التعاون الاستخباراتي الأميركي الباكستاني نقطة تحول في الحرب ضد طالبان

جهود التنصت الإلكتروني أوقعت بالرجل الثاني في طالبان في كراتشي واثنين من حكام «الظل» في شمال أفغانستان

TT

يشكل القبض على قادة بارزين في طالبان أفغانستان في باكستان تتويجا لشهور من الضغط مارسته إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما على قوات الأمن الباكستانية القوية لتقف بجانب الولايات المتحدة، في الوقت الذي تشن فيه قواتها حربا في أفغانستان، بحسب مسؤولين أميركيين وباكستانيين.

وقال مسؤولون، إن المستوى الجديد من التعاون يشمل سماح باكستان في أواخر الشهر الماضي لمسؤولين من الاستخبارات الأميركية بنشر عملائها ومعداتها في هذه المدينة الكبيرة والنابضة، كراتشي، وقد أدت جهود التنصت الإلكتروني التي أثمرت معلومات جرى تسليمها فورا لمسؤولي المخابرات الباكستانية إلى القبض على الملا عبد الغني برادر، وهو الرجل الثاني في طالبان أفغانستان، واثنين من حكام «الظل» في شمال أفغانستان، خلال الأيام الأخيرة.

وكانت هذه الاعتقالات، التي جرت بالتتابع منذ بداية الأسبوع الماضي، محاطة بالسرية في البداية بهدف السماح لعملاء الاستخبارات باستخدام المعلومات المستقاة من المعتقلين لاستدراج مزيد من المسلحين إلى الكشف عن مواقعهم وتحركاتهم، بحسب ما ذكره مسؤولون ناقشوا العمليات الجارية بشرط عدم ذكر أسمائهم، وتم التوصل إلى الاتفاق النهائي بشأن عملية كراتشي خلال الأسبوع الأخير من شهر يناير (كانون الثاني)، مع تشغيل نظام للتنصت مع بداية الأسبوع الأول من فبراير (شباط). وقال مسؤول باكستاني: «يتعاون جهاز الاستخبارات الباكستانية مع وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية حاليا، ويقدم الأميركيون المعلومات الاستخباراتية المفيدة ويعمل الباكستانيون جميعا معهم» للقبض على قادة المتمردين.

وتقدم الاعتقالات دليلا واضحا على أمر مشتبه فيه لفترة طويلة، وهو أن كبار القادة في طالبان أفغانستان عثروا على ملجأ في باكستان، وخاصة داخل مدنها، وهي الحقيقة التي طالما أنكرتها الحكومة الباكستانية.

وقال مسؤولون من الدولتين، إن القرار الباكستاني لتعقب قيادة طالبان أفغانستان يعكس تحولا هادئا يجري منذ فصل الخريف الماضي، مستشهدين بخطاب أرسله الرئيس أوباما نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي إلى الرئيس الباكستاني آصف علي زرداري على أنه نقطة تحول.

وعرض الخطاب الذي سلمه مستشار الأمن القومي الأميركي جيمس جونز يدا بيد إلى الرئيس الباكستاني مساعدات عسكرية واقتصادية إضافية والمساعدة في تخفيف حدة التوترات مع الهند، العدو اللدود لباكستان، ومع جهود أميركية ترمي للتيسير، وافق وزراء خارجية الهند وباكستان على الالتقاء الأسبوع المقبل، في أول محادثات رفيعة المستوى بين الدولتين منذ الهجمات الإرهابية التي وقعت في مومباي نهاية عام 2008.كما اشتمل الخطاب على تحذير فظّ على غير العادة من أن استخدام باكستان لجماعات المتمردين لتحقيق أهداف سياستها لن يجري التساهل إزاءه، وجاء تسليم الخطاب عقب إتمام البيت الأبيض مراجعة للاستراتيجية الأميركية، خلصت منها الإدارة إلى أن الجهود التي تم تعزيزها في أفغانستان لن تنجح من دون مزيد من التعاون من جانب باكستان.

وفي سياق تفسير التحول في موقف باكستان، استشهدت مصادر أيضا بالزيارات المنتظمة التي قام بها مسؤولون أميركيون إلى باكستان، والتقدم الحاصل في التعاون الاستخباراتي وتأكيدات واشنطن أن العملية العسكرية جنوب أفغانستان لن تمتد إلى داخل باكستان، كما تعهدت الولايات المتحدة للمسؤولين الباكستانيين بأنه ليس لديها أي نية للتخلي عن المنطقة بمجرد انتهاء هذا الهجوم.

وجاءت موافقة باكستان على السماح بعمليات اعتراض موسعة لوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية عقب فترة طويلة من القطيعة بين جهازي الاستخبارات الأميركي والباكستاني.

وأكدت الاستخبارات الأميركية لفترة طويلة أن جهاز الاستخبارات الباكستانية حافظ على علاقات وثيقة مع طالبان أفغانستان كوسيلة لأخذ الاحتياطات ضد النفوذ الهندي في أفغانستان واحتمالية انسحاب نهائي للقوات الأميركية. وكان برادر، الذي اعتقلته القوات الباكستانية في كراتشي بمساعدة الاستخبارات الأميركية، القائد الميداني لمجلس قيادة طالبان، والذي يقوم، بحسب مسؤولين أميركيين، بتخطيط هجمات الحركة من مدينة كويتا الحدودية غرب باكستان، لكن مسؤولين باكستانيين رفضوا الاعتراف بوجود مثل هذا المجلس، وبحسب حاكم إقليم كوندوز في أفغانستان محمد عمر ومسؤول أمني باكستاني، ألقي القبض على الملا عبد السلام، قائد طالبان في كوندوز، والملا محمد، حاكم الظل في إقليم بغلان، في باكستان قبل 10 أيام.

ووردت تقارير متباينة بشأن مكان القبض على حاكمي الظل، حيث قال عمر، إنه جرى إلقاء القبض عليهما في كويتا، فيما قال مسؤولون باكستانيون إنهم اعتقلوهما بالقرب من مدينة بيشاور شمال غربي البلاد، وقال محللون، إن هذه الاعتقالات تظهر أن قادة طالبان يتنقلون على نحو منتظم بين مدن مثل كويتا وكراتشي، وهي مركز عبور يمكنهم من خلاله الانصهار بسهولة بين السكان، البالغ عددهم 16 مليون نسمة. وقال مسؤول استخباراتي أميركي، إن هذه الاعتقالات تمثل «تقدما كبيرا»، وأضاف «لم ينسَ أحد التاريخ المعقد لباكستان مع طالبان، لكنهم يتفهمون مدى أهمية ذلك بالنسبة للولايات المتحدة والمنطقة وأمنهم الخاص».

ويعيد تعزيز التواجد الاستخباراتي في كراتشي تشكيل مستوى من التعاون كان موجودا حتى عام 2004، ونجم عنه اعتقال شخصيات بارزة في تنظيم القاعدة في باكستان، قبل أن تتوتر العلاقة بين إدارة جورج دبليو بوش وحكومة برويز مشرف آنذاك.

وظهرت علامات خفية لتحول بين مسؤولين باكستانيين في الشهور الأخيرة، حيث أطلقت طالبان باكستان حملة متواصلة من التفجيرات الانتحارية. وعرض أشفاق كياني، قائد الجيش الباكستاني، مؤخرا تدريب القوات الأفغانية، وهو اقتراح فسره بعض المحللين على أنه رسالة إلى طالبان أفغانستان أن باكستان لديها خيارات أخرى لممارسة النفوذ في أفغانستان، وشعر بعض مسؤولي الأمن الباكستانيين بالقلق من أن طالبان أفغانستان قد تساعد طالبان باكستان، وهذا ما قاله حسن عسكري رضوي، أستاذ ومحلل في مجال الدفاع.

وقال رضوي عن الاعتقالات بين قادة طالبان: «إنها تساعد باكستان من منظور باكستاني خالص، حيث إنها نقلت أيضا رسالة واضحة، حتى بالنسبة لطالبان أفغانستان، بأن باكستان بمقدورها أن تكون قاسية معهم».

ويقول مراقبون في باكستان، إن هذا التحول سيسهل رغبة البلاد في قيادة أي مفاوضات سياسية بين طالبان والحكومة الأفغانية، وهو ما تنظر إليه على أنه فرصة قد تنهي الحرب وتضع في السلطة نظاما حاكما صديقا.

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»)