من يعيق منع التدخين في لبنان: المشرعون أم شركات التبغ؟

3500 لبناني يموتون بالظاهرة هذه السنة ومشروع قانون الحظر يراوح مكانه منذ 2006

لبنانيان يدخنان النرجيلة خلال مظاهرة سياسية في بيروت (أ.ف.ب)
TT

تخوض الجمعيات المناهضة للتدخين في لبنان، منذ سنوات، معركة إقرار قانون منع التدخين، الذي يتأرجح بين مطرقة المشرع وسندان شركات التبغ، علها تساهم في التخفيف من الآثار الناتجة عنه، مساهمة لا يمكن بالطبع أن تجدي نفعا ما لم تقم الدولة والوزارات المختصة بدورها على صعيد إقرار القوانين وتطبيقها، لا سيما أن الدراسة التي أعدها البرنامج الوطني لمكافحة التدخين في لبنان أظهرت أن 60 في المائة من تلاميذ مدارس لبنان دخنوا أو يدخنون السيجارة أو النرجيلة، و79 في المائة من التلاميذ يتواجدون في بيوت يدخن فيها البالغون ويتعرضون لما يعرف بالتدخين السلبي، أما في ما يتعلق بآثار التدخين، فإن 3500 شخص سيموتون في? ?لبنان هذه السنة بسبب التدخين بحسب منظمة الصحة العالمية، وفي ما يتعلق بإعلانات التدخين والترويج لها، فإن 88.3 في المائة من هؤلاء التلاميذ تلفت انتباههم إعلانات التدخين عبر اللوحات، و79.2 منهم يتعرضون لإعلانات التلفزيون.

يقول رئيس البرنامج الوطني لمكافحة التدخين في لبنان الدكتور جورج سعادة لـ«لشرق الأوسط»: «الأهم بالنسبة إلينا، هو حماية غير المدخنين، وطبعا التخفيف قدر الإمكان من نسبة التدخين في المجتمع اللبناني، انطلاقا من هذا المبدأ قدمنا مشروع قانون إلى وزارة الصحة يتضمن 3 بنود أساسية، الأول منع التدخين في الأماكن العامة، وليس فقط تخصيص أماكن للمدخنين وأخرى لغير المدخنين، لأن الدراسات أثبتت عدم جدواها على صحة غير المدخنين، والثاني إضافة تحذير صحي صوري على علبة السجائر وعدم الاكتفاء بالعبارة المعتمدة اليوم والتي تشير إلى أن التدخين يؤدي إلى أمراض خطيرة، بل إرفاقها بصورة عن الأمراض التي يمكن أن يسببها التدخين، والثالث منع إعلانات التدخين التي تجتاح الطرقات ووسائل الإعلام بشكل نهائي».

شروط وتعديلات أضافتها وزارة الصحة بالتعاون مع البرنامج الوطني لمكافحة التدخين وبعض الجمعيات إلى مشروع قانون منع التدخين الذي كان قد وضع عام 2006، للضغط على المسؤولين المشرعين لإقراره، لكن المماطلة التي تطبع جلسات لجنة الإدارة والعدل التي تناقش القانون تمهيدا لإقراره منذ أسابيع عدة، يبدو أنها ستنتهي بالفشل بحسب سعادة الذي يقول: «رضا أصحاب المطاعم وشركات التبغ أهم من صحة الإنسان في لبنان». ويلفت إلى «أنه على الرغم من إبداء شركات التبغ والمطاعم تأييدها لمطالبنا، فإن الواقع يظهر عكس ذلك، إذ إن مصالحهم التجارية ستتأثر بالتأكيد سلبا بهذا القانون، وهذا ما ظهر من خلال ردود فعلهم ورفضهم للمشروع». ويضيف: «شارك ممثلون عن شركات استيراد التبغ العالمية وعن إدارة حصر التبغ والتنباك اللبنانية في جلسة لجنة الإدارة والعدل وهذا ما رفضناه، لكن على الرغم من ذلك عادت وطلبت الشركات مهلة لدراسة مشروع القانون، والمفارقة هنا هي أن هذا الأمر يعني انتظار موافقتها أو عدمها على بنوده، وبالتالي إشراكها في القرار أي إعطاؤهم ورقة مجانية لقتل الناس». ويلفت سعادة إلى أنه على الرغم من تحديد الأربعاء المقبل موعدا لمناقشة المشروع، يبدو أن الإقرار لن يكون حليف المهتمين بصحة اللبنانيين. ويقول: تبلغت منذ يومين أن المشروع القديم الذي تقدم عام 2006 والخالي من التعديلات الجديدة، سيكون على طاولة البحث بعدما رفضت، على ما يبدو، شركات التبغ هذه التعديلات. مع العلم أن المشروع القديم يعطي شركات التدخين جدولا زمنيا مدته 3 سنوات قبل إيقاف الإعلانات وتخصيص أماكن للمدخنين وأخرى لغير المدخنين في المطاعم. وعلى الرغم من المحاولات المتكررة للاتصال بالنائب روبير غانم، رئيس لجنة الإدارة والعدل النيابية التي تدرس هذا القانون، فقد تعذر لـ«الشرق الأوسط» الوقوف على رأيه.

وفي إطار التحركات التي تقوم بها مجموعة أبحاث الحد من التدخين في الجامعة الأميركية في بيروت، فقد نظمت طاولة حوار حول المطالبة بوضع قانون الحد من التدخين في الأماكن العامة، وفي كلمته، قال رئيس دائرة الطب المخبري? ?في? ?كلية الطب في? ?الجامعة الدكتور? ?غازي? ?زعتري: «?3 من 4 أنواع من أمراض السرطان? ?في? ?لبنان ?لها علاقة مباشرة بالتدخين، ?وهي? ?سرطان الرئة وسرطان المبولة وسرطان الفم والعنق?، وإنه بحسب منظمة الصحة العالمية سيموت? ?3500? ?شخص في? ?لبنان هذه السنة بسبب التدخين?». ودحض مقولة أن حظر التدخين في? ?الأماكن العاملة المقفلة? ?يضر بالسياحة، ? ?مستشهدا ?بباريس ودبي? ?ودول طبقت هذا القرار ولم تتأثر السياحة فيها.

وقالت ريما نقاش، ?الأستاذة في? ?كلية العلوم الصحية في الجامعة ومنسقة مجموعة أبحاث التدخين:? «?يجب المنع الكامل للتدخين في? ?الأماكن الداخلية المغلقة، ? ?ومنع شامل لإعلانات السجائر وتسويقها والحملات الإعلانية غير المباشرة أو الرعاية التي تقوم الشركات وهي ?عادة ما تستهدف الشباب?، لا سيما كل الدول التي? ?نفذت هذه الإجراءات شهدت تحسنا ?صحيا? ?وماليا، ? ?وانخفضت كلفة العلاج? فيها». وأكدت نقاش? «أن ?لبنان? ?يملك أحد أضعف سياسات الحد من التدخين في? ?الشرق الأوسط وتظهر الدراسات أن? ?150? ?ألف طفل و350? ?ألف بالغ? ?سيموتون على المدى البعيد بسبب التدخين في? ?لبنان إذا لم نفعل شيئا».? وقالت نقاش لـ«الشرق الأوسط»: «على لبنان تنفيذ اتفاقية منظمة الصحة العالمية التي صدق عليها عام 2005 وبالتالي إقرار قوانين لتشريع هذه السياسات وأهمها البنود الثلاثة التي أشار إليها سعادة، لا سيما أن ? ?75? ?في المائة من الأطفال اللبنانيين? ?يتعرضون للتدخين السلبي? ?في? ?بيوتهم أو خارجها من دون أن ننسى انتشار النرجيلة في أوساط الشباب اللبناني بشكل كبير». وعن مشاركة شركات التبغ في جلسات دراسة مشروع القانون، قالت: «هذا الأمر يتعارض مع الاتفاقية العالمية لمنع التدخين، لكن عدم التقيد بها يعود إلى الافتقاد إلى المراقبة الدورية من منظمة الصحية العالمية للاطلاع على مدى تطبيق الدول لبنود الاتفاقية». واعتبرت نقاش عدم إقرار هذا القانون كارثة صحية وطنية، ويعني أنه على لبنان الانتظار عشرات السنوات قبل معاودة دراسة مشروع قانون جديد.