مشروع طموح للنقل يثير الانقسامات مجددا في جنوب أفريقيا

السود المسيطرون على خدمات التاكسي يعارضون نظاما متطورا للحافلات أعد تأهبا للمونديال

الحافلات الجديدة توفر راحة أكثر لعمال الضواحي في جوهانسبورغ
TT

منذ حقبة التمييز العنصري، عندما فرض على أصحاب البشرة السمراء العيش في مناطق بعيدة، اعتادت سوزان هانونغ، 67 عاما، التي تعمل خادمة، على التنقل إلى الضواحي الشمالية من جوهانسبرغ التي يقطنها الأثرياء، حيث تخوض رحلة طويلة كي تغسل ملابس الأثرياء البيض وتعتني بأطفالهم.

لكن في فجر أحد الأيام الماضية، أثناء سيرها نحو القيام برحلتها المعتادة، لفت نظرها عنصر من عناصر حياة المدن، متمثلا في محطة جديدة وأنيقة ومتطورة للحافلات. ومع إغلاق أبواب الحافلة الملونة خلفها، اختارت هانونغ الجلوس على مقعد في الصف الأمامي المخصص لكبار السن، وتهيأت لخوض رحلة هادئة مريحة على خلاف تجربتها المعتادة في سيارات الأجرة الصغيرة المزدحمة.

وقالت: «عادة ما يصيح سائقو سيارات الأجرة في وجوهنا، ويصرخون: يا جدتي، أسرعي في مشيتك. ويعمدون أيضا إلى الاستهزاء بالركاب. لكن داخل الحافلة، فكما ترى، ليس هناك من يصيح في وجهك».

على الرغم من محو جنوب أفريقيا للتمييز العنصري من قوانينها، فإن المخططات التمييزية التي ميزت فترة حكم الأقلية البيضاء ما تزال محفورة على أرض الواقع، في صورة فصل صارم بين المناطق السكنية. وما زال الملايين من أصحاب البشرة السمراء يقطنون مناطق تقع على مسافات بعيدة للغاية من مراكز التجارة والعمل. وعليه، يجد العاملون، أمثال هانونغ، أنفسهم مضطرين إلى تحمل عناء التنقل عبر المواصلات، مما يخلق ضغوطا كبيرة على وقتهم ودخولهم الهزيلة، بينما تبقى فيالق من العاطلين بمعزل عن فرص العمل.

وتحمل أنظمة النقل السريع بالحافلات الجديدة التي جرى التخطيط لإقرارها في المدن الكبرى بجنوب أفريقيا في السنوات الأخيرة إمكانية التخفيف من هذه الصعوبات، عبر توفير وسيلة نقل سريعة ولائقة وبسعر مقبول، عبر خطوط سير للحافلات تخلو من أي مركبات أخرى. وبدافع من التزامها بتحسين مستوى النقل العام استعدادا لاستضافة المونديال صيف هذا العام، تتولى جوهانسبرغ تنفيذ أكثر البرامج طموحا، حيث تتوقع إدارة المدينة أن تتدفق الحافلات من سويتو، حيث يعيش قرابة ربع المقيمين في المدينة، البالغ إجمالي عددهم 4 ملايين نسمة، إلى ساندتون، القلب التجاري والمالي للمدينة، بحلول يونيو (حزيران) المقبل.

إلا أن جهود تنفيذ مشروع الحافلات تتقهقر عن الهدف المنشود، وتتحول إلى عنصر يذكر الجميع بمدى صعوبة تغلب جنوب أفريقيا على ماضيها المؤلم. وبخلاف التأخيرات اللوجستية المعتادة وتباطؤ وتيرة التمويل جراء حالة الركود الاقتصادي، واجه المشروع معارضة من سكان الضواحي التي كانت في الماضي أشبه بجيوب منغلقة على البيض وبعض المشاركين في صناعة سيارات الأجرة من ذوي البشرة السمراء، وهي صناعة توسعت أثناء حقبة التمييز العنصري.

واعترفت ريهانا موساجي، عضو مجلس المدينة، التي تتولى رئاسة قسم شؤون المواصلات في جوهانسبرغ، بنبرة سيطر عليها الحزن، بأن الحافلات ليس في استطاعتها الوصول إلى ساندتون قبل انتهاء فترة عمل الإدارة الحالية للمدينة العام المقبل، ورفضت طرح أي توقعات محددة بشأن موعد وصول الحافلات إلى هذه المنطقة. وأضافت: «ينبئ نظام المواصلات عن معلومات كثيرة عن الفكر السائد في الأمة»، منوهة بأن جنوب أفريقيا ما زال الطريق أمامها طويلا لرأب الصدوع العنصرية والطبقية التي عانتها.

تمثل التحدي الأول للمدينة في التغلب على صناعة سيارات الأجرة، التي تنقل 14 مليون شخص يوميا، في بلد يبلغ تعداد سكانه 49 مليون نسمة، وهو رقم أكبر بكثير عما ينقله نظاما الحافلات والسكك الحديدية معا. وربما تشكل صناعة سيارات الأجرة قصة النجاح الكبرى لخوض ذوي البشرة السمراء النشاط التجاري، رغم ما لطخ تاريخها من أعمال عنف. ويقدر خبراء أن مئات، بل ربما آلافا، لقوا حتفهم في خضم «حروب التاكسي» للسيطرة على الطرق.

وسعت إدارة المدينة لإشراك الصناعة في مشروع الحافلات من خلال عرض ملكية شركة تشغيل الحافلات على ملاك سيارات الأجرة، لكن المفاوضات بين الجانبين امتدت لفترة طويلة، وبقي بعض أصحاب سيارات الأجرة متمسكين بمعارضتهم الشديدة للمشروع. بعدما بدأ خط الحافلات في العمل منذ خمسة شهور، على امتداد طريق طوله 16 ميلا من سويتو إلى الضاحية التجارية المركزية، أطلقت أعيرة نارية على إحدى الحافلات، مما أسفر عن إصابة راكب وضابط شرطة كانا على متنها. وأطلق مسلحون النار على منزل موساجي، وأصابوا حارس أمن خاصا بها في رقبته. وسقط فاناندا كومالو، وهو مسؤول بصناعة سيارات الأجرة، ومن أنصار التوصل إلى اتفاق مع إدارة المدينة، قتيلا. وأشارت موساجي إلى أنه حتى الآن لم يلق القبض على أحد بخصوص هذه الحوادث.

من ناحية أخرى، واجهت إدارة المدينة معارضة شديدة من قبل سكان الضواحي. وأثناء اجتماع عقد في نوفمبر (تشرين الثاني)، تغلب صوت صياح سكان الضواحي المطلة على طريق أوكسفورد، المتميز بحركة مرورية كثيفة، الذين ينتمون في معظمهم إلى البيض، على أصوات المسؤولين الذين كانوا يحاولون شرح المسارات المقترحة للحافلات، بينها مقترح لتخصيص حارتين من حارات الطريق الأربع للحافلات. وعن الاجتماع، قالت تيسا تيرفي، إحدى المقيمات في الضواحي، وهي متزوجة من رجل أعمال في مجال التعدين: «وقفوا وظلوا يرددون لا، لا، لا».

في رسالة وجهت إلى إدارة المدينة، أعرب أعضاء اتحاد الضاحية عن ترحيبهم بإقامة نظام نقل جماعي، لكنهم عارضوا ما اعتبروه خططا أعدت على عجل لإنشاء طرق، من شأنها تلويث الهواء والتسبب في دفع حركة المرور إلى الطرق الجانبية وزيادة معدلات الجريمة وتدمير أسعار العقارات.

وبالفعل، شرع سكان هذه المناطق في جمع أموال لخوض معارك قانونية ضد المشروع. وقالت تيرفي: «لدينا أفراد في الضواحي مستعدون لدفع أي مبالغ لحمايتها». وأبدت تيرفي، وهي بيضاء، رفضها لمن يدعون أن الضواحي تعمد إلى حماية المميزات التي يحظى بها السكان البيض، مشيرة إلى أن قطاعا كبيرا من النخبة من ذوي البشرة السمراء، بينهم نيلسون مانديلا، يعيشون في هذه الضواحي ذاتها. وأكدت أن «هذه القضية ليست عنصرية».

لكن شيرين آلي، أستاذة علم الاجتماع في جامعة ويتوترسراند، المقيمة في كيلارني، إحدى الضواحي التي ستتأثر بالمشروع، أكدت أن العامل العنصري له دور في رد فعل سكان بالضواحي. وقالت آلي إنه خلال الاجتماع الذي عقد عام 2008، ثار غضبها مع تكرار الواحد تلو الآخر من سكان الضواحي الذين ينتمي معظمهم إلى البيض، أن الطريق سيضر بأسعار العقارات. وانتقدت آلي المقيمين في الضواحي الذين يملكون سيارات، لما أبدوه من لا مبالاة تجاه معاناة الأشخاص الذين يعتمدون في تنقلاتهم على المواصلات العامة. يذكر أن واحدة من بين كل ست نساء عاملات في جنوب أفريقيا تعمل خادمة أو مربية. وتعتمد الأسر التي تقطن الضواحي الشمالية على هؤلاء النساء، اللاتي ينتمي أغلبهن إلى أصحاب البشرة السمراء.

منذ شهور قليلة ماضية، كانت هانونغ، التي لم تتعلم القراءة قط، تستقل سيارات الأجرة بالقرب من منزلها. إلا أن عشقها للحافلات الجديدة بلغ درجة دفعتها لتفضيل السير لنصف ساعة إضافية لتصل إليها. وتكلفها الرحلة بالحافلة حوالي 65 سنتا، مما يوفر لها حوالي 50 سنتا من أجرة السيارات الأجرة، وهو مبلغ كبير بالنظر إلى أن دخلها الشهري يبلغ 160 دولارا.

* خدمة «نيويورك تايمز»