ساركوزي بعد لقاء عباس: ما نريده دولة فلسطينية حقيقية لا مجرد فكرة

قال إنه يدعم أبو مازن ولم يتبنَّ مواقف كوشنير

أبو مازن وساركوزي خلال المؤتمر الصحافي في باريس أمس (إ.ب.أ)
TT

أقل من 48 ساعة أمضاها الرئيس الفلسطيني محمود عباس في باريس حفلت بلقاءات رئيسية ثلاثة، فقد اجتمع أبو مازن مع رئيس الجمهورية نيكولا ساركوزي ظهر أمس والتقى رئيس حكومته فرنسوا فيون عصرا كما كان اجتمع بوزير الخارجية برنار كوشنير مساء الأحد. ولإظهار اهتمام فرنسا بالموضوع الفلسطيني والتأكيد على رغبتها في لعب دور «مرئي» في هذه المرحلة الرمادية ولكن خصوصا القيام بلفتة خاصة إزاء الرئيس الفلسطيني، فقد حرص ساركوزي على أن يعقد مؤتمرا صحافيا مشتركا معه في قصر الإليزيه عقب غداء عمل شارك فيه الوفد الفلسطيني والوزير كوشنير ومستشارو ساركوزي وسفيرة فلسطين لدى فرنسا هند خوري وقنصل فرنسا في القدس فريدريك ديزانيو. ولم يتبنَّ ساركوزي فكرة وزير خارجيته برنار كوشنير بشأن الاعتراف بالدولة الفلسطينية حتى قبل التوصل إلى اتفاق على حدودها مع إسرائيل. وقال الرئيس الفرنسي: «ما نريده هو دولة (فلسطينية) حقيقية يمكن أن تعطي أملا ومستقبلا لملايين الفلسطينيين وليس مجرد فكرة».

وقد حصد أبو مازن أولا دعما فرنسيا قويا عبر عنه الرئيس ساركوزي بقوله إن فرنسا «تدعم الرئيس الفلسطيني دعما كاملا وحازما» مضيفا أنه «رجل السلام»، مما يعني ضمنا أن العملية السلمية والبحث عن حل يفترضان استمرار وجوده على رأس السلطة الفلسطينية بالتالي توفير الأسباب اللازمة لذلك. كرر ساركوزي الموقف الفرنسي الداعي إلى دولة فلسطينية مستقلة، ديمقراطية وقابلة للحياة، غير أنه ذهب أبعد من ذلك بتأكيد أنه إذا ما استمرت جهود السلام في المراوحة مكانها، فإن فرنسا «ستطلق في الوقت المناسب» مبادرات جديدة من أجل السلام، تباحث الجانبان بشأنها أمس واتفقا على «طبيعتها». غير أن ساركوزي رفض الإفصاح عن تفاصيلها إفساحا للمجال أمام إجراء الاتصالات الضرورية «لمعرفة ما إذا كان يمكن أن تمشي أم لا». وأشار أبو مازن إلى ذلك بقوله إنه ناقش مع ساركوزي «أفكارا بناءة أخرى». ومعروف أن باريس تدفع منذ بداية العام الماضي باتجاه عقد مؤتمر سلام. لكن واشنطن ما زالت مترددة، لا بل لا ترى فائدة له في الوقت الحاضر. ولذلك، حرص ساركوزي على تبديد الشعور السائد حول وجود «تباعد» بين واشنطن وباريس بتأكيده أن فرنسا «تعمل يدا بيد مع واشنطن» التي تجري معها «مناقشات شفافة» وأنه سيثير موضوع مبادرات السلام بمناسبة زيارة الدولة التي دعي إليها في واشنطن نهاية الأشهر المقبل. وأكد ساركوزي أن الأميركيين يطلعون باريس على «تفاصيل» ما يقومون به في الشرق الأوسط. ومثلما كان منتظرا قالت مصادر فرنسية وفلسطينية لـ«الشرق الأوسط» إن باريس «دعت» أبو مازن إلى القبول باستئناف المفاوضات لأنها ترى في ذلك «مصلحة فلسطينية» رغم غياب الضمانات التي طلبها الجانب الفلسطيني من الولايات المتحدة الأميركية عبر المبعوث الرئاسي جورج ميتشيل.

وفي هذا السياق بالذات، تكتم أبو مازن على طبيعة «الأجوبة» التي حملها ديفيد هيل إلى الرئيس الفلسطيني الخميس الماضي ردا على «الاستفسارات» التي طرحها الجانب الفلسطيني والتي ربط بها قبوله المفاوضات غير المباشرة مع الإسرائيليين. وبرر عباس تكتمه بأنه يريد الاحتفاظ بها لعرضها على وزراء الخارجية العرب في اجتماعهم القادم بداية مارس (آذار) القادم تمهيدا للقمة العربية في ليبيا.

غير أن مصادر فلسطينية قالت لـ«الشرق الأوسط» إن أجوبة ميتشيل «لم تشفِ غليل الفلسطينيين»، خصوصا حول نقطة مركزية تتناول ما سيكون عليه موقف واشنطن في حال فشلت المفاوضات «غير المباشرة» التي يقترحون أن تكون لأربعة أو ستة أشهر. وبحسب المصادر الفلسطينية، فإن الموقف الأميركي بقي «غامضا» فلم يلتزموا بشيء محدد. وجُلّ ما قالوه أن أحالوا الفلسطينيين إلى خارطة الطريق. ونتيجة لذلك، طلب أبو مازن «توضيحات إضافية» من الجانب الأميركي وربط جوابه بما سيحصل عليه من عناصر جديدة واعدا بإعطاء جوابه بعد اجتماع الوزراء العرب ولجنة المتابعة العربية.

ويريد أبو مازن أن «يرفع» المسؤولية عنه بطرح الموضوع برمته على القمة العربية «ليتحمل العرب مسؤولياتهم». وبحسب المصادر الفلسطينية فإن أبو مازن «يريد تفادي تكرار تجربة تقرير غولدستون» حيث «تَنصّلت» أطراف كثيرة من الموضع وألقت المسؤولية على الطرف الفلسطيني. وعلمت «الشرق الأوسط» أن أمين عام الجامعة العربية عمرو موسى قد بعث برسالة إلى وزراء الخارجية العرب تضمنت نص رسالة مكتوبة من أبو مازن يطلب فيها تخصيص اجتماع لموضوع معاودة المفاوضات.

ودافع الرئيس الفلسطيني عن توجهاته الراهنة والخط الدبلوماسي «المزدوج» الذي يسير عليه وهو انتظار ما يمكن أن تسفر عنه الجهود الأميركية من جهة وأمانية التوجه، في إطار الجامعة العربية إلى مجلس الأمن الدولي ليتحمل المجلس مسؤولياته وليؤكد على إنشاء الدولة الفلسطينية ويعين حدودها. وقال أبو مازن إن هذا الخيار «للمستقبل» و«في ما بعد»، أي بعد أن تتضح نتائج المبادرة الأميركية، وإنه «من مسؤولية الجامعة العربية»، نافيا أن يكون ذلك بمثابة «قرار أحادي» بل اعتبره قرارا دوليا. قال أبو مازن إنه ما زال يعلق أملا على الدور الأميركي وطلب من واشنطن أن تلتزم مواقف «أقل تحيزا للجانب الإسرائيلي».

وشدد ساركوزي على أهمية العودة السريعة إلى طاولة المفاوضات، محذرا من أن غيابها سيفضي إلى «قيام انتفاضة ثالثة» وهو ما يقوله الرئيس الفلسطيني نفسه. ففي لقاء مع الصحافة العربية صباحا، نبه العالم من وصول الشعب الفلسطيني إلى حالة الإحباط لأن ذلك يعني العودة إلى العنف. ولخص موقفه قائلا: «أنا أنبه ولا أهدد»، منوها بـ«ثقافة السلام والأمن والاستقرار» التي يتبناها الشعب الفلسطيني بما في ذلك في غزة.

غير أن اجتماعات باريس حملت خبرا غير سار للجانب الفلسطيني إذ تبددت سريعا المواقف الجريئة التي عبّر عنها كوشنير نهاية الأسبوع لدى تناوله، في حديث لصحيفة فرنسية أسبوعية، إمكانية الإعلان السريع عن قيام الدولة الفلسطينية واعتراف الأسرة الدولية بها. وتبين بوضوح وعبر اجتماعات محمود عباس أن ما قاله كوشنير ليس سوى موقف شخصي لا يمكن البناء عليه.

وكان وزيرا الخارجية الفرنسي برنار كوشنير والإسباني ميغيل أنخل موراتينوس قد قالا أمس إن على الأوروبيين اقتراح «جدول زمني» لقضايا الوضع النهائي للدولة الفلسطينية و«مؤتمر قمة من أجل السلام».

وأوضح الوزيران لصحيفة «لوموند» الفرنسية أن «على أوروبا أن تتحمل الآن مسؤولياتها»، إلى جانب الجهود الأميركية. وأضافا: «علاوة على مباحثات القرب (مبادرة اقترحتها الولايات المتحدة) التي هي ضرورية اليوم ولكن غير كافية، علينا أن نقترح جدولا زمنيا محددا للمفاوضات حول مسائل الوضع النهائي كافة (الأمن والحدود والمياه واللاجئين والقدس)، وآلية تأطير جادة تستخلص العبر من أخطاء الماضي».

واعتبر الوزيران أن الاتحاد الأوروبي «يمكن أن يستضيف أيضا مؤتمر قمة من أجل السلام يتيح تعزيز هذه الديناميكية وتأطيرها ويشجع على استئناف الاتصالات من أجل سلام نهائي بين سورية ولبنان وإسرائيل». وقال الوزيران إن «المعتدلين في المعسكرين والمانحين بحاجة، من أجل متابعة جهودهم، إلى مكافأتهم من خلال فتح آفاق سياسية فعلية». ولم يكرر الوزيران الفكرة التي كان طرحها برنار كوشنير في نهاية الأسبوع عن اعتراف بالدولة الفلسطينية حتى قبل تسوية مسألة الحدود مع إسرائيل. وطرح كوشنير هذه الفكرة بصفة شخصية خلال عشاء مساء الأحد مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس بباريس.