وفاة ألكسندر هيغ.. وزير الخارجية الأميركي في عهد ريغان

عسكريته عرقلت طموحاته السياسية

ألكسندر هيغ مع هينري كيسنغر وزير الخارجية الأميركية أثناء رئاسة فورد للولايات المتحدة 1973 - 1977 يتحدث في مؤتمر صحافي حول فيتنام في بوستون (رويترز)
TT

توفي أمس بعد مرض عضال عن عمر 85 سنة، ألكسندر هيغ، وزير الخارجية في عهد الرئيس ريغان، وكان قبلها قائدا لقوات حلف الناتو، وقبل ذلك مستشارا للرئيس نيكسون. خلال 40 سنة تقريبا، أثار هيغ جدلا كبيرا في واشنطن بسبب خلفيته العسكرية وطموحاته السياسية. وأيضا بسبب دوره في فضيحة ووترغيت التي أجبرت الرئيس نيكسون على الاستقالة.

في كتاب مذكراته، كتب هيغ أنه، منذ أن كان صغيرا، كان يريد أن يكون عسكريا. في سنة 1947، تخرج من كلية «ويست بوينت» العسكرية (ولاية نيويورك)، ونقل مباشرة إلى اليابان للعمل مع القوات الأميركية التي كانت هزمت اليابان، وبدأت في وضع نظام مدني لها.

وقال هيغ إنه، في ذلك الوقت، بدأ يتعلم كيف يخلط بين العسكرية والسياسة، واقتنع بأن العسكري يقدر على أن يكون أحسن مدني إداري. وقال إن مثله الأعلى في ذلك الوقت كان الجنرال ماكارثر، قائد القوات الأميركية التي غزت اليابان، الذي وقع على اتفاقية الاستسلام على ظهر المدمرة «ميسوري»، والذي أشرف على تحويل اليابان إلى دولة مدنية. غير أن الجنرال ماكارثر صار ضحية الخلط بين العسكرية والمدنية، وضحية طموحات سياسية. وذلك عندما اختلف مع الرئيس ترومان، وصعد المواجهة، فعزله ترومان. وعلى الرغم من أن ماكارثر كان يريد الاستمرار في التحدي، وترشيح نفسه، بعد عزله، منافسا للرئيس ترومان، تعرقلت جهوده بسبب اتهامات له بتغليب العسكرية على العمل السياسي.

غير أن تلميذه هيغ حاول تفادى هذه المشكلة. خصوصا وأنه، منذ ذلك الوقت، اتهم أيضا بتغليب الجانب العسكري فيه على الجانب السياسي. لكن، استفاد هيغ من أستاذه ماكارثر في مجال الحب: عندما كان ضابطا صغيرا في مكتب ماكارثر في اليابان، كانت تعمل معه باتريشا فوكس، بنت جنرال كان يعمل في اليابان أيضا. تحاب هيغ وبنت الجنرال، وتزوجا بعد سنتين. وحتى وفاته ظلا زوجين، لستين سنة (خلفا بنتا ووولدين وثمانية أحفاد). بعد اليابان، حارب هيغ في حرب كوريا، ثم في حرب فيتنام حيث نجا من الموت بأعجوبة عندما أسقط ثوار «فيات كونغ» طائرة هليكوبتر كان فيها.

وعندما عاد هيغ إلى واشنطن في نهاية الستينات، عاد مرة أخرى يتقرب من العمل السياسي. وساعده سايروس فانس، مساعد وزير الدفاع في ذلك الوقت (صار وزير خارجية في عهد الرئيس كارتر). ثم ساعده روبرت ماكنمارا، وزير الدفاع في ذلك الوقت. ثم هنري كيسنغر، مستشار الرئيس نيكسون، الذي اختاره، سنة 1970 مساعدا له في البيت الأبيض.

واستفاد كل من نيكسون وكيسنغر من خبرات هيغ العسكرية، كما استفاد هيغ ودفع طموحه السياسي من داخل البيت الأبيض. وأيضا استفاد هيغ من قدرته الفريدة على مواجهة الصراعات بيروقراطية، وعلى حسم كثير من هذه المواجهات بطريقة شبه عسكرية.

غير أن نيكسون اضطر لأن يستقيل سنة 1973 بسبب فضيحة ووترغيت. وعلى الرغم من إشاعات بأن هيغ تورط في الفضيحة، فلم تثبت ضده تهمة.

لكن، ثبت ضده أنه ساعد الرئيس نيكسون ومستشاره كيسنغر على وضع «قائمة سوداء» فيها أسماء صحافيين وموظفين في الحكومة اتهموا بأنهم وراء حملات ضد نيكسون وسياساته، خصوصا محاولته الخروج من حرب فيتنام. لم يحقق مع هيغ، ولا مع كيسنغر، بسبب هذه الاتهامات، لكنها بقيت نقاطا سوداء في سجلي الرجلين.

بعد استقالة نيكسون، ترك هيغ واشنطن والسياسة، وعاد سنة 1974، إلى العمل العسكري المهني، قائدا لقوات الناتو، بتوصية من الرئيس فورد، الذي خلف نيكسون.

وعندما صار ريغان رئيسا، عاد هيغ إلى واشنطن والسياسة من القمة، من منصب وزير الخارجية.

لكن، وربما بسرعة البرق، لم يخيب هيغ توقعات الذين يعتقدون أنه لن يقدر على أن يجمع بين العسكرية والسياسة. ذلك أن هيغ دخل في صراعات بيروقراطية مع عدد من وزراء ريغان، كما أغضب ريغان نفسه، الذي، كما كان متوقعا، لم يرتح لطريقة هيغ في العمل، وهي خليط من التفاني العسكري وفي الوقت نفسه، المواجهة العسكرية.

بعد هيغ، اختار ريغان جورج شولتز، أستاذ جامعة هادئ ووقور، مكان الجنرال المتحمس.

وبعد ست سنوات من ترك السياسة والعمل في شركات أسلحة واستشارات عسكرية، قرر هيغ أن يدخل السياسة من بابها العريض، وترشح لرئاسة الجمهورية باسم الحزب الجمهوري. لكنه لم ينجح بسبب طباعة العسكرية الحادة مرة أخرى. قبل وفاته بسنة، في مقابلة مع صحيفة «واشنطن بوست»، قال هيغ: «يوجد طريقان لمن يقبل وظيفة: تنحى رأسك وتطيع الأوامر، أو تقل رأيك في شجاعة. طبعا، سيسبب ذلك لك مشكلات، لكنه جزء من الشجاعة».