الوكالة الدولية للطاقة لا تتوقع موافقة سورية تتجاوز مهمة التفتيش الروتيني السنوي لمفاعلها

بمناسبة وصول فريق المفتشين الدوليين إلى دمشق

TT

استبعد مصدر دبلوماسي متابع لقضية الملف النووي السوري بالوكالة الدولية للطاقة الذرية في رد على سؤال لـ«الشرق الأوسط» أن تسمح السلطات السورية بدمشق لفريق المفتشين الدوليين الذي يصل اليوم إلى العاصمة السورية «بأكثر من القيام بمهمة روتينية سنوية متفق عليها تخوله من زيارة مفاعل الأبحاث بدمشق»، أي مفاعل النيوترون المصغر الذي يخضع لرقابة الوكالة ويقوم المفتشون بتفتيشه دوريا خصوصا أن وزير الخارجية السوري، وليد المعلم، كان قد استبق الزيارة بتصريحات أكد فيها تمسك سورية بموقفها الذي أعلنته للوكالة منذ يونيو (حزيران) 2008 عندما سمحت للوكالة بزيارة وحيدة لموقع الكبر (60 كيلومترا غرب منطقة دير الزور)، الذي دمرته إسرائيل في سبتمبر (أيلول) 2007 بدعوى أنه مفاعل نووي ساعدت كورية الشمالية في تصميمه لإنتاج بلوتونيوم، فيما تصر سورية أنه جزء من منطقة عسكرية مهجورة.

وكان المعلم قد كرر التصريح بأن سورية تتعامل مع الوكالة بموجب اتفاقات الضمان الموقعة بينهما، مؤكدا أن سورية غير ملزمة بفتح مواقعها العسكرية للتفتيش، نافيا نفيا قاطعا أن يكون لسورية برنامج نووي عسكري، ما اعتبره المراقبون ردا على التقرير الذي رفعه نهاية الأسبوع، يوكيا أمانو، المدير العام الجديد للوكالة، لمجلس أمناء الوكالة، عن آخر تطورات قضية الملف النووي السوري، استعدادا لمناقشته كبند أساسي ضمن بنود أجندة اجتماعات المجلس التي ستبدأ بمقر الوكالة بالعاصمة النمساوية فيينا، اليوم الأول من مارس (آذار) القادم.

وكان تقرير المدير العام قد ذكر أن دمشق رفضت اجتماعا مشتركا مع الوكالة، الشهر الماضي، لمناقشة قضايا ما تزال معلقة حول الأنشطة التي شهدها الموقع المدمر خصوصا أن فريق التفتيش في زيارته الوحيدة تلك بتاريخ 22 إلى 24 يونيو (حزيران) 2008 حصل على عينات أثبت تحليلها وجود آثار جزيئات من اليورانيوم ما أثار قلقا لكونها قد تشير إلى احتمال وجود نشاطات ذات صلة نووية في الموقع مما يضاعف من الأسئلة حول طبيعته، فيما تؤكد سورية أن آثار اليورانيوم تعود إلى الأسلحة التي استخدمتها إسرائيل في تدمير المنطقة.

وكان الأمر قد ازداد تعقيدا في أغسطس (آب) 2008 عندما حصل فريق من المفتشين الدوليين ضمن زيارة روتينية قام بها لمفاعل الأبحاث بدمشق - الذي سيزورونه اليوم - على عينات أثبت تحليلها وجود جزيئات يورانيوم طبيعي بشري لمصدر غير مذكور في الجردة النووية التي أعلنتها سورية.

وفي سياق موازٍ كرر تقرير أمانو ما تضمنته تقارير سابقة باتهام سورية بعدم التعاون تعاونا مطلقا مع الوكالة خصوصا في ما يتعلق بالاستجابة لطلب الوكالة بالسماح بمزيد من الزيارات التفتيشية للموقع المدمر ولثلاثة مواقع عسكرية أخرى، حاثّا إياها على التوقيع على البروتوكول الإضافي الذي يسمح للوكالة بطلعات وزيارات فجائية كما يخولها الحصول على كل المعلومات التي تحتاجها ومقابلة كل المسؤولين والتحري معهم.

هذا وتفيد متابعات «الشرق الأوسط» لقضية الملف النووي السوري أن المعلومات التي حصلت عليها الوكالة لا سيما بعد تحليل الصور والأفلام التي أمدتها بها وكالات استخبارات أجنبية في مقدمتها وكالتا الاستخبارات الأميركية والفرنسية ومصادر إسرائيلية، تشير إلى أن أنشطة المبنى المدمر بدأت بين 26 أبريل (نيسان) 2001 و4 أغسطس 2001 مع تطور مستمر للمبنى حتى أغسطس 2007.

من جانب آخر كانت صور أُخذت للموقع قبل وبعد تدميره في سبتمبر 2007 أثبتت أنه كان على شكل صندوق ربما يحتوي على أدوار تحت الأرض، ويبدو مشابها في أبعاده وتصميمه لما هو متطلب توافره ليكون بمثابة مقر بيولوجي آمن للمفاعلات النووية فضلا عن أن الحجم الإجمالي للمبنى كان كافيا لإيواء المعدات المطلوبة للمفاعلات النووية من النوعية المزعومة.

وكانت تقارير سرية للوكالة اطّلعت عليها «الشرق الأوسط» أكدت أن سورية أتاحت للمفتشين في أثناء زيارتهم اليتيمة تلك، ودون قيود، الاطّلاع على كل المباني الموجودة في الموقع كإجراء يضمن الشفافية، موضحة أن سورية تصر على أن الموقع كان عبارة عن منشأة عسكرية لا صلة لها بأي تطبيقات نووية لكن ورغم ذلك فإن سورية رفضت تقديم أي وثائق ذات صلة بالمبنى أو المباني الأخرى لدعم تصريحاتها. وكان مصدر دبلوماسي سوري رفيع قد أكد في تصريح سابق لـ«الشرق الأوسط» أن الموقع تمّ تحويله إلى منصة لإطلاق صواريخ، مما يستبعد تماما إمكانية أن تطأه أي أرجل غريبة بما في ذلك فرق من المفتشين الدوليين.

وكان المدير السابق للوكالة محمد البرادعي قد وجّه حينها تأنيبا قاسيا إلى كل من الولايات المتحدة الأميركية التي ثبت أنها كانت على علم بالنيات الإسرائيلية لضرب المفاعل منذ أبريل 2007 ولم تبادر إلى إخطار الوكالة بتلك المعلومات إلا بعد تدميره في سبتمبر 2007، فيما كال اللوم لإسرائيل لاستخدامها للقوة العسكرية والهجوم على دولة حرة مستقلة عضو بالأمم المتحدة، مذكرا بأن الاستخدام الأحادي للقوة أدى إلى تدمير وطمس الحقائق مما أعاق الوكالة عن القيام بمسؤولياتها.