالي لا يزال التحقيق جاريا، ولن نبدأ بتوجيه الاتهامات (قبل الانتهاء من التحقيق). ورفضت إعطاء مهلة معينة للانتهاء من التحقيق الذي أعلن عنه رئيس الوزراء غوردن براون، وقالت إن التحقيق «ينتهي عندما يتم التوصل إلى نتائج».

يشار إلى أن السفير الإسرائيلي لم يستدع إلى وزارة الخارجية البريطانية بل دعي إليها، وهذا ما أكدته ناطقة باسم الخارجية لـ«الشرق الأوسط»، وقالت إنه دعي ولم يستدع.. ووفق اللغة الدبلوماسية فإن كلمة الاستدعاء تنطوي على غضب واحتمالات توجيه التوبيخ للمستدعى.

وفسرت وسائل إعلام بريطانية غياب ميليباند عن الاجتماع بأنه محاولة لاحتواء الأزمة. غير أن مصادر حكومية رفضت هذا التفسير.

يذكر أن أكثر ما أزعج بريطانيا في هذه القضية هو أن استخدام الموساد لجوازات سفر بريطانية لم تكن هي المرة الأولى. وتعتبر الحكومة البريطانية استخدامها مجددا خرقا لتعهد من الحكومة الإسرائيلية بعدم تكرار حادثة وقعت عام 1987 واستخدم فيها الموساد جوازات سفر بريطانية.

وتقدمت الحكومة البريطانية في أكتوبر (تشرين الأول) من ذاك العام باحتجاج شديد اللهجة للسفير يهودا أفنير، بعد اعتراف إسرائيل باستخدام جوازات سفر بريطانية مزورة. واعتذرت إسرائيل لاحقا وتعهدت بعد الإقدام على مثل هذه الخطوة لاحقا.

وكشف هذه القضية صحيفة «الصنداي تايمز» في تقرير لها قالت فيه إن 8 جوازات سفر بريطانية مزورة موجهة لعملاء الموساد لاستخدامها في عمليات ضد أعداء في الخارج، وجدت بالصدفة في حقيبة في كابينة هاتف في ألمانيا الغربية.

واستدعت أيرلندا أيضا السفير الإسرائيلي لديها صهيون انفروني على خلفية استخدام 3 جوازات أيرلندية مزورة. وقال وزير الخارجية الأيرلندي مايكل مارتن قبل لقاء السفير «إننا نأخذ القضية على محمل الجدية، وإن نقاشا صريحا سيجرى مع السفير». وحسب السفير فإن جوازات السفر سرقت بشكل عشوائي، وتعود إلى ما قبل 2005.

وفي باريس، قال برنار فاليرو، المتحدث باسم الخارجية الفرنسية، خلال لقاء دوري للوزارة مع الصحافيين «نحن نطلب توضيحات من السفارة الإسرائيلية لدى فرنسا حول ملابسات استخدام جواز سفر فرنسي مزور في اغتيال عضو في حماس في دبي. وأوضح «نحن على اتصال منتظم بالسلطات في دبي بشأن تقدم التحقيق ونتعاون معها». وذكر المتحدث أن «العناصر التي في حوزتنا قادتنا إلى الاستخلاص أن جواز السفر المستخدم مزور».

وأعلنت السلطات النمساوية الخميس أنها تحقق في احتمال استخدام أرقام هواتف نقالة نمساوية في الإعداد لعملية الاغتيال. وأكد المتحدث باسم وزارة الداخلية النمساوية رودولف غوليا أن بلاده بدأت تحقيقا في احتمال وجود علاقة لها بحادث الاغتيال. وأضاف غوليا، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أمس، أن الجهات المختصة مشغولة في عملية تحر ومتابعة واسعة للتحقق حول ما نشر من استخدام بعض المتهمين في عملية الاغتيال لشرائح أجهزة جوالات، مسبقة الدفع، من تلك المتداولة التي توفرها شركة اتصالات نمساوية، مما دفع ببعض وسائل الإعلام الدولية لوصف فيينا بأنها كانت بمثابة مركز الاتصالات بين الجهات الكثيرة التي شاركت في الجريمة.

وأضاف موضحا أن استخدام تلك الشرائح لا يعني بالضرورة أن مستخدمي الخدمة كانوا بالنمسا، إذ يسهل الاتصال بها من أي موقع وأي بلد، مفسرا تفضيل استعمالها عما عداها بسهولة شرائها دون وثائق ثبوتية من أي موقع من مواقع بيعها بالنمسا.

من جهة اخرى, نقل موقع «فلسطين اليوم» التابع لحركة الجهاد الإسلامي عن عبد الرؤوف، نجل محمود المبحوح الذي اغتيل في دبي في 20 يناير (كانون الثاني) الماضي، أنه وصل دبي في 22 يناير بعد يومين من اغتيال والده.

وقال إنه سئل هناك «متى خرجتم من غزة؟.. ماذا كان عمل المتوفى؟ وكان الجواب عن هذا السؤال: تاجر ملبوسات، وتوالت الأسئلة بعد ذلك: من هم زبائنه، ومع من كان يتصل، وإلى أين يسافر، وكان جوابي عن السؤالين الأخيرين: لا أعرف بالتفصيل».

وركز المحقق على السؤال عما «إذا كانت العائلة تعرف أحدا في دبي ومع من نتواصل فيها»، كما سئل عما إذا كان للمتوفى نشاط سياسي و«عما أتوقعه لموت والدي».

وتطرق نجل المبحوح إلى زيارته لفندق «روتانا البستان»، مسرح الجريمة، وكيف وصل إلى الطابق الأول ولا يزال على باب غرفة المبحوح (رقم 130) عبارة «يرجى عدم الإزعاج» التي تركها القتلة خلفهم. وما رواه له اللبناني «علي» العامل في استقبال الفندق من أنه كان أول من وصل إلى الجثة بعد اتصال من أحد أصدقاء محمود بأنه لا يرد.

وقال عبد الرؤوف المبحوح إن الشرطة والطبيب الشرعي قرروا بشكل فوري أن الوفاة طبيعية بعدما رأوا أن الجثة لا توجد بها ضربات أو كدمات ولا يوجد عنف في الغرفة.

وبحسب المبحوح الابن فإنه في يوم 28 «تدخل طرف ثالث واستعد الإماراتيون لتسليم الجثة بعد إصدار شهادة الوفاة وإلغاء جواز السفر من القنصلية الفلسطينية بدبي».