رئيس الجمعية العامة: ننتظر قرار القمة العربية والمؤتمر الإسلامي لطرح الدولة الفلسطينية

علي التريكي في حوار مع «الشرق الأوسط» : دور الأمم المتحدة انكمش ليصبح مجرد عضو في اللجنة الرباعية

د. علي عبد السلام التريكي (أ. ف. ب)
TT

أكد رئيس الجمعية العامة للأمم المتحدة الدكتور علي عبد السلام التريكي في حديث خاص لـ«الشرق الأوسط» على أهمية إصلاح مؤسسات الأمم المتحدة، مشيرا إلى وجود رغبة دولية في هذا الشأن، وكشف عما تم اتخاذه من خطوات تتعلق بتعديل الميثاق، واختيار الأمين العام، وتوسيع عضوية مجلس الأمن، وكذلك القضايا التي تحظى بالأولوية على أجندة الجمعية العامة للأمم المتحدة، خاصة قضايا نزع السلاح، وبناء السلام، والمياه. وقال إن مكافحة الإرهاب تتطلب إزالة أسبابه واستخدام الحوار بين الأديان والحضارات، كما تحدث عن قرارات الأمم المتحدة الخاصة بفلسطين، وأفاد بأنه في انتظار قرارات تصدر من القمة العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي للذهاب بملف فلسطين إلى الجمعية العامة، كما توقع توقيع اتفاق مبادئ في الدوحة لفصائل دارفور قريبا. يذكر أن التريكي وزير الشؤون الأفريقية الليبي السابق انتخب في يونيو (حزيران) الماضي رئيسا للجمعية العامة، وهو منصب يتم تداوله كل عام بين المجموعات الجغرافية في الأمم المتحدة، وهذه الدورة هي دورة أفريقيا.

وفيما يلي نص الحوار الذي أجري معه في القاهرة:

* في تقديرك، ما أهم القضايا المطروحة على الجمعية العامة التي تخدم المنطقة العربية، وإلى أين وصل موضوع إصلاحات الأمم المتحدة؟ - الهدف الذي نسعى إليه هو إعادة دور الأمم المتحدة التي تم تهميشها وهيمنت عليها الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن كما استخدمت مؤخرا كغطاء في شن الحروب، وهذا سبب أساسي في فقدان دورها، ومن هنا توجد حركة نشطة حاليا في الأمم المتحدة تسعى إلى إعطاء دور كبير للأمم المتحدة في تحقيق الأمن والسلم وفى حل المشكلات الدولية الكبيرة التي أصبح من الصعب على دولة واحدة أو مجموعة من الدول تحمل المسؤولية في حلها خاصة قضايا المناخ ومكافحة الفقر والأمراض حتى قضايا الأمن لم يعد في مقدور دولة أو مجموعة وإنما لا بد من دور لكل مجموع الأمم المتحدة، لذلك لدينا ملف إعادة بناء السلام ونزع السلاح، ومن هذا المنطلق نشجع دور الجمعية العامة في حل المشكلات الدولية، ونذكر بأن قضية فلسطين والشرق الأوسط بدأت من الجمعية العامة للأمم المتحدة وهى التي أعطت شهادة الميلاد للكيان الصهيوني بقرار التقسيم منذ ستين عاما، والقضية تراوح مكانها نفسه، بل زادت تعقيدا من خلال الاستيطان وممارسات إسرائيل الرافضة للسلام، وبالتالي من المهم أن تعيد الجمعية العامة دورها وتخرج من مرحلة التهميش إلى لعب دور حقيقي وفعال بدلا من اختزالها حاليا في عضو في اللجنة الرباعية، ونحن كعرب مسؤولون عن إصلاح الأمم المتحدة.

* كيف نعيد دور الأمم المتحدة؟ - إعادة الدور للأمم المتحدة يتطلب إصلاحا وتنشيطا للجمعية العامة، فهل من المعقول أن يتم تعين الأمين العام بشكل رئيسي من الدول الخمس دائمة العضوية؟ وأن يكون ضعيفا حتى تسهل السيطرة عليه. وبالتالي، فالإصلاح هو أن يتم اختيار الأمين العام من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة، وكذلك من الخطأ تدويل منصب الأمين العام للأمم المتحدة بين القارات، لأن الأمين العام مفوض أن يقود منظمة دولية وأن يكون اختياره على مستوى عال، كما كان في بداية تأسيس الأمم المتحدة، وأن تكون قرارات الأمم المتحدة ملزمة. وقد بدأنا في التحرك، وهناك منسق يجري حاليا مفاوضات مع الدول من أجل تعديل الميثاق من أجل توسيع عضوية مجلس الأمن، وهناك منسق آخر يعمل عبر التشاور مع دول الأمم المتحدة من أجل تقوية دورها، ونعمل أيضا على إحداث تجانس بين مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة، وبالفعل عندما يختار كل شهر رئيس جديد لمجلس الأمن يقوم بزيارة رئيس الجمعية العامة ويتحدث عن برنامجه الشهري، ومن خلال ذلك يتم إطلاع الجمعية العامة على البرنامج الشهري لمجلس الأمن. ونقوم حاليا بتنظيم لقاءات بحضور رئيس الجمعية العامة وبعض أعضاء الجمعية، والمهم أننا بدأنا عملية تنشيط كبيرة بين مجلس الأمن والجمعية العامة، أما في ما يتعلق بقضايا الأمن والسلام، فبدأنا في العمل من خلال إعادة بناء لجنة السلام، وتم تشكيلها، وقمنا بإعادة النظر في لجنة حقوق الإنسان، وكلفنا ممثلين لاستطلاع رأى الدول، وتجري دراسة هذا الموضوع في جنيف وفى نيويورك تحت إشراف رئيس الجمعية العامة للأمم المتحدة، وكل هذا يصب في عملية الإصلاح، إضافة إلى تعيين ممثلين من الجمعية العامة لدراسة الوضع المالي الدولي وتأثيره على العالم وكيفية قيام الأمم المتحدة بدور في هذا الشأن، وكذلك موضوع تغير المناخ.

ونبحث أيضا في كيفية إصلاح إدارة الأمم المتحدة ذاتها والتنسيق بين مؤسساتها المختلفة، وتم تشكيل لجنة لهذا الأمر. ونعد الآن لعقد قمة في شهر سبتمبر (أيلول) المقبل للألفية الثالثة، وتقييم ما تم إنجازه ووضع برامج لمكافحة الفقر والأمراض والبطالة. ونجرى اليوم أكبر اجتماعات في الجمعية العامة للأمم المتحدة لبحث ثلاثة موضوعات أساسية هي نزع السلاح، وبناء السلام، والمياه وندرتها وعلاقتها بتغيير المناخ وأثر المياه على الصحة.

* هل من جدية لتنفيذ قرارات الأمم المتحدة في ما يتعلق بعملية السلام؟ - المشكلة أن ميثاق الأمم المتحدة يحتاج إلى تعديل، والآن قرارات الأمم المتحدة ليست إلزامية، وهى أدبية أكثر منها عملية أو قابلة للتنفيذ، ولذلك يحتاج الميثاق لإعادة النظر، والآن لدينا الفصل السابع من الميثاق الذي يقع تحت هيمنة مجلس الأمن، وهذا يتطلب عملا كبيرا جدا.

* هل هناك اتجاه للتعديل بالفعل أم مجرد حديث حوله؟ - التعديل مطروح حاليا، وهناك تكتلات داخل الأمم المتحدة، وتوجد مجموعة الأربع المرشحة للدخول في مجلس الأمن كأعضاء دائمين وهي البرازيل وألمانيا واليابان والهند والتي لها وضع خاص، وهذه الدول انضمت إليها مؤخرا جنوب أفريقيا. والمطروح هو: هل العالم الآن في حاجة للمزيد من الـ«فيتو»؟ الأغلبية تقول: «لا، يجب أن يلغى الفيتو»، والمطروح أيضا أن تحصل بعض هذه الدولة على عضوية دائمة ولكن من دون «فيتو»، ويوجد انقسام كبير؛ ألمانيا مطروحة، واليابان والدول الأفريقية لديها موقف، وهو أن تكون ممثلة بعضوين دائمين، وزيادة الأعضاء غير الدائمين. والأخ القائد (العقيد القذافي) طرح فكرة أن نبدأ بأفريقيا أولا من دون التحدث عن موضوع الأمم المتحدة، أي عدم ربط الإصلاح بوجود أفريقيا في مجلس الأمن لأنه من حقها، ولا يوجد نزاع في ذلك، لأن العالم كله يقر هذا الحق لأفريقيا، ويبقى أن المطروح هو: مَن وكيف؟ وهذا الموضوع يتم أفريقيّا وليس دوليا. وهناك أيضا دول المكسيك وإيطاليا وكوريا الجنوبية وباكستان، وهؤلاء ضد انضمام الدول الأربع التي ذكرتها، وهناك أيضا الدول الصغيرة وذات الأغلبية وهى أكثر من نصف أعضاء الأمم المتحدة؛ هؤلاء لهم موقف آخر. وكذلك الدول العربية لها موقف، وأقصد أن هناك مواقف عدة حول الإصلاح.

* ماذا عن مكافحة الإرهاب وإمكانية عقد مؤتمر دولي تحت رعاية الأمم المتحدة في ظل ازدياد خطر تهديد تنظيم القاعدة للأمن والسلم الدوليين؟ - الإرهاب موضوع خطير جدا، لكن لا بد من دراسة أسباب الإرهاب، خاصة أنه وجد نتيجة ظلم واحتلال، وأن قرارات الأمم المتحدة لم تؤد إلى نتيجة، وبالتالي بدأ استخدام العنف، إضافة لاحتلال إسرائيل لفلسطين، هناك أيضا الفقر والبطالة. والمعالجة تحتاج لأسباب مادية؛ بإنهاء الاحتلال، ومكافحة الفقر، ورفع مستوى المعيشة، خاصة أن التطرف ينتج عن البطالة بدرجة كبيرة، واليوم الأمم المتحدة تركز على معالجة موضوع الإرهاب عبر وسائل مهمة؛ منها حوار الأديان والحضارات، الذي بدأ منذ سنوات من خلال عقد مؤتمر في إسبانيا وتركيا على مستوى دولي، والآن نعد لعقد مؤتمر في البرازيل في يومي 28 و29 من مايو (أيار) المقبل يترأسه الرئيس البرتغالي السابق، ونحن نعد في الجمعية العامة لعقد اجتماع خاص لحوار الحضارات، وهناك اجتماع الآن لوزراء خارجية عدم الانحياز في مانيلا يتعلق بالعلاقة بين الأديان والتسامح، وهناك حملة دولية للتعامل مع موضوع الإرهاب بالطرق السلمية بعيدا عن استخدام السلاح.

* السعودية اقترحت إنشاء مركز دولي لمكافحة الإرهاب وعقد مؤتمر دولي لمكافحة الإرهاب؟ - اقتراح مهم، ولدينا أيضا مركز دولي لمكافحة الإرهاب لأفريقيا مقره في الجزائر، وهو نشط ومتحرك. ولكن كما قلنا، فإن مكافحة الإرهاب تحتاج لإطار عمل من خلال مكافحة الفقر والقضاء عليه، وموضوع تغير المناخ لأن 22 دولة مهيأة للاختفاء من العالم خلال 15 عاما نتيجة تغير المناخ، أقصد أن هناك عملا كبيرا يحتاج لكل الجهود العربية والأفريقية، أما انعقاد المؤتمر الدولي فهو مرهون بتحديد مفهوم الإرهاب أولا.

* لماذا لا تشكل الأمم المتحدة لجنة لتعريف الإرهاب وتبادر بعقد المؤتمر؟ - لدينا تعريف في الأمم المتحدة للإرهاب، ولكن مختلف حوله، وهو يقول إن الإرهاب هو استخدام الوسائل غير الشرعية.

* هل اتفق على ذهاب العرب للجمعية العامة للأمم المتحدة للحصول على قرار للاعتراف بالدولة الفلسطينية كما كان مقررا في اجتماعات وزراء الخارجية العرب؟ - هذه فكرة جيدة، لأنه لا بد من الاعتراف بالدولة الفلسطينية بحدودها للحد من توسع إسرائيل. ومطلوب أولا أن يكون هناك قرار عربي من القمة العربية، ثم من القمة الإسلامية، ثم نلجأ إلى الأمم المتحدة - الجمعية العامة لإصدار قرار يتعلق بحدود الدولة الفلسطينية وفقا للاتفاقيات الدولية، وهى إنشاء دولة فلسطين في حدود 1967. وعلى الدول العربية الاستفادة من الموقف الأوروبي في هذا الشأن وأن يتم تطويره حتى لا يساوم أحد على الحدود الفلسطينية وتنتهي مشكلة المستوطنات.

* ليبيا تستضيف القمة العربية، هل تتوقع صدور هذا القرار بشأن فلسطين والذهاب إلى الجمعية العامة؟ - نأمل أن يتم ذلك خلال القمة، وقد تحدثت مع الإخوة الفلسطينيين بالأمس خلال اجتماع مؤسسة الرئيس الراحل ياسر عرفات.

* ماذا عن لقائكم مع المندوبين الدائمين لدى الجامعة العربية؟ - الأمين العام يقوم بدور كبير، وهناك قضايا الآن مطروحة على الأمم المتحدة، وعليه اطلع المندوبون عليها، خاصة موضوع تقرير غولدستون وفلسطين، وهناك تعاون كامل بين الجمعية العامة للأمم المتحدة وبين المجموعة العربية في نيويورك، وسوف نعقد يوم 26 الشهر الحالي اجتماعا لاتخاذ قرار من جديد بطلب إلزام إسرائيل بتشكيل لجنة تحديد لما ارتكب من جرائم حرب على غزة وفق تقرير غولدستون.

* ماذا عن إخراج العراق من الوصاية الدولية، هل هذا مطروح على الجمعية العامة؟ - هذا ليس مطروحا على أجندة الجمعية العامة، والعراق ما زال معروضا على مجلس الأمن باعتبار تطبيق الفصل السابع على العراق، وأملنا كبير أن يخرج العراق من أزمته بعد الانتخابات المقبلة، وأن يشكل حكومة وحدة وطنية قادرة، والعمل من أجل خروج القوات الأجنبية.

* أزمة الغرب مع إيران وانعكاساتها على الأمن والسلم الدوليين؛ كيف ترى ذلك في أروقة الجمعية العامة؟ نحن في الوطن العربي لدينا أولويات لأمننا القومي؛ لدينا احتلال إسرائيلي وامتلاكها لسلاح نووي، وهذا يهدد الأمن القومي العربي. أما موضوع إيران، فنحن لا نقبل أن تتدخل إيران في الشأن العربي، خاصة العراق، ولكن يجب أن لا نكون شريكا أو طرفا في عمل ضد إيران الهدف منه خدمة مصالح أو استراتيجية خارج المنطقة.

* ملف السلام في السودان؛ هل اقتربنا من الوصول إليه أم إن السودان اقترب من التقسيم؟ - هناك تطور إيجابي في دارفور يتمثل في الاستقرار والهدوء والنزوح من المعسكرات إلى القرى، وهذا يرجع إلى الجهد الذي يبذله السودان والعمل الأفريقي والدولي، وهناك أخبار مشجعة بأن حركة العدل والمساواة وقعت في انجمينا، وإن كانت قد وقعت في الماضي، لكن أملنا كبير أن تستقر، وكذلك الانفراج في العلاقات السودانية التشادية له أثر كبير، وهو أمر مهم وإيجابي ويجب أن تشكر عليه القيادتان السودانية والتشادية، لأن هذا يساهم بشكل كبير في إحلال السلام في دارفور.

* تقارير منبر الدوحة تتحدث عن توقيع اتفاق سلام لأهل دارفور قبل الانتخابات السودانية.. هل تتوقع ذلك؟ - الحديث يدور حول توقيع اتفاق إطار أو مبادئ في الدوحة لتحقيق السلام في دارفور والوضع تحسن في دارفور بدرجة كبيرة.

* هل تتوقع انفصال الجنوب؟ - اتفاق نيفاشا مورست فيه ضغوط كبيرة على السودان، واعتقد أنه من مصلحة الشعب السوداني الحفاظ على وحدته ويجب ألا ينقسم، وسوف تكون الاتفاقية من الماضي، وأن يدخل السودان إلى وحدة كاملة لأرضه وشعبه لأن تقسيم السودان ستكون له مخاطر كبيرة في أفريقيا وفى العالم.

* هل انتهى تهديد تقرير المدعي العام للمحكمة الجنائية أوكامبو للرئيس البشير؟ - تقرير أوكامبو رفضه العرب والأفارقة وأثر على كثير من الدول التي كانت ترغب في الانضمام إلى هذه الاتفاقية، وهناك دول انسحبت منها والبعض يفكر في الانسحاب. وبالتالي، فإن تقرير أوكامبو من الناحية السياسية الدولية لم يعد له أي تأثير.

* ملف حقوق الإنسان في الأمم المتحدة، هل أصبح سيفا على رقاب العالم العربي؟ - هناك رغبة لدى شعوب العالم في الاهتمام بحقوق الإنسان. وبالتالي، لا أحد يزايد على العرب، وأعتقد أن ما حدث من تصويت على تقرير غولدستون يعد مؤشرا مهما على الرغم من الصعوبات التي مورست، فإننا وجدنا 118 دولة صوتت لصالح التقرير و60 دولة أقرت بأنه قيل لها إن التصويت يؤثر على مسيرة السلام في الشرق الأوسط، وبالتالي امتنعوا عن التصويت. وكثير من العالم يرى الاهتمام بحقوق الإنسان، ولكن البعض يتدخل لإثارة مشكلات، والحقيقة أن هناك انتهاكات لحقوق الإنسان في العالم كله، ومن مصلحة الجميع أن يكون هناك اهتمام بهذا الملف، وكما ذكرت فإننا في الجمعية العامة نعيد النظر في هيكلة الأمم المتحدة، وقد بدأت الحملة كبيرة، ولكن الإصلاح يتطلب وفاقا مع الدول الدائمة العضوية، وإذا تم؛ يحتاج الأمر بعد ذلك لموافقة برلمانات الدول، التي عادة ما تأخذ وقتا يصل إلى خمس سنوات، والجمعية العامة قد تقوم باتخاذ قرار، ولكن الآخرين لن يلتزموا به، ومع ذلك أملنا كبير في أن نسير إلى الأمام، خاصة أن هناك إجماعا دوليا على أهمية إصلاح مؤسسات الأمم المتحدة.