الحصار يدفع الغزيين لامتهان جمع الحصى

البعض يجمعها من ركام البيوت المهدمة.. وآخرون من باطن الأرض

TT

بدا الحمار كما لو كان يدرك المطلوب منه، فكلما مر على كومة من الركام توقف؛ ليترجل مالكه، رامي الدقة (19 عاما)، لكي يلتقط على عجل الحجارة وما تبقى من ركام، ويضعها في إناء بلاستيكي كبير ثبته على العربة التي يجرها الحمار.

يجوب رامي بعربته شوارع مدن وقرى ومخيمات المنطقة الوسطى من قطاع غزة بحثا عن الركام؛ حيث يقوم ببيعها إلى أصحاب شركات البناء، التي تقوم بطحنها في كسارات خاصة لإنتاج الحصى الذي يستخدم في عمليات البناء، وتحديدا في إعداد الإسمنت المسلح والطوب. وقال رامي لـ«الشرق الأوسط»، إنه يبيع الإناء البلاستيكي بخمسة عشر شيكلا (4 دولارات)، مشيرا إلى أنه بالكاد يقوم بتعبئة إناء واحد طوال اليوم، لكنه يبدو راضيا تماما عما يقوم به. ورامي ليس الشخص الوحيد من بين شباب قطاع غزة الذي وجد في البحث عن استخلاص الحصى من الركام مهنة؛ إذ دفع الحصار كثيرا منهم لامتهانها، لا سيما بعدما زاد الطلب على مواد البناء لإعادة بناء المنازل التي هدمتها الحرب العدوانية الإسرائيلية.

صحيح أن المهربين نجحوا في تهريب كميات كبيرة من الإسمنت إلى قطاع غزة، وهذا أحدث انتعاشا ما في عمليات البناء، وإن كان هذا على صعيد عمليات الترميم وليس إعادة البناء بشكل كامل، لكن لا أحد فكر في تهريبها، فلجأ البعض إلى استخلاصها من الركام.

وهناك أيضا من يسلك طريقا أكثر صعوبة في البحث عن الحصى، وهو استخلاصها من باطن الأرض، وتحديدا في المناطق الخالية التي تقع قبالة شاطئ البحر. ومن هؤلاء إبراهيم الأغبري، وزوجته ونجلاه، الذين يشقون طريقهم فجر كل يوم نحو منطقة المواصي، قبالة شاطئ خان يونس، جنوب القطاع. ويتولى إبراهيم وأحد نجليه عملية الحفر في باطن الأرض، وعندما يعثران على الحصى، الذي يطلقون عليه «الحصمة»؛ حيث يكون مختلطا بالرمال، تقوم الزوجة ونجلها الآخر بغربلته للتخلص من التراب، ثم يتم وضعه في أكياس، وينقل على عربة يجرها حمار إلى الكسارات، التي تقوم بإعادة إنتاجه بأحجام مختلفة.

وتأتي هذه الطريقة الشاقة بمردود مادي أفضل؛ حيث يتم بيع «التنكة» منه بستة شواكل (دولار ونصف)، علما بأن أصحاب شركات مواد البناء يبيعونها بعد طحنها بالكسارة باثني عشر شيكلا (ثلاثة دولارات). وقال الأغبري لـ«الشرق الأوسط»، إنه رغم التعب والإعياء الذي يلم به وأفراد عائلته، فإنه يشعر بسعادة غامرة، حيث إنه بعد تجربة مرة من البطالة أصبح بإمكانه أن يؤمن مستلزمات بيته. والعائلات التي تعيش على هذا النوع من العمل تتنافس فيما بينها من أجل البحث عن المناطق التي يتوقع أن يوجد فيها الحصى. وبعض العائلات تمضي أوقاتا طويلة دون أن تعثر على هذا الحصى؛ فقد كانت مظاهر الإحباط ظاهرة على محيا عيسى الجزري، بعدما حفر حفرة عميقة في باطن الأرض ليكتشف فيما بعد أنه لا يوجد حصى!.. فغادر المكان بحثا عن مكان آخر.