رئيس الوزراء الفرنسي يشترط على سورية بذل جهود في قضية السلام وحل الملف النووي الإيراني.. لتحسين العلاقات معها

فيون من دمشق يحذر إيران ويطالب ببوادر عملية لتبديد قلق المجتمع الدولي

TT

دعا فرنسوا فيون، رئيس الوزراء الفرنسي، سورية إلى بذل جهود من أجل السلام في الشرق الأوسط، خصوصا على صعيد الملف النووي الإيراني، وربط تطور العلاقات الفرنسية - السورية بتجاوب دمشق مع طلبه هذا. وقال خلال زيارته سورية، أمس: «أحد الشروط لاستمرار التنمية الاقتصادية في سورية هو السلام والأمن في المنطقة»، وأضاف «إذا كانت فرنسا اختارت استئناف الحوار مع سورية وتعزيزه، فذلك لأننا نعتقد أن لسورية دورا أساسيا في إرساء السلام في الشرق الأوسط»، مؤكدا أن «ما يجب أن يسود هو الحقيقة والشفافية»، وتابع: «من أجل تحسن الوضع، على كل طرف أن يبذل جهودا. مددنا اليد إلى الحكومة الإيرانية من دون جدوى»، وأضاف: «نأمل أن تساعدنا سورية في هذا الجهد لتتخلى إيران عن قراراتها الخطيرة بالنسبة إلى السلام في العالم».

وكشف رئيس الوزراء الفرنسي عن تحرك فرنسي ستشهده الأسابيع المقبلة، من خلال اتصالات فرنسية مع كل من سورية وتركية وإسرائيل، تجاه تنشيط المفاوضات غير المباشرة والمتوقفة بين سورية وإسرائيل بوساطة تركية. وفي مؤتمر صحافي مشترك مع محمد ناجي عطري، نظيره السوري، خلال زيارته إلى دمشق، أمس، قال فيون إن «الحلول للنزاع في الشرق الأوسط معروفة، وليس لدينا وقت لنضيعه. نحن في حاجة إلى الإرادات الطيبة كلها، وفي الأسابيع المقبلة سيكون لنا اتصال بسورية وتركيا وإسرائيل».

كما وجه فيون تحذيرا إلى إيران بأنها إذا لم تقدم بادرة جديدة بخصوص ملفها النووي، فإن «القوى العالمية ستضطر إلى اتخاذ إجراءات جديدة ضدها»، وقال إن «فرنسا لها نظرة مختلفة عن سورية بالنسبة إلى الملف النووي»، مشيرا إلى أن بلاده أخذت علما بالتقرير الجديد الذي أصدرته الوكالة الدولية للطاقة الذرية، ووصفه بأنه «تقرير مقلق جدا، وإيران تنتهك قراري مجلس الأمن ومجلس المحافظين في الطاقة الدولية، وقدمنا اقتراحات لإيران في التعاون، ولكنها ترفض حتى الآن. ولم يبق لنا حل آخر. وإذا لم تتطور الأوضاع، فسيتم اللجوء إلى مجلس الأمن. نحن في حاجة إلى بوادر عملية من إيران لتبديد القلق الذي ينتاب المجتمع الدولي».

وكان الأسد قد استقبل فيون لدى وصوله إلى دمشق مساء أول من أمس، وبحث معه العلاقات الثنائية وعددا من الملفات الإقليمية، لا سيما عملية السلام، حيث جدد الأسد موقف سورية الداعي للسلام العادل والشامل، القائم على تنفيذ قرارات الشرعية الدولية، مشددا على أن «السلام وحده هو الكفيل بضمان الأمن والاستقرار في المنطقة». ودعا فرنسا إلى لعب دور داعم للدور التركي المهم في عملية السلام، مؤكدا «ضرورة اضطلاع الدول الأوروبية بدور فعال لإرغام إسرائيل على الالتزام بمتطلبات السلام». ومن جانبه، عبر فيون عن رغبة بلاده في تعزيز العلاقات الثنائية وعلاقات سورية بالاتحاد الأوروبي، مؤكدا «ضرورة مواصلة التنسيق بين سورية وفرنسا، الأمر الذي من شأنه إيجاد حلول لمشكلات المنطقة». وقال فيون إنه بحث مع الأسد «إعادة إطلاق عملية السلام، وبخاصة إعادة إطلاق الحوار بين سورية وإسرائيل»، وأعرب عن رغبة بلاده في أن «ستلعب سورية دورا في إحلال السلام والاستقرار في الشرق الأوسط».

وعن الأسس التي استندت إليها فرنسا في الشراكة مع سورية، قال فيون: «خيارنا هو أن نتكلم مع سورية بصراحة وبصدق، وهي لها مواقف وتدافع عنها، ولنا مواقفنا وندافع عنها، ونحاول التقريب بين وجهات النظر»، مشيرا إلى أن هناك «مواضيع كثيرة كانت محل سوء فهم، وقد تحسنت إلى حد بعيد».

واعتبر رئيس الوزراء الفرنسي، في هذا السياق، أن باريس كانت «على حق في انفتاحها على سورية»، معربا عن سعادته «لأن الولايات المتحدة تسير على خطوات فرنسا» بانفتاحها على سورية، علما بأن «العلاقة الفرنسية السورية تعرضت للانتقادات.. وما تم التوصل إليه خلال مباحثاتنا تضمن نقاطا إيجابية تبين أننا كنا على حق في الثقة التي أوليناها في إطار مبادرات صريحة وشفافة وصادقة بين الجانبين».

وأشار إلى أن «فرنسا تريد شراكة مع سورية، لأنها تريد مرافقتها في عملية التنمية، بسبب دورها في رخاء الشرق الأوسط واستقراره، ومن دون سورية لا يمكن أن يتحقق هذا الرخاء بشكل مستدام». ووجه فيون الشكر إلى سورية فيما يتعلق بدورها في نقل رسالة من فرنسا إلى إيران بشأن المواطنة الفرنسية المحتجزة لدى طهران، معتبرا أن احتجاز إيران لها «ظالم»، «ورايس بريئة، ولا يوجد سبب لاحتجازها، ويجب أن يطلق سراحها بأسرع وقت، ومن دون شروط، وهذه هي الرسالة التي نوجهها». من جهته، قال محمد ناجي عطري، رئيس الوزراء، ردا على سؤال حول الدور السوري في الموضوع النووي الإيراني: «نحن نعتقد أن امتلاك الطاقة النووية للأغراض السلمية حق للشعوب، ولكن يبدو أن وجهات النظر مختلفة حول آلية تطبيق هذا الموضوع»، وأضاف: «الإيرانيون يؤكدون أنه للغايات السلمية، ولا مبرر للتخوف»، مؤكدا في الوقت نفسه أن سورية تقدمت للأمم المتحدة بطلبات لإخلاء منطقة الشرق الأوسط من الأسلحة النووية «وهذه الطلبات موجودة في مجلس الأمن، ونحن نتمنى أن تخلى مناطق الشرق الأوسط من الأسلحة النووية كافة». وأشار إلى أن «الخطر هو من الأسلحة النووية الإسرائيلية»، وقال: «الكل يعلم أن إسرائيل تمتلك السلاح وبأعداد كبيرة، ونتمنى من المجتمع الدولي أخذ سياسة واضحة تطبق على الجميع، وبمعايير موحدة».

وأدان فيون اغتيال محمود المبحوح، القيادي في حركة حماس، وقال إن «فرنسا تدين عمليات الاغتيال في العلاقات الدولية، كما تدين العنف»، متمنيا «إلقاء الضوء على مسؤوليات الجميع». وأشار إلى أن بلاده طلبت من إسرائيل «توضيحات وتفسيرات بشأن استخدام جواز سفر فرنسي في عملية اغتيال المبحوح»، مشددا في الوقت نفسه على أن بلاده «تريد معرفة الحقيقة». وحول العلاقات الثنائية بين سورية وفرنسا، قال عطري: «هناك رغبة من الشعب السوري في إعادة الدفء إلى العلاقات السورية الفرنسية، كما أن هناك قرارا من القيادة السياسية لإعطاء دفعات قوية لهذه العلاقات التي لها جذور تاريخية قديمة». وأكد عطري أن المناقشات مع فيون اتسمت بالصراحة والمحبة، وفتح آفاق جديدة لهذه العلاقات، معربا عن تفاؤله بمستقبل واعد للعلاقات بين البلدين. وكشف عطري أن هناك مجموعة عمل «عالية المستوى من الوزراء المعنيين في البلدين كليهما، وبرئاسة رئيسي الوزراء في البلدين، اللذين سيجتمعان سنويا لدفع هذه العلاقات وتعزيزها».

وأشار إلى أن المباحثات مع فيون «ترجمت إلى توقيع الكثير من الاتفاقيات، التي جرى التركيز فيها على قطاعات النفط والطاقة والبنى التحتية والثقافية، والتدريب وتأهيل الكوادر السورية في مختلف مجالات التعاون. وهذه الاتفاقيات ستكون بداية لطريق معبّد من العلاقات السورية الفرنسية»، وأن «حجم التبادل التجاري بين البلدين، والبالغ مليارا و300 مليون دولار، لا يعبر عن تطور العلاقات السياسية بين البلدين».

وبخصوص الملف اللبناني، دعا فيون إلى «إطلاق آلية لنزع سلاح الميليشيات كلها». واعتبر أن «العلاقات الاقتصادية السورية - الفرنسية لا توازي أبدا إمكانات البلدين ونوعية العلاقات السياسية بينهما». وقال قبيل توقيع عقود تجارية «ينبغي رفع علاقاتنا التجارية إلى مستوى علاقتنا السياسية». من جهته، عبّر العطري عن ارتياح سورية للخطوات الإيجابية التي تحققت في لبنان مؤخرا، وقال إن «سورية ستعمل ما في وسعها لتحقيق أمن لبنان واستقراره، لبناء أفضل العلاقات بين البلدين الجارين، بما يخدم المصالح المشتركة وعملية التنمية الجارية فيما بين لبنان وسورية على المستويات كافة»، كما أدان عطري «التهديدات الإسرائيلية للبنان»، معربا عن «تضامن سورية مع لبنان حكومة وشعبا في مواجهة هذه التهديدات».

وكان رئيس الوزراء الفرنسي قد وصل إلى دمشق مساء أول أمس في زيارة لمدة يومين، التقى خلالها الرئيس السوري، وتم توقيع على اتفاق لشراء طائرتين صغيرتين بسعة 60 راكبا، وتمديد مذكرة التفاهم الموقعة بين الجانبين لبيع مؤسسة الطيران السورية 14 طائرة آيرباص، ومذكرة إعلان نيات بين وزارة الثقافة ومعهد العالم العربي لعرض آثار سورية IMA. وكذلك تم توقيع مذكرة تفاهم بين هيئة تخطيط الدولة والوكالة الفرنسية للتنمية، والاتفاق على خطة عمل تنفيذية بين وزارتي التعليم العالي السورية والمركز الدولي للدراسات التربوية في فرنسا. كما تم عقد اتفاق بين وزارة التعليم العالي السورية والمركز الوطني للإعمال، وإعلان نيات بين وزارة السياحة السورية ووزارة الاقتصاد والصناعة.