التعليم المنزلي.. ظاهرة تزداد وسط مسلمي أميركا

وسط نقاش حول آثاره على اندماج الأبناء وتواصلهم مع العالم الخارجي

بريسيلا مارتينيز، المكسيكية التي اعتنقت الإسلام، تدرّس لابنتها في المنزل (واشنطن بوست)
TT

بعد ظهيرة أحد الأيام الباردة غرب مقاطعة لودون كاونتي، عكف مجموعة من الأطفال على استخدام ملاقيط صغيرة لاستخراج عظام القوارض الصغيرة، الطعام غير المهضوم لطائر البوم. فيما انشغل صبي آخر باللعب، وانخرطت فتاة في ممارسة هواية الخط، وعلقت على الحائط ملصقات كتب عليها «أنا أصوم في رمضان»، و«أنا أؤدي الزكاة» و«أنا سأذهب إلى الحج».

هذا هو منزل بريسيلا مارتينيز، حيث تقوم مارتينيز بدور المدرسة والمديرة والموجهة الاجتماعية، وتقوم بتدريس عقيدة التوحيد إلى جانب الرياضيات والقواعد النحوية والعلوم. مارتينيز وأبناؤها الستة الذين تتراوح أعمارهم بين عامين و12 عاما جزء من شريحة آخذة في التكاثر وسط الجاليات المسلمة في الولايات المتحدة لجأت إلى التعليم المنزلي. وتشير مارتينيز إلى أن التعليم المنزلي في منطقة واشنطن تضاعف بصورة كبيرة خلال الأعوام الخمسة الأخيرة. ويقول بريان راي، رئيس معهد أبحاث التعليم المنزلي، إنه على الرغم من أن ثلاثة أرباع الذين يتعلمون في المنازل وتقدر أعدادهم بمليوني شخص يقولون إنهم مسيحيون، فإن عدد المسلمين بدأ في التزايد بصورة كبيرة نسبيا مقارنة بالمجموعات الأخرى. فهم يقومون بذلك لنفس الأسباب التي تقوم بها العائلات غير المسلمة حيث الدراسة أقوى وهناك وقت أكبر مع العائلة والتوجيه الاجتماعي وتقديم مكان آمن للتعلم وتعليمهم القيم والعقائد. ويقول الآباء إن الطريقة الجديدة تمثل بديلا مغريا للمدارس العامة مع الأفراد الذين لا تتوافق تقاليدهم وقيمهم مع المجتمع والمدارس الإسلامية التي تكون بعيدة جدا ومكلفة أيضا وتفتقد القوة الأكاديمية. توجه المسلمين صوب تبني التعليم المنزلي أكثر من الآخرين، ربما تعود بعض أسبابه، إلى أن كثيرا من المسلمين الموجودين في الولايات المتحدة مهاجرون قد لا يدركون هذا الخيار. بيد أن فكرة التعليم المنزلي تلقى معارضة من كثير من المهاجرين المسلمين الذين يرون فيها تناقضا مع أسباب قدومهم إلى الولايات المتحدة التي تقدم فرصا تعليمية أفضل، وأن المدارس العامة تعتبر مفتاحا رئيسيا للاندماج مع المجتمع.

عندما قدمت صنوبر يعقوب من باكستان قبل 13 عاما وبدأت في تعليم أبنائها الثلاثة تعليما منزليا كانت المهاجرة الوحيدة التي تعرف من يقوم بذلك. وقالت: «اعتقد البعض من الدول الإسلامية أنني غريبة الأطوار وقال لي أحدهم أتمنى ألا تدمري نفسك وألا يصير أبناؤك جهلة». الآن يتبع الكثير خطاها وبدأ كثيرون في استخدام «منهج كالفيرت» الذي يحظى بسمعة طيبة للتعليم المنزلي. ويقول مقصود وزكية خان اللذان هاجرا من باكستان قبل 20 عاما ويقيمان في سترلينغ إن التعليم المنزلي سمح لهما بتحسين وتطوير منهج أبنائهما. وإضافة إلى المواد القياسية يدرس أبناؤهما في سن 15 و14 و9 سنوات القرآن لمدة نصف ساعة يوميا واحدا تلو الآخر، مع سيدة تعلمهم القرآن عبر الإنترنت من باكستان. وقال مقصود خان: «إذا دخلوا المدرسة فلن نتمكن من تعليمهم القرآن الكريم، لأن الأطفال يقضون عددا كبيرا من الساعات داخل المدرسة ولذا يعودون منهكين ويكون عقلهم مشحونا، ومن ثم تقل الرغبة لديهم في قضاء مزيد من الساعات مع الدراسات الإسلامية. لكن في ظل نظام التعليم المنزلي تأتي الدراسات الإسلامية كجزء من منهجهم التعليمي فقد جعلناها جزءا من الوقت». قرار عائلة خان اختيار التعليم المنزلي جاء قبل أربع سنوات بعدما أخبرت مدرسة الحضانة، التي تجهل الشرائع الإسلامية، أنه لا يمكن رفض الطعام الذي تقدمه المدرسة، ليأكل الطعام الذي أتى به معه من المنزل. لم تكن هذه واقعة ضخمة لكنها أبرزت القضايا التي يقول المسلمون إن أبناءهم يواجهونها كل يوم كأقليات لا تحتفل بعيد الميلاد أو الهالوين أو تقيم أعياد ميلاد. لم تفكر العائلة في المدارس الإسلامية، فتقول زكية خان عن السبب في ذلك: «إن الأولاد يتعلمون في المنزل كمًّا أكبر مما يتعلمونه في المدرسة». في المقابل يقول عبد الرشيد عبد الله الذي يقطن في هيرندون، إنه لولا التكلفة العالية للمدارس الإسلامية لاختارها لابنه البالغ من العمر 11 عاما الذي واجه صعوبات بسبب التعليم الديني في المدرسة العامة. وقال عبد الله، الذي بدأت زوجته المهاجرة الماليزية في تدريس ابنها في المنزل منذ الخريف الماضي: «أبنائي يدركون تماما أنهم مسلمون، ويدركون تماما أن الأفراد الآخرين ليسوا كذلك». أما ابناهما الآخران، 10 و6 سنوات، فيواصلان التعليم في المدرسة العامة، في حين يبلغ الابن الرابع ثلاث سنوات من العمر. ويضيف عبد الله: «هنا ثقافة سائدة وأبنائي ليسوا جزءا من هذه الثقافة فعندما تقول نحن لا نفعل هذا ولا ذلك، فإن ذلك يشكل عبئا عليهم. لكن التعليم المنزلي يخفف الكثير من هذا العبء». مارتينيز ذات الأصول المكسيكية التي نشأت في تكساس واعتنقت الإسلام قالت إنه على الرغم من أنماط التعليم المنزلي التي تسعى إلى الانعزال عن العالم فإن الهدف منها لا يعني حجب الأطفال عن الثقافة السائدة بقدر ضمان الاهتمام بهم. وقالت: «إننا لا نعزل أنفسنا عن بقية العالم ونجلس في منازلنا منعزلين عن المجتمع المحيط بنا وهويتنا كأميركيين، لكننا لا نرسلهم إلى المدارس حيث يفقدون غالبية هويتهم الإسلامية». وتضيف: «هناك أيضا الأسباب الدينية، فنحن من دون شك نتعلم من وجهات النظر المختلفة في العالم. نحن نحاول ربط كل أمر بالدين؛ فنحن لا ندرس النحلة فقط، لكننا ندرس ما قاله القرآن عن النحلة والفوائد العديدة للعسل. لذا فنحن نمزج الدراسة العلمية بالدينية ونمزج الأحياء والكيمياء بالدراسة الدينية أيضا».

يشار إلى أن فكرة التعليم المنزلي بدأت تلقى رواجا أكبر وسط الجاليات المسلمة في الولايات المتحدة بعد نجاح تجربة عائلة يعقوب. وتقول إن الذين عارضوا هذا النظام في السابق هنأوها على نجاحها مع أبنائها الذين يدرسون في التعليم الجامعي الآن. فابنها سعد (21 عاما)، الذي يدرس اللغة الإنجليزية في جامعة جورج ماسون، تمكن من حفظ القرآن الكريم خلال التعليم المنزلي. وتضيف: «استوقفني الشخص الذي انتقدني في السابق وقال لي: نحن فخورون بسعد». وفي الوقت الذي يتسع فيه نطاق التعليم المنزلي تثور تساؤلات حول السلوك الاجتماعي. ويقول عبد الملك أحمد (34 عاما)، وهو مطور مواقع على شبكة الإنترنت، وتلقى تعليما منزليا خلال الثمانينات والتسعينات، إنه على الرغم من إيجابية هذا النظام بصورة إجمالية (يقوم هو بالتدريس المنزلي لابنته) فإنه يحمل أيضا بعض المثالب. وأضاف: «كانت أعداد المسلمين قليلة جدا وكنا مشتتين ولم يكن المجتمع على هذه الحالة من التقدم. لذا لم تتح لنا الفرصة للتأقلم مع المجتمع بالقدر الذي نجده الآن. وقد استغرق الأمر مني بعض الوقت للتأقلم مع المناخ حولي عندما التحقت بالجامعة». وللتغلب على هذا التحول، يقول بعض الآباء الذين يقدمون لأبنائهم تعليما منزليا إنهم يخططون لإرسال أبنائهم إلى المدارس الثانوية العامة عندما يكتمل بناء شخصيتهم. وتقول نورالهدى زين العابدين، زوجة عبد الله: «لا يعني ذلك أنك لا ترغب في إبعادهم عن العالم، لكنك ترغب في غرس قيم معينة فيهم أولا». ويقول مقصود خان إن أبناءه يتصلون بالعالم الخارجي عبر فرق الكشافة الإسلامية ويقومون بزيارات إلى المتاجر الإسلامية، فهم مراهقون نموذجيون، يستمعون إلى الموسيقى لكنهم يستمعون إلى الموسيقى الإسلامية». في المنزل التقينا ابنته مينا (15 عاما)، التي درست في مدرسة سترلينغ المتوسطة حتى أنهت الصف السادس قبل أربع سنوات مرتدية قميص سويت شيرت ووشاحا أسود، وأشارت إلى أنها تفتقد بعض الأمور في المدرسة العامة مثل نادي هاري بوتر. وتقول: «كنت أحب الذهاب إلى المدرسة، فقد كنت أحصل على درجات جيدة، لكننا لم نكن نتلقى تعليما دينيا كافيا».

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ «الشرق الأوسط»