مصادر جند الله لـ «الشرق الأوسط»: ريغي اعتقل بسبب خيانة.. وإعلان طهران «عملية استعراضية»

إيران: اعتقال رأس جند الله وتضارب في الروايات * طهران: نفذنا عملية استخباراتية طوال 5 أشهر ولم يعاونا أحد *واشنطن: اتهامات طهران بلا أساس

TT

تضاربت أمس المعلومات حول كيفية اعتقال السلطات الإيرانية لعبد الملك ريغي زعيم تنظيم جند الله المسلح، فيما تعهد مسؤول في التنظيم بالانتقام لاعتقال ريغي وطالب بالإفراج الفوري عنه، محذرا السلطات الإيرانية من المساس به.

أعلنت إيران أمس عن اعتقال زعيم جماعة جند الله السنية عبد الملك ريغي الذي تتهمه طهران بتدبير عدد كبير من الهجمات المسلحة سقط فيها مسؤولون كبار بالحرس الثوري. لكن تضاربت الروايات بين طهران ومصادر جماعة جند الله حول الطريقة التي اعتقل بها «رأس» الجماعة. وتضاربت الروايات بين المسؤولين الإيرانيين حول وجهة ريغي.

فقد قال وزير الاستخبارات الإيراني محمد مصلحي لوسائل الإعلام الإيرانية في مؤتمر صحافي أمس: إن الرجل الأول الذي تطارده إيران منذ سنوات اعتقل «بعد اعتراض طائرة كانت تقله من دبي إلى قرغيزستان». وأكد مصلحي أن توقيف ريغي جاء نتيجة «عملية استخبارات استمرت خمسة أشهر» وقامت بها إيران «بدون أي مساعدة من دول أخرى».

من جهته، أوضح عضو مجلس الشورى الإيراني (البرلمان) محمد دهقان لوكالة الأنباء الرسمية (إرنا) أمس أن «ريغي أوقف بينما كان مسافرا على متن رحلة متوجهة من باكستان إلى دولة عربية». وأضاف «الطائرة تلقت فوق مياه الخليج أمرا بالهبوط (في إيران) وأوقف ريغي بعد تفتيش الطائرة». ووفقا للرواية الرسمية الإيرانية فإن الطائرة التي كانت تحمل ريغي أجبرت علي الهبوط في مطار مدينة بندر عباس جنوب إيران. لكن خلافا للرواية الرسمية الإيرانية، علمت «الشرق الأوسط» من مصدر في المنطقة أنه خلال البحث والتقصي «لم يثبت أن هناك أي طائرة قد تم إيقافها أو تفتيشها»، بينما قالت مصادر مقربة من تنظيم جند الله لـ«لشرق الأوسط»: إن ريغي «اعتقل بسبب خيانة تعرض لها» من دون أن تكشف المزيد.

وأوضحت المصادر التي تحدثت لـ«الشرق الأوسط» شريطة عدم تعريفها «أن أجهزة الاستخبارات في دول مجاورة ضالعة في عملية الاعتقال».

وأشارت المصادر إلى أن اعتقال ريغي لم يكن نتاجا لما سمته بـ«عملية استعراضية» نفذتها إيران، بل «سلمه جهاز مخابرات دولة مجاورة إلى نظيره الإيراني قبل بضعة أيام». ووزعت السلطات الإيرانية وثائق كانت بحوزة ريغي لدى اعتقاله تظهر حصوله على تأشيرة دخول إلى مدينة دبي بدولة الإمارات العربية المتحدة، بالإضافة إلى أوراق ثبوتية صادرة من الحكومة الأفغانية. ولم يتضح على الفور هوية الطائرة التي زعمت السلطات الإيرانية أنها كانت تقل ريغي قبل إجبارها على الهبوط بمعرفة طائرات تابعة لسلاح الجو الإيراني، إلا أن مصادر قالت: إن الطائرة التي عادت بريغي تبدو طائرة خاصة ولا تبدو طائرة ركاب عادية. وقال مصدر دبلوماسي عربي في طهران في اتصال هاتفي مع «الشرق الأوسط» إن القصة التي ترويها السلطات الإيرانية حول ملابسات اعتقال ريغي «يعتريها الكثير من التناقض وعدم التجانس». ولفت المصدر إلى أن طهران «لم تسم شركة الطيران ولم تحدد وجهتها أو رقم الرحلة ولم تقدم أي صور لهبوط الطائرة بشكل إجباري في مدينة بندر عباس». وكانت إسلام آباد قد أعربت على لسان المتحدث باسم الخارجية الباكستانية عبد البسيط عن ارتياحها لاعتقال ريغي، حيث قال في تصريحات لوكالة الأنباء الإيرانية الرسمية: إنه يأمل في أن تسفر مثل هذه الإجراءات عن تعزيز التعاون الأمني بين البلدين. وأکد أن بلاده عاقدة العزم على التعاطي بحزم مع الجماعات الإرهابية التي تنشط على الحدود المشتركة بين البلدين والعمل على تنفيذ الاتفاقيات الأمنية الثنائية.

ولفتت (إرنا) إلى أن وزير الداخلية الإيراني مصطفى محمد نجار قدم خلال زيارته الأخيرة لباكستان في شهر أكتوبر (تشرين الأول) الماضي قائمة إلى المسؤولين المعنيين الباكستانيين تضم أسماء لعدد من «الإرهابيين التابعين لمجموعة ريغي الذين فروا إلى باكستان وطالبهم باعتقالهم وتسليمهم إلى إيران».

وكان وزير الداخلية الإيراني مصطفى محمد نجار الذي يرافق الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد في زيارته إلى مدينة بيرجند، في إطار جولة الحكومة للمحافظات الإيرانية، قد أعلن في مؤتمر صحافي أمس إلقاء القبض على عبد الملك ريغي «خارج إيران ونقله إلى داخل البلد وتسليمه للسلطات المعنية».

وقال نجار: إن ريغي «ارتكب الكثير من الجرائم وكان يحظى بدعم قوات الأمن الأجنبية وقبض عليه في الوقت المناسب» من قبل من وصفهم بجند الإمام الحجة الذين سلموه إلى السلطات المعنية، إشارة إلى المخابرات وأجهزة الأمن الإيرانية.

وأضاف: «إن القبض على هذا الشرير، الذي كان جند الإمام الحجة يراقبونه منذ فترة، يظهر قوة واقتدار قوات الأمن في إيران».

من جهته شدد وزير الأمن حيدر مصلحي على أن القبض على ريغي تم من دون مساعدة أي دولة، محذرا أجهزة تجسس أميركا وبريطانيا من مغبة مساعدة الإرهابيين. وقال: «إن إيران طالبت في وقت سابق الأجهزة الأمنية الغربية وبعض دول المنطقة بالتعاون معها للقبض على هذا الإرهابي المجرم الذي تلوثت يداه بدماء الأبرياء من أبناء الشعب الإيراني بمختلف مذاهبهم، إلا أنها لم تساعدنا في ذلك». وأضاف: «إن جند الإمام الثاني عشر أبدعوا في قرار قيم للغاية ومدروس لاستدراج ريغي ومن ثم القبض عليه في أراضي إيران وسيسلم للسلطة القضائية في وقت لاحق».

وقال مصلحي: إن زعيم جماعة جند الله المتمردة كان في قاعدة عسكرية أميركية قبل أن تعتقله إيران. وأعلن في مؤتمر صحافي نقلته قناة «برس تي في» التلفزيونية الإيرانية أن «ريغي كان في قاعدة عسكرية أميركية قبل اعتقاله بأربع وعشرين ساعة... وسافر إلى بعض الدول الأوروبية قبل اعتقاله... وأصدر الأميركيون لريغي جواز سفر أفغانيا وبطاقة هوية للتوجه إلى باكستان.» فيما قال الناطق باسم وزارة الخارجية الإيرانية رامين مهمنباراست: إن ريغي «مدعوم من الولايات المتحدة ويقيم علاقات معها. إنه أمر مشين للدول التي تدعي الدفاع عن حقوق الإنسان». وكرر عضو الهيئة الرئاسية في البرلمان الإيراني محمد دهقان الرواية الرسمية الإيرانية التي تقول: إن ريغي اعتقل خلال مغادرته باكستان جوا نحو دولة عربية.

ونقلت عنه وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية (إرنا) في موقعها الإلكتروني الرسمي إشادته «بالتعاون والتنسيق بين وزاره الأمن والقوة الجوية الإيرانية في عمليه اعتقال ريغي»، لافتا إلى أن القوه الجوية الإيرانية أرغمت الطائرة، التي كان ريغي يقلها والتي كانت تحلق فوق مياه الخليج، على الهبوط فوق الأراضي الإيرانية قبل أن يُعتقل»، من دون أن يوضح في أي أجواء كانت الطائرة، وهل كانت في الأجواء الإيرانية فوق الخليج أم أجواء دولة أخرى لم يسمها.

واعتبر أن هذه العملية تبرز «قوه الجمهورية الإسلامية». وتابع: «على الذين يرتكبون جرائم بحق إيران أن يعلموا أنهم لن ينالوا الأمان في أي منطقه كانوا فيها». وأعرب عن أمله في أن يكشف عن ارتباطات ريغي داخل إيران، إضافة إلى علاقاته بالأجهزة الأمنية الأميركية خاصة، قائلا: إنه أحد عملاء الولايات المتحدة في المنطقة. ووصف محافظ محافظة سيستان وبلوشستان علي محمد أزاد اعتقال ريغي بأنه «إنجاز استخباراتي كبير»، مشيرا إلى أنه «حصيلة عمل دءوب قامت به الأجهزة الأمنية الإيرانية طيلة أشهر عديدة». وكان القائد السابق لقوات الشرطة بمحافظة سيستان وبلوجستان بجنوب شرق إيران، العميد محمد شعباني، قد أعلن أن ريغي تلقى تدريبات في بريطانيا التي زارها مرتين وكان يتلقى المشاورات من خبير بريطاني.

وتحدث عن ماضي ريغي بقوله: «عوقب مرتين بسبب شروره وقيامه بأعمال شريرة، الأمر الذي شجع التيارات المعارضة للنظام إلى الاستفادة من أعماله الإجرامية».

وأضاف قائلا: «إن ريغي أسهم في خطف 8 جنود أبرياء وأخذ بعض رجال الحدود رهائن في طريق زابل قبل 4 أعوام، مما أسفر عن استشهاد 23 منهم إضافة إلى الانفجارات الإرهابية التي نفذها هذا المجرم».

وعلى الرغم من أن ريغي تبنى على الدوام الدفاع عن مطالب أهل السنة في مواجهة التضييق الذي يتعرضون له على مختلف المستويات في إيران، فإن اللافت للانتباه أن جماعة أهل السنة الرسمية في إيران رفضت على الدوام الاعتراف بتنظيم ريغي واعتبرته تنظيما إرهابيا ينبغي وقفه لأنه يسيء إلى مصالح أهل السنة في إيران أكثر مما يفيدهم.

وقال الشيخ عبد الحميد الزهي المرجع الأعلى للسنة في إيران: إنه «لا ينبغي أن يؤخذ السنة هناك بأفعال ريغي»، وأضاف: إن «تنظيم جند الله لا يمثل أهل السنة في إيران».

وحملت السلطات الإيرانية مجموعة جند الله السنية المسلحة مسؤولية عدة اعتداءات وعمليات مسلحة خلال السنوات الأخيرة في تلك المنطقة التي تعيش فيها أغلبية من السنة.

وتتهم إيران الحركة السنية بأنها مدعومة من الاستخبارات الباكستانية والأميركية والبريطانية لإبقاء حالة عدم الاستقرار في المناطق الإيرانية المجاورة لباكستان. واتهم قائد حراس الثورة (الباسداران) الجنرال محمد علي جعفري بعد هجوم بيشين باكستان، وأكد أن طهران تملك «الدليل» على أن جند الله تتمتع بدعم من إسلام آباد يتيح لها الانطلاق من الأراضي الباكستانية خصوصا.

إلا أن باكستان نفت أن يكون أعضاء جند الله شنوا الهجوم انطلاقا من أراضيها.

واتهم الجنرال جعفري، ريغي في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي بتلقي تعليمات من الاستخبارات الباكستانية والأميركية والبريطانية لزرع الاضطرابات في جنوب شرق إيران.

واتهمت المجموعة بتنفيذ هجوم انتحاري أسفر عن مقتل 42 شخصا بينهم عدد من المسؤولين العسكريين الكبار من الحرس الثوري خلال اجتماع لعدد من قادة الحرس وأعيان في بيشين البلدة القريبة من الحدود الباكستانية. وتبنت جماعة جند الله، من جهتها، تفجيرا أدى إلى مقتل أكثر من عشرين شخصا وجرح نحو خمسين آخرين في شهر مايو (أيار) المنصرم في مسجد شيعي في زاهدان.

وفي واشنطن امتنعت وزارة الخارجية الأميركية عن التعليق مباشرة على اتهامات إيران بأنها وراء دعم مجموعة جند الله وقائدهم عبد الملك ريغي، إلا أن مصادر أميركية نفت لـ«الشرق الأوسط» صحة هذه الادعاءات. وتعتبر هذه المصادر أن الادعاء الإيراني بلا أساس وغير مبني على أرضية قوية. وقالت مسؤولة في الخارجية الأميركية لـ«الشرق الأوسط»: إن «الولايات المتحدة لا تدعم الإرهاب وأي اتهام عكس ذلك سخيف».

وكان رد الفعل الأميركي الرسمي الأولي على ادعاءات إيران حذِرا، فقد رفض عدد من المسؤولين الأميركيين الحديث عنها علنا. وردا على سؤال حول ادعاءات إيران بأن مسؤولين من الناتو التقوا بريغي، قال السفير الأميركي لدى حلف الشمال الأطلسي (الناتو) إيفو دالدر: «لا أعلم شيئا عن ذلك». وبينما أدانت وزارة الخارجية البريطانية مباشرة جند الله، معتبرة ريغي «إرهابيا»، اكتفت وزارة الخارجية الأميركية بالقول: «نحن ندين جميع أشكال الإرهاب ولا ندعم المجموعات الإرهابية». وأضافت مسؤولة من وزارة الخارجية: «الولايات المتحدة لا تدعم أي شكل من الإرهاب داخل إيران»، مؤكدة «سنواصل عملنا مع المجتمع الدولي لمنع دعم المنظمات الإرهابية ولمنع أي هجمات على المدنيين الأبرياء في أي مكان». إلا أنه من الملفت أنها أوضحت أن الولايات المتحدة لا تعتبر جند الله «منظمة إرهابية خارجية».