200 شخصية إسلامية سنية تجتمع ردا على اتهام طرابلس بالإرهاب

مفتي الشمال يحاول وضع الإسلاميين المتمردين تحت مظلته الرسمية

TT

لقاء لافت في شكله وتوقيته، وصف بأنه الأول في نوعه منذ سنوات كثيرة، جمع ما يقارب 200 شخصية إسلامية سنية، تمثل نحو 40 حركة وجمعية من مختلف الاتجاهات، شهدته طرابلس مساء أول أمس، بدعوة من مفتي طرابلس والشمال، مالك الشعار. ويأتي هذا اللقاء بعد تجربة مريرة عاشتها الحركات الإسلامية، في الشمال اللبناني تحديدا، طوال السنوات الخمس الماضية، عانت خلالها انقسامات شديدة فيما بينها، واتهامات بالتطرف والإرهاب، واتهمت بعض الأطراف بالتعامل مع «القاعدة»، ودخلت في علاقات متوترة مع القوى الأمنية، ولا يزال عشرات الإسلاميين في السجون، بعضهم من دون محاكمات، والبعض الآخر متهم بالإرهاب وصدرت بحقه أحكام.

يقول المفتي الشعار لـ«الشرق الوسط» إن الهدف من هذا اللقاء «توحيد المواقف السياسية وإنشاء أمانة عامة لتكون عندنا وحدة في القرار السياسي، وتعاون في المجالات الدينية». وإذ يوافق المفتي الشعار على أن الساحة الإسلامية السنية في لبنان مشرذمة ويصعب جمعها، يقول: «لهذا تحديدا أردنا اللقاء. فما يهمني هو أن نؤكد للجميع أننا في طرابلس لا نخيف أحدا، ولسنا بؤرة إرهاب ولا فساد، بل مدينة تسامح وانفتاح».

ويشرح المفتي لـ«الشرق الأوسط» أن هذا اللقاء جاء بعد اجتماعات تحضيرية لأيام «التقيت خلالها بالكثير من ممثلي الحركات والجمعيات الإسلامية، والجميع وافق على كثير من الخطوط العريضة التي طرحناها، ونقبل أن نتفاهم على 70% من الأمور، وهذا في حد ذاته إنجاز».

وإذ حضر الإسلاميون في العلن هذا العشاء وبدوا موحدين ومتآخين، إلا أن لهم وجهات نظر متباينة جدا من هذا الاجتماع. يقول أحد الإسلاميين الذين حضروا اللقاء، وهو يمثل حركة معروفة في طرابلس: «المفتي الشعار ليس صاحب المبادرة. لقد كان بعض الإسلاميين يجتمعون فيما بينهم، لإيجاد صيغة تجمعهم، ورأى المفتى أن يضع هذه اللقاءات تحت رعايته ويوسعها، وهذا ما كان. ونحن لا مشكلة عندنا، لكنه ربما يورط نفسه، فنحن حركات لها وجهات نظر ثورية، ولعل المفتي من موقعه الرسمي لا يستطيع احتمالها. لذلك لا نعرف إلى أي مدى تستطيع دار الفتوى أن تجمع المتناقضات الإسلامية، فهناك من يريد الجهاد، وثمة من لا يعترف إلا بالأمة الإسلامية موحدة، ولا يرى في لبنان غير صيغة مؤقتة، بينما المفتي مضطر إلى الالتزام بالموقف الرسمي». وتضيف الشخصية الإسلامية الطرابلسية: «لنعترف أن هناك مشروعا إسلاميا رسميا وآخر شعبيا. نحن كنا في حاجة إلى لقاء مصارحة بين أصحاب المشروع الإسلامي الشعبي، وهذا ما سعينا إليه. أما في الإطار الذي وضعنا فيه، أثناء هذا الاجتماع الموسع، فقد أصبحنا أمام لقاء (بروتوكولي) تقال فيه الخطابات التي ترضي الجميع، من دون أن تعبر بشكل دقيق عن الوضع. لهذا سمعنا كلاما عن فلسطين والأخوة الإسلامية الجامعة. وهو كلام عام يرضي الأطراف كلها، من دون أن يطال نقاط الخلاف الحساسية».

وكان المفتي الشعار قد قال في خطابه له أثناء اللقاء: «الواقع اللبناني على المستوى الديني للطوائف مؤلف من الموقع الرسمي والحالة الحركية والشعبية، وإن وعي العاملين للإسلام ينبغي أن يستوعب ناحيتين أساسيتين، الأولى حسن التناسق والتفاعل بين هاتين الجهتين، والثانية حسن التنسيق بين الحركات والفعاليات فيما بينها، وهنا يكمن النجاح وتكمن البطولة». وقال الشعار: «إن لقاءنا هذا من أجل أن يكون مرآة نقية لقيمنا الدينية والأخلاقية والثقافية، التي هي رد صريح على ما وجه إلينا كله في طرابلس والشمال من اتهامات التطرف والإرهاب، أو وجود بعض الفرق التي تقاوم الدولة والجيش».

ويقول مصدر إسلامي حضر اللقاء: «هذا الاجتماع مطلوب سياسيا وأمنيا لضبط الساحة الإسلامية. وهو مطلوب أيضا من قبل إسلاميين شعروا بأنهم مكشوفون، ومن دون غطاء ولا سند يحميهم بعد المصالحات التي تمت في البلاد. لذلك، ثمة إسلاميون آخرون كانوا حذرين من اللقاء، لأنهم يعرفون سلفا أنهم سيدخلون في مشروع مع مجموعات، بينها من يمكن أن يعلن الجهاد في أي لحظة. لهذا قلنا نحتاج إلى اتفاق مسبق يوافق عليه الجميع». ويضيف المصدر الإسلامي: «السؤال الأهم هو: (هل يملك المفتي الشعار الغطاء السياسي المتين في طرابلس الذي يمكنه من جمع الإسلاميين تحت مظلته؟)، فكل جهة إسلامية مرتبطة بزعيم سياسي، وإن كان هذا الزعيم أو ذاك غير راض عن المفتى، فسرعان ما يعرقل المشروع. لذلك نقول إن الدور الأساس للمفتي هو أن يستوعب الساحة الإسلامية السنية وينظمها، بدلا من أن يذهب إلى مصالحات بين الطوائف المختلفة ويقرب بينها، مما ينحرف به عن دوره الأساسي، كما فعل أثناء معارك جبل محسن وباب التبانة، ووساطته بين السنة والعلويين، مما أغضب السياسيين، وأضعفه في المجال الأهم الذي كان يجب أن يركز عليه، ألا وهو الساحة السنية».

وعلى الرغم من خلافات للمفتي مع أطراف سياسية في المدينة، لا سيما رئيس الوزراء السابق عمر كرامي، الذي هدد بشكل لا مباشر بإفشال اللقاء، فإن الأطراف الإسلامية جميعها، بما فيها المحسوبة على عمر كرامي، قد حضرت، وغابت أطراف قليلة لأسباب عقائدية، مثل حزب التحرير الذي لا يعترف بكيان الدولة اللبنانية.