أهمية معركة «مارجا»

«ورم خبيث» ونقطة بارزة لإنتاج الأفيون ومعقل حركة طالبان

TT

قبل عام، كان ذكر مدينة مارجا، التي تظهر نقطة صغيرة جدا على الخريطة جنوب أفغانستان، تتبعه نظرات حائرة مرتبكة داخل البنتاغون. واليوم، نجد المدينة، التي يعيش فيها 50 ألف شخص، هدفا لأكبر عملية عسكرية تشنها قوات الناتو والقوات الأميركية منذ عام 2001. ويصف قادة أميركيون هذه المنطقة الأفغانية بأنها «ورم خبيث»، ونقطة بارزة لإنتاج الأفيون في حزام الأفيون الأفغاني، ومنطقة مهمة بالنسبة إلى حركة طالبان.

وفي الواقع، تعد مدينة مارجا معقلا مهما لحركة طالبان، وتوجد مقاومة حقيقية هناك. وتقول التقارير إن تسعة من القوات الأميركية قتلوا في انفجار قنابل على جانب الطريق، وبطلقات قناصة، وجرح العشرات منذ بدء الهجوم قبل أسبوع.

ولكن، من الناحية العسكرية، لن يغير إرسال 11 ألف جندي أميركي وأفغاني، لهزيمة مئات قليلة من مقاتلي حركة طالبان داخل مدينة مارجا، الكثير في أفغانستان. ولكن، تكمن الأهمية الكبرى للمعركة في معناها داخل أفغانستان، وداخل الولايات المتحدة.

وأهداف الحملة هي إقناع الأميركيين أن مرحلة جديدة قد بدأت في حرب عمرها ثمانية أعوام، وتعريف الأفغان أن القوات الأميركية والحكومة الأفغانية يمكنها حمايتهم من حركة طالبان. وتساعد الحملة الجنرال ستانلي ماكريستال، القائد الأعلى للقوات الأميركية وقوات الناتو، الذي وصف قبل أشهر الأوضاع داخل البلاد بأنها «خطيرة ومتدهورة»، على وضع فاصل لإخفاقات الماضي. وتوجد ضغوط على ماكريستال لإظهار حدوث تقدم سريعا، فقد أصدر الرئيس أوباما أوامر لبدء انسحاب القوات الأميركية في يوليو (تموز) 2011.

وخلال الأيام الأخيرة، حرص القادة الأميركيون في كابل وواشنطن على الحديث عن هجوم مارجا، ووصفه بأنه بداية جديدة. وقال مسؤول عسكري بارز في مقابلة مع صحافيين يوم الخميس: «إنها نقطة البداية في استراتيجية جديدة».

ولا تعد هذه التصريحات جديدة في التاريخ العسكري، فعندما تولى الجنرال كرايتون أبرامز قيادة القوات في فيتنام بعد الجنرال وليام ويستمورلاند، بدأ بتركيز الحرب الأميركية على مجموعة من القرى الريفية. وعلى الرغم من أن الحملة أظهرت بعض النجاح، فإنها لم تتمكن من تبديد الشكوك إزاء الحرب داخل الولايات المتحدة، أو منع الجيش الفيتنامي الشمالي من غزو الجنوب.

وداخل العراق، دفع الجنرال ديفيد بترايوس قواته إلى عدد قليل من المناطق التي تشهد أعمال عنف في الجنوب وداخل بغداد، لإظهار أن القوات الأميركية الإضافية تستطيع إنهاء شلال الدماء الطائفي داخل العاصمة.

ويأمل مسؤولون عسكريون داخل أفغانستان أن يساعد تحقيق انتصار كبير ومدو في مدينة مارجا على إقناع الشعب الأميركي بأنهم يحتاجون إلى المزيد من الوقت لإثبات أن القوات الإضافية والتكتيكات الجديدة تستطيع تحقيق نتائج أفضل. ومع أن الرئيس أوباما حدد موعدا لبدء الانسحاب، فإن لم يذكر الوقت الذي سوف تستغرقه القوات في انسحابها.

والفئة الأخرى التي يريد الجنرال ماكريستال التأثير فيها هي الشعب الأفغاني وحركة طالبان، التي ترى موعد الانسحاب المقرر في يوليو 2011 إشارة إلى عزيمة أميركية متراجعة. وقال الجنرال ماكريستال عشية بدء الهجوم على مارجا: «هذه حرب تصورات ورؤى، يحدث ذلك في عقول المشاركين. ومما يتعين علينا القيام به إقناع أنفسنا وشركاءنا الأفغان أنه يمكننا القيام بذلك».

ويمكن أن يحرك انتصار سريع على حركة طالبان داخل مارجا، تتبعه عملية تنمية قوية، بعض المتفرجين الأفغان. ويقول توماس روتيغ، المسؤول السابق في الأمم المتحدة والمدير المشارك لشبكة محللي أفغانستان: «لا تعد مارجا النقطة الجغرافية الأكثر أهمية داخل أفغانستان التي ستغير مجرى الحرب. إنها ليست معركة ستالينغراد، ومع ذلك فهي رمز مهم».

ويشار إلى أنه عندما تولى ماكريستال قيادة قوات الناتو في يونيو (حزيران)، قال بعض مستشاريه المقربين إنه لا يجب على القوات الأميركية الوجود في مارجا، أو وسط إقليم هلمند. وأكد المسؤولون على أن الجهود الأميركية يجب أن تنصرف إلى قندهار، ثانية كبرى المدن داخل أفغانستان، حيث ظلت مركزا لحركة طالبان على مدار أكثر من عقدين.

ولكن، كان تحويل التركيز الأميركي بمثابة كابوس لوجيسيتي، فمشاة البحرية الأميركية يعملون منذ أشهر على بناء «كامب ليثرنك»، وهي قاعدة في الصحراء، وكانوا على وشك بدء أول هجوم كبير لهم لانتزاع مدينة ناوا ومدينة غارمسير، وسط وادي هلمند، من قوات طالبان. وكانت هذه العمليات، التي حدثت في الصيف والخريف الماضيين، ناجحة نسبيا في إخراج حركة طالبان.

وبدت مارجا هدفا أكثر احتمالية من قندهار لتحقيق انتصار عسكري وسياسي سريع للجنرال ماكريستال، فمن المعوقات المهمة لتأمين قندهار نجد المنافسة السياسية المتشعبة داخلها. ومن بين الشخصيات البارزة المحلية أحمد والي كرزاي، شقيق الرئيس الأفغاني حميد كرزاي. ويتهم أحمد كرزاي بأنه من أباطرة المخدرات وأنه يتعاون مع وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية، في الوقت نفسه، ولكنه ينكر هذه الاتهامات.

وقال الميجور جنرال البريطاني نيك كارتر، القائد البارز لقوات «الناتو» في جنوب أفغانستان للصحافيين الأسبوع الماضي: «توجد قضايا هناك في حاجة إلى حل، لا سيما فيما يتعلق بنظام الحكم والتوازن السياسي».

وقد تمكن المسؤولون الأميركيون داخل مارجا وإقليم هلمند من تكوين علاقات قوية مع الحاكم المحلي غولاب مانغال، الذي ذاع صيته كتكنوقراطي نظيف وكفء. ويعزز تعاونه احتمالية ضياع الأموال المخصصة لمشاريع التنمية داخل مارجا بسبب الفساد. وإذا نجحت القوات الأميركية في إخراج حركة طالبان وبناء حكومة محلية تتمتع بالكفاءة، فإن نجاح الجهود الأميركية في جنوب أفغانستان أو فشلها سوف يحدد حسب ما يصفه كارتر بـ«التحدي القادم أمامنا»، وستكون هي معركة قندهار.

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»