زيارة عون لجنبلاط تمهد لتعاون سياسي جديد.. قد يقلب المعادلات

الزعيم الدرزي: نحن نعلم الأجيال اللاحقة ألا تقع في فخ لعبة الأمم

TT

كانت منطقة الشوف في جبل لبنان محط الأنظار أمس، مع استقبال رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وكتلة اللقاء الديمقراطي النائب وليد جنبلاط رئيس التيار الوطني الحر، النائب ميشال عون على رأس وفد من التيار وقيادييه. وشهد درج قصر «المختارة»، حيث مقر جنبلاط، مصافحة بين الزعيمين الأكثر إثارة للجدل على الساحة السياسية اللبنانية، وسط أجواء تميزت بالحفاوة. ووضع عون إكليلا من الزهور على ضريح الراحل كمال جنبلاط، وقدم إلى وليد جنبلاط كتاب «مار مارون في براد». واعتبر من واكبوا الزيارة أن «رمزية الهدية لها دلالتها التاريخية لجهة التواصل بين سورية ولبنان وفق ما يريد عون أن يوضحه».

وكان جنبلاط قد أعلن أن زيارة عون لا تندرج في سياق لقاءات المصالحة بين الدروز والمسيحيين، التي أنجزت عام 2001 مع زيارة البطريرك الماروني نصر الله صفير، وآنذاك كان حاضرا ممثل التيار الوطني الحر. وقال «عقدنا الصلح نهائيا، وفتحنا صفحة جديدة ناصعة عام 2001، وآنذاك كان العماد في الغربة، ولكن آنذاك كان جمهور العماد تحت الاعتقال والضيم، وحاولوا أن يعطلوا الصلح، لكن صلابة الجمهور اللبناني وجمهور التيار الوطني الحر كانت أقوى». وأضاف «تم عقد الصلح على الرغم من كل العقبات، وكرسي بيت الدين، التي فيها أيضا ختمنا الجرح الأليم مع الراعي الأكبر البطريرك صفير، راعي الصلح وراعي السلام وراعي الحوار وراعي الاستقلال». وتابع «اليوم هو لقاء مصالحة ومصارحة، وأكيد أننا نعلم الأجيال اللاحقة ألا تقع في فخ لعبة الأمم التي كادت تدمر وحدة الجبل، لكن اليوم وحدة الجبل تستكمل بحضور عون في ربوعه».

وكانت المحطة الأولى لعون في بلدة دير القمر، حيث وضع أكاليل الزهور على أضرحة الرئيس الراحل كميل شمعون وابنه داني شمعون، ودخل بعدها إلى الكنيسة على وقع تصفيق جمهور من التيار الوطني الحر. وألقى عون كلمة شدد فيها على «طي الحقبة السياسية السابقة وفتح حقبة جديدة من التعاون والانفتاح، لاسيما في منطقة الجبل التي يجب أن يعود فيها التناغم الدرزي المسيحي، لأنهما أساس المنطقة ووحدتها، ومنها إلى وحدة لبنان». وأضاف «هو لقاء إقامة السلام الذي تخطى المصالحة والمصارحة، ونأمل أن يستمر لقرون من السلام لأننا أدركنا أن المدفع لا يبني المجتمع». وأشار إلى أن «التنافس السياسي جزء من حياتنا الدائمة، ومن دون الاختلاف في السياسة، وليس الخلاف، لا تكون هناك ديمقراطية».

واعتبر عون أن وجوده في الشوف ليس مهرجانا سياسيا ولا مهرجانا انتخابيا، إنما لإعادة التناغم لمكونات هذا الجبل بدروزه ومسيحييه، «لأن وحدته لن تكون بوحدة المسيحيين في ما بينهم ولا بالدروز في ما بينهم، ولكن وحدة الجبل تعني وحدة الدروز والمسيحيين معا». وقال إن «المصالحات هي البداية، أما إقامة السلام فشيء آخر، وهي الغاية. وهذا هو التحدي الكبير للجميع».

وقد أوضح القيادي في الحزب التقدمي الاشتراكي والمكلف بالتنسيق مع التيار الوطني الحر، ناصر ريدان، لـ«الشرق الأوسط»، أن «زيارة عون جاءت في سياق طبيعي ومن دون حواجز سبق أن تخطاها الجبل مع زيارة البطريرك صفير، لذا هي تتويج للخطوة الكبيرة الأساسية التي قام بها صفير عام 2001».

أما في التعاون السياسي بين عون وجنبلاط بعد هذه الخطوة، فقال ريدان «لدينا محطة للانطلاق في حوار سياسي، مما يشكل تأسيسا لتعاون وفق الظروف في المرحلة المقبلة». وأكد أن صيغة التعاون لم تبحث في الزيارة. كما أكد أن «التعاون السياسي مع عون لا يعني التخلي عن الحلفاء السابقين». وقال «يجب ألا يفسر التعاون الجدي والواضح مع عون على أنه ضد أحد. في الأساس لا نبني علاقات جديدة للتفرقة بين طرف وآخر. ونأمل أن تجمع هذه الخطوة جميع اللبنانيين. وعلى الجميع أن يدركوا أن الواقع السياسي في 2005 هو غيره في 2010. ونحن نتعامل بواقعية مع المعطيات الجديدة عربيا وإقليميا. وعلينا أن نواكب هذه المعطيات التي لا يمكن تجاهلها». وأكد أن «اللقاء الديمقراطي لا يزال ضمن الأكثرية التي دلت خطاباتها في 14 فبراير (شباط) على أنها هي أيضا تواكب المتغيرات». إلا أن بعض المواقف «الانتقادية»، سواء سلبية أو إيجابية، رافقت الزيارة. فقد أعلن النائب دوري شمعون أنه لن يكون في استقبال عون عند زيارته لضريح والده أو شقيقه داني، لأنه يرفض هذه «العاطفة المصطنعة» بعد خمس سنوات من عودة عون إلى لبنان، ولأن «عون يريد استعطاف الناخبين الديريين على أبواب الانتخابات البلدية». كما وصف «تحبب عون لجنبلاط بالمزيف، وأنه مناورة سياسية لأهداف مصلحية ستنتهي مع ظهور نتائج الانتخابات البلدية».

واعتبر رئيس المجلس العام الماروني الوزير السابق وديع الخازن أنه «إذا كانت زيارة رأس الكنيسة المارونية (صفير) قد أعادت الاعتبار إلى الحضور الماروني والمسيحي في قلب المعادلة التاريخية للجبل، فإن زيارة عون فرضها توقيت التغيير والتحولات الدولية والإقليمية والداخلية لصالح التأكيد السياسي على رفع منسوب التفاؤل في إنضاج وإنجاز ظروف العودة ومستلزماتها المالية المتأخرة. وقد تكون الدولة القطرية، التي استبق العماد عون زيارته لها قبل الجبل، مرتبطة بدعم الخطوات الآيلة إلى توفير ما تبقى من مساعدات في هذا السبيل».

ورأى عضو كتلة القوّات اللبنانية النائب أنطوان زهرا أن «زيارة عون إلى الشوف مهمة، لكن لا أظن أنه سيحصل فيها أي شيء جديد». وأضاف «هذه الزيارة لن تؤثر على التحالفات السياسية في الشوف». وقال «لا أظن أن التقارب بين عون وجنبلاط سيكون تحالفا انتخابيا خاصة أننا لسنا على أبواب انتخابات، لكن إذا كان المقصود الانتخابات البلدية المقبلة فإن التحالفات السياسية لا تأثير كبيرا لها، لأن عدد القرى المشتركة بين الدروز والمسيحيين قليلة العدد».