راسموسن: عندما يحين الوقت سنتخذ كل الإجراءات لحماية دول الناتو من خطر إيران

لغة مدير وكالة الطاقة الذرية الجديد ترسم «نهجا أكثر صرامة» حيال طهران

TT

أعلن الأمين العام لحلف شمال الأطلسي (الناتو) أندرس فوغ راسموسن أن دول الحلف ستحمي نفسها إذا وجدت أنها «مهددة» جراء مضي إيران قدما في برنامجها النووي. ويأتي ذلك فيما قالت مصادر دبلوماسية مطلعة في فيينا وبروكسل إن التعابير التي استخدمها المدير العام الجديد لوكالة الطاقة الذرية يوكيا أمانو في تقريره الأخير حول إيران تعكس «نهجا أكثر صرامة» حيال طهران، مقارنة بنهج المدير العام السابق للوكالة الدكتور محمد البرادعي. وأشارت المصادر إلى «كلمتين» في تقرير أمانو لم تستعملا في عهد البرادعي، وهما «الحاضر» أو «لم يتم الكشف عنها»، موضحة أن البرادعي في تقاريره كان يشير إلى «الأنشطة الإيرانية في السابق» وليس في «الحاضر»، كما كان يستخدم تعبير «غير معلن» الذي قد يشمل تقاعسا غير مقصود عن الاستجابة لقواعد الشفافية، فيما استخدم أمانو «لم يتم الكشف عنها»، وهو تعبير يلمح إلى إخفاء متعمد. ويقول دبلوماسيون إن التغيير الذي حدث مع أمانو قد يرضي أولي هاينونن، كبير مفتشي الوكالة النوويين، الذي يضغط منذ فترة طويلة من أجل إعلان أكثر صراحة للأدلة ضد إيران، لكن البرادعي كان يكبحه، بحسب مصادر فيينا وبروكسل.

وحول مخاوف الناتو من البرنامج الصاروخي والنووي الإيراني، قال راسموسن في مقابلة مع صحيفة «كورييري ديلا سيرا» الإيطالية أمس «إذا واصلت إيران المضي قدما في تعزيز قدرتها النووية، لا سيما في مجال التسلح الصاروخي وتطوير مدى صواريخها، عندها قد تكون دول حلف شمال الأطلسي مهددة». وأضاف «عندما يحين الوقت سنتخذ كل الإجراءات اللازمة من أجل حماية دول الحلف».

وأعرب راسموسن عن أمله في أن يعمد القادة الإيرانيون إلى «وقف عمليتهم لتخصيب اليورانيوم»، مضيفا «نحن ندعم كل الجهود الرامية إلى الوصول إلى حل سياسي»، مشيرا إلى أن الأمر لا يزال يتوقف على «قرار سياسي ليست لحلف شمال الأطلسي، علاقة به ولا هو يؤدي فيه أي دور». ورفض متحدث باسم الناتو تحدثت إليه «الشرق الأوسط» الخوض في تفاصيل تصريحات راسموسن، إلا أن المتحدث أوضح أن موقف الناتو من إيران لم يتغير، وهو ضرورة رد طهران على المخاوف الدولية من نواياها النووية.

وكانت الوكالة الدولية للطاقة الذرية أكدت في تقرير أن طهران باشرت فعلا تخصيب اليورانيوم حتى مستوى 20% في مصنع التخصيب في ناتانز بين 9 و11 فبراير (شباط) الحالي. وحتى ذلك الحين كانت طهران قد اكتفت بتخصيب اليورانيوم حتى نسبة 3.5%، وهو مستوى يسمح باستخدام اليورانيوم كوقود لتشغيل محطة نووية.

إلى ذلك، قالت مصادر أوروبية إن المدير العام الجديد للوكالة الدولية للطاقة الذرية التابعة للأمم المتحدة أمانو «قد يبدو هادئا ورزينا بشكل عام، لكنه لم يضع وقتا في إضفاء قدر من الشدة على نهج الوكالة في التعامل مع إيران»، وقد يكون رسم مسارا أكثر صرامة يختلف عن المقاربة الوسطية التي اتبعها المدير العام السابق محمد البرادعي.

وقال دبلوماسي أوروبي كبير لـ«رويترز»: «هذه بلا ريب قرصة أذن.. تمت صياغة تقرير الوكالة على نحو أكثر حسما من تقارير البرادعي بإظهار أن هناك الكثير جدا من المواد التي لا يمكن أن تؤدي إلى أي استنتاج سوى أن هذا برنامج للأسلحة».

ولم يصل أمانو، وهو خبير ياباني تولى قيادة الوكالة الدولية للطاقة الذرية في الأول من ديسمبر (كانون الأول) الماضي، إلى حد «إصدار حكم على إيران» للحفاظ على حياد الوكالة، نظرا لأنه لا وجود لدليل «إدانة» واضح، لكنه استعمل لغة أكثر تحديدا لنقل ما أبداه مفتشو الوكالة سرا منذ بعض الوقت، وهو أن إيران لم تجر أبحاثا على وضع تصميمات لرأس حربي نووي في الماضي فحسب، وإنما مستمرة في عمل ذلك الآن لامتلاك الوسائل للاستخدام «العسكري» لليورانيوم المخصب. وكتب أمانو أن ما قدمته أجهزة مخابرات غربية للوكالة متسق جدا، ويحظى بمصداقية إلى حد أنه «يثير بواعث قلق بشأن احتمال وجود أنشطة في إيران سواء في الماضي أو في الحاضر، لم يتم الكشف عنها، تتعلق بإنتاج شحنة نووية لصاروخ».

ولم تستعمل تقارير الوكالة في عهد البرادعي كلمات مثل «الحاضر» أو «لم يتم الكشف عنها»، وهو تعبير يلمح إلى إخفاء متعمد، وإنما كان يستخدم تعبير «غير معلن» الذي قد يشمل تقاعسا غير مقصود عن الاستجابة لقواعد الشفافية.

ويقول دبلوماسيون إن التغيير الذي حدث مع أمانو قد يرضي أولي هاينونن كبير مفتشي الوكالة، الذي يضغط منذ فترة طويلة من أجل إعلان أكثر صراحة للأدلة ضد إيران، لكن البرادعي كان يكبحه، بحسب مصادر في فيينا وبروكسل.

وقال دبلوماسي أوروبي آخر معتمد لدى الوكالة الدولية إن تقرير الوكالة الأحدث «كتب ليكون أكثر وضوحا فيما يتصل بغياب التعاون من قبل إيران، بحذف الإشارات إلى التعاون الإيراني المنتظم مع عمليات التفتيش المنتظم». وقال دبلوماسي غربي كبير «صيغ المواربة في التقارير السابقة انتهت، مما يجعل من الصعب على إيران الاستفادة من أي إيجابيات»، مقلصا هامش المناورة أمام بعض الدول لإضفاء طابع عقلاني على نهج إيران وتوظيف الشك لصالحها.

وكان الدبلوماسي يلمح للدول النامية التي استاءت وقاومت التحركات التي يقودها الغرب لعزل إيران ومعاقبتها بسبب سلوكها النووي، وتدافع عن حق إيران المعلن في أن يكون لديها برنامج للطاقة النووية السلمية.

والبرادعي، الذي أدار الوكالة على مدى 12 عاما ونال شهرة بعد فوزه بجائزة نوبل للسلام، كان واضحا في حذره من معلومات المخابرات الغربية، بعد التقارير الخاطئة، أو التي تم التلاعب فيها، لتبرير حرب العراق «خصوصا أنه ليس هناك أدلة حقيقة يمكن الاستناد إليها لإدانة طهران»، حسبما قالت مصادر دبلوماسية في فيينا. وعارض البرادعي بشكل واضح فرض عقوبات على إيران قائلا إنها ستثبط إيران بدلا من دفعها للتعاون.

وقال دبلوماسيون إن أمانو كسفير ياباني في الوكالة شارك الغرب في نهجه المتشدد تجاه إيران، ولم يكن ميالا لمعارضة معلومات المخابرات المتاحة، خلافا للبرادعي. وتوقع الدبلوماسيون أن تكون تقارير أمانو المستقبلية أكثر حدة، خصوصا إذا استمر تعطل الحل الدبلوماسي.

ولا يزال على أمانو كمدير للوكالة أن يظهر تحرره من «التحيز لوجه نظر الغرب»، لتبديد شكوك الدول التي عارضت سعيه لأن يخلف البرادعي، لأنه سيسمح للقوى الغربية باختطاف الوكالة من أجل أهداف سياسية مثل معاقبة إيران. وكان البرادعي وسيطا يحظى باحترام كل من إيران والقوى العالمية. أما أمانو فبحاجة إلى تطوير علاقة ناجحة مع طهران للحفاظ على قدرة المفتشين على الوصول للمنشآت وتطوير وسائل لنزع فتيل المواجهة مع الغرب.

وقال مارك فيتزباتريك، من مؤسسة «آي آي إس إس»، وهي مؤسسة بحثية متخصصة في مجال السياسات الأمنية ومقرها لندن «إن هذا التقرير يعكس موقفا غير متهاون من قبل المدير العام الجديد»، الذي تولى مهام منصبه أواخر العام الماضي».

ومن المقرر أن يناقش مجلس المحافظين بالوكالة الدولية للطاقة الذرية التقرير مطلع مارس (آذار) المقبل، لكن مع استبعاد أن تصدر تلك الهيئة قرارا جديدا بشأن إيران، فمن المتوقع أن يلعب ذلك التقرير دورا أكبر في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في نيويورك، حيث تحاول الولايات المتحدة وحلفاؤها الغربيون الخروج بجملة عقوبات رابعة ضد طهران. وقال الدبلوماسي الغربي «إن هذا التقرير سيكون مفيدا للغاية لعملية نيويورك» حيث جاء من منظمة دولية مستقلة.

وحتى الآن تعد الصين الدولة الوحيدة بين الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن المعارضة بشدة لمسايرة فكرة فرض مزيد من العقوبات، فيما قال الرئيس الروسي ديمتري ميدفيديف هذا الأسبوع إنه لا يستبعد فرض عقوبات.

واعتبرت الولايات المتحدة أن تقرير الوكالة الدولية يرجح أن تكون طهران بصدد إعداد سلاح نووي، يؤيد تشديد العقوبات على طهران. وقال الناطق باسم وزارة الخارجية فيليب كراولي للصحافيين، ليل أول من أمس، إن التقرير «يشدد على المسائل التي تهمنا، والقلق الذي ينتابنا بشأن نشاطات إيران النووية». وأضاف أنه «إذا استمرت إيران على النهج الحالي، ورفضت فتح نقاش بشكل بناء، ولم ترد على الأسئلة التي تطرحها الولايات المتحدة والمجتمع الدولي، فإنها ستخضع لضغوط أقوى بما فيها تشديد العقوبات». كما أعربت دول أوروبية مثل ألمانيا وفرنسا عن قلقها الشديد من تقرير وكالة الطاقة.