ردود فعل سلبية من الشريحة الشبابية في لبنان حيال رفض اقتراع من هم دون الثامنة عشرة

TT

قبل عام تقريبا، وتحديدا في التاسع عشر من مارس (آذار) عام 2009، استبشر شباب لبنان خيرا واعتقدوا أنهم حصلوا على إقرار من حكامهم بأنهم راشدون وحاصلون على حقوقهم مع بلوغهم سن الثامنة عشر. وصدقوا أن المجلس النيابي لن يتراجع عن إقرار مشروع قانون خفض سن الاقتراع من 21 إلى 18 سنة، لكن المجلس خذلهم، ليكتشفوا أن من يعاملهم بعد بلوغهم سن الرشد المعترف به دوليا على أنهم ناضجون يستحقون العقاب إذا أذنبوا، لم يمنحهم الثواب المتمثل في «حقهم البديهي» الذي يتيح لهم القدرة على اختيار ممثليهم.

هذا «الحق البديهي» سقط أمس في مجلس النواب مع امتناع 66 نائبا عن التصويت، مقابل 34 نائبا أيدوا القانون ونائب واحد هو سيرج طورسركيسيان أعلن رفضه الواضح من دون مداورة أو تحايل.

شعر الشباب اللبناني بالخيانة، هكذا وصف طالب السنة الأولى الجامعية عادل (19 عاما) الأمر قائلا: «المفارقة أن الأحزاب التي تستخدمنا لنحتشد ونهتف لزعمائها هي اليوم من رفض منحنا حق التصويت، والمفارقة الأبشع أن الأمر جاء على خلفية طائفية صرفة، يخافون أن يصبح عدد المقترعين المسلمين أكثر من المقترعين المسيحيين، ويربطون الأمر بالمغتربين، وكأنه صعب عليهم أن يقروا هذا القانون ثم يعملون على إقرار قانون آخر للمغتربين»، وأضاف: «اليوم أكثر من أي وقت مضى شعرت بأنهم كاذبون لا يهتمون إلا بالسلطة والنفوذ ولا شيء غير ذلك، والمؤسف أن الشباب الحزبيين يكذبون على أنفسهم ليرددوا ما يقوله زعماؤهم».

عادل كان يتكلم بجرأة وغضب، لكن هل يملك هو ورفاقه الوعي السياسي والاجتماعي ليشارك في العملية الانتخابية؟

يقول أستاذ علم الاجتماع في الجامعة اللبنانية الدكتور زهير حطب: «وعي الشباب لا غبار عليه، لكن حرية التعبير والقدرة على كسر حاجز الخوف موجودة في المناطق المدنية أكثر مما تتوافر في المناطق الريفية»، ويضيف: «يعتبر الشباب أن دعوتهم إلى المشاركة لن تغير في واقع الحال السياسية شيئا، لا سيما في المناطق الريفية، يقولون إنه لا معرفة لديهم بكيفية اختيار من يمثلهم. وبقدر ما تتوفر الأخبار عن الأحداث بقدر ما تغيب المعلومة بحد ذاتها. وأكثر من ذلك، يقول الشباب إنهم لا يملكون الجرأة على أخذ موقف مغاير لمواقف أهاليهم، على الرغم من اهتمامهم بالعمل التنموي والقضايا الاجتماعية المحلية، وبالتالي صعب عليهم اختيار من لا يوافق الأهل عليه. كما أنهم لا يشعرون بأن الانتخابات النيابية تعنيهم، لأن الأحزاب الكبرى تفرض ممثليها بمعزل عن كفاءاتهم، في حين يرون أنفسهم معنيين أكثر بالانتخابات البلدية على اعتبار أن هناك احتكاكا أكبر مع أعضاء المجالس البلدية».

ويشير حطب إلى أنه «في الستينات والسبعينات وحتى خلال الثمانينات من القرن الماضي، كانت الأحزاب ناشطة.. الآن كل شيء ينطلق من الاصطفاف الطائفي والديني ما يلغي أي هامش حر. المطلوب تثقيف غير حزبي وغير طائفي وبعيد عن الضغط والتوجيه». إلا أن حطب يستدرك قائلا إن «هذا الواقع لا يعني أن شباب اليوم لا يملكون الوعي. العكس هو الصحيح.. ويجب أن يصار إلى إقرار القانون في هذه المرحلة السياسية، لأن ما يجري في المنطقة يشير إلى أن المراحل المقبلة ستكون ظروفها السياسية أصعب. هناك تراجع في المنطقة والوضع الإقليمي لا يبشر بانحسار حدة التطرف. لذا من الأفضل أن يفتح الباب للشباب في هذه المرحلة حتى يبدأوا بالتعود على أداء مسؤوليات تتعلق بالشأن العام، فلا يغرقوا بالتالي في الأفكار المنغلقة».

ماذا عن رأي الشباب في سن 18 عاما؟

تقول ليلى التلميذة في الثانوية العامة: «المشاركة في الاقتراع حق لي كأي حق آخر يناله من هو في مثل عمري في كل الدول. حتى إن بعض هذه الدول منحت من يبلغ السادسة عشر حق الاقتراع. بالتالي كلما بدأ الشباب باكرا في الانخراط في هذه العملية، كان الأمر أفضل. فنحن في المدرسة لا نتعامل مع رفاقنا من منطلق الطائفة والدين والحزب، إنما من منطق قيمة الإنسان كإنسان. وإذا اقترعت سأفكر بالطريقة نفسها وبعقل واضح من دون اصطفاف». وتعتبر أن «المقاييس التي ستحدد من يجب اختياره ستكون من خلال الاطلاع على برنامجه الانتخابي ومراقبة أدائه عندما كان في السلطة لتقرر إذا ما كان جديرا بمنحه الثقة».

فايز، وهو أيضا تلميذ في الثانوية العامة، يقول: «يعنيني كثيرا أن أستطيع الانتخاب لأتمكن من محاسبة السلطة. أنا أرى أخطاء أريد أن أصححها. هناك من أؤيده وهناك من أعتبر أنه لا يعمل إلا لمصلحته».

فايز يؤمن بقدرة الشباب على التغيير، ويؤكد أن «لا علاقة لعائلته بنظرته إلى الواقع السياسي والخدماتي في لبنان». وهو لا يعتقد أن أبناء جيله بحاجة إلى الثقافة ولا يحبذ تولي الأحزاب الحالية السلطة، ويفضل «شخصية رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان ووزير الداخلية زياد بارود، لأن أمثالهما لا يضع مصلحة الطائفة أو الحزب فوق مصلحة الوطن».