أميركا تضع خطط طوارئ لإرجاء سحب قواتها المقاتلة من العراق نهاية أغسطس

تحسبا لاحتمال وقوع اضطرابات سياسية وتزايد أعمال العنف بعد الانتخابات

TT

أعد الجيش الأميركي خطط طوارئ لإرجاء الانسحاب المقرر للقوات كافة المقاتلة من العراق، مشيرا إلى احتمال وقوع اضطرابات سياسية وازدياد أعمال العنف في الوقت الذي يستعد فيه العراقيون للتوجه إلى صناديق الاقتراع في انتخابات وطنية الشهر المقبل.

وبموجب موعد نهائي حدده الرئيس الأميركي باراك أوباما، فإنه من المقرر أن تنسحب القوات المقاتلة كافة من العراق بحلول نهاية أغسطس (آب)، ولا تزال هناك ضغوط سياسية مكثفة داخل واشنطن وبغداد للالتزام بهذا الموعد. ولكن الجنرال راي أوديرنو، القائد الأميركي الأعلى في العراق، قال أول من أمس إنه أطلع مسؤولين في واشنطن خلال الأسبوع الماضي على خطط طوارئ محتملة. ورفض أوديرنو الحديث عن تلك الخطط بالتفصيل، ولكنه قال إنه يحدوه متفائلا بأنه لن تكون لها ضرورة. وقال إنه مستعد لإجراء تعديلات «إذا ما واجهتنا مشكلات» خلال الأشهر المقبلة.

ومن المقرر أن يذهب العراقيون إلى صناديق الاقتراع في 7 مارس (آذار) للإدلاء بأصواتهم في انتخابات برلمانية يصفها المسؤولون الأميركيون والعراقيون بأنها حدث هام بالنسبة إلى البلاد. وعلى الرغم من مرور أقل من أسبوعين على بدء الحملات الانتخابية، يُخشى أن تقوّض مقاطعة سياسية أو إقبال ضعيف أو المزيد من الدماء من نتائج هذه الانتخابات. وتعاود الخصومات الدينية الظهور على السطح من جديد.

وعلى الرغم من أن مسؤولين عسكريين ودبلوماسيين أميركيين قالوا إنهم يعملون بجد سرا من أجل الحفاظ على العملية السياسية، فإنهم يجدون أن نفوذهم داخل العراق يتراجع بصورة مطّردة. ويقول مارك لينش أستاذ العلوم السياسية بجامعة جورج واشنطن والخبير في الشؤون السياسية العراقية: «المزاج العراقي وطني إلى حد كبير في الوقت الحالي وغير مهتم بتمديد الوجود الأميركي»، وأضاف: «عندما تدخل الولايات المتحدة في قضايا خلافية في الوقت الحالي، يتحول الأمر إلى ما يشبه قنبلة سياسية».

ويقول مسؤولون أميركيون إن احتمال بقاء القوات المقاتلة في العراق بعد أغسطس (آب) ضئيل. وفي أفغانستان حاجة إلى القوات، حيث وافق الرئيس أوباما على نشر 30 ألف جندي إضافي. وقال وزير الدفاع روبرت غيتس أول من أمس: «سيتعين علينا أن نرى تدهورا كبيرا نوعا ما في الأوضاع في العراق وهذا ما لا نراه، بالتأكيد، في هذه المرحلة». ووفقا لخطة أوباما فإن نحو 50 ألف جندي سيبقون في العراق حتى 2011 لتدريب القوات العراقية والقيام بعمليات تهدف مكافحة الإرهاب والمساعدة على إتمام مشروعات مدنية. وقامت الولايات المتحدة بتوقيع اتفاقية قانونية مع الحكومة العراقية لسحب القوات كافة بنهاية 2011، وقال أوديرنو إنه لم تجرِ نقاشات حول إعادة النظر في هذه المواعيد. وقام القادة الأميركيون فعلا بتقليل عدد القوات داخل العراق إلى نحو 96 ألف عسكري، حسب ما قاله أوديرنو، وتعد هذه هي المرة الأولى منذ بدء الغزو في عام 2003 الذي يقل فيه عدد القوات الأميركية في العراق عن 100 ألف. ووصل الوجود العسكري الأميركي إلى ذروته في أكتوبر (تشرين الأول) 2007 حيث بلغ عدد القوات 166 ألفا. وأضاف أوديرنو: «في الوقت الحالي، خطتنا هي أن يبلغ العدد 50 ألفا بحلول الأول من سبتمبر (أيلول)». وقال: «إذا سألتني اليوم عن ذلك، فأنا ملتزم تماما بذلك، وأعتقد أن هذا هو المسار الصحيح للأحداث».

وعلى ضوء التنافس الشديد على السلطة بين الكثير من التحالفات الكبرى داخل العراق، يقول مسؤولون أميركيون إنهم يستعدون لفترة طويلة تشهد غيابا للاستقرار السياسي بعد الانتخابات. ويتوقع الكثيرون تكرار ما حدث في عام 2005 عندما استغرق رئيس الوزراء نوري المالكي أشهرا قبل تشكيل حكومة.

وقال كريستوفر هيل، السفير الأميركي في بغداد، أمام مجلس العلاقات الخارجية الأسبوع الماضي: «كم سيستغرق تشكيل الحكومة؟ هذا هو المحكّ الحقيقي. وتوجد أسباب وجيهة تدفع الناس إلى الشعور بالقلق». ولكن هيل أكد أن الولايات المتحدة تحتاج أن تعرف محدودية قدرتها على التأثير في الوضع السياسي داخل العراق هذه الأيام. وأضاف: «ما مقدار نفوذنا؟ نفوذنا ليس بالتهديد بسحب القوات أو التهديد بغزو مكان ما بقواتنا، ولكن نفوذنا أن نقول: أيها العراق، إذا كنت تريد علاقات جيدة معنا، أي علاقات على المدى الطويل معنا، فإننا في حاجة إلى ضمان أن هذه الانتخابات ديمقراطية».

وأظهرت مجموعة من أعمال العنف يوم الاثنين مقدار تقلب الوضع الأمني على الرغم من أنه لا تفصلنا عن الانتخابات البرلمانية سوى أسابيع قليلة. وذكر مسؤولون أميركيون وعراقيون زيادة في الهجمات باستخدام الصواريخ التي تستهدف المنطقة الخضراء داخل بغداد والقواعد الأميركية. وقال مسؤولون أميركيون إن مجموعات الميليشيات الشيعية لديهم مخزون من الصواريخ وغيرها من الأسلحة، التي هرّبوها من إيران. ويقول مسؤولون أميركيون إنه من الصعب بدرجة أكبر في الوقت الحالي تحديد مدى أعمال العنف داخل العراق والعوامل التي تؤثر فيها حيث لا يوجد للجيش الأميركي وجود كبير داخل المدن العراقية. وتساءل مسؤول عسكري أميركي: «هل هذه بداية حرب طائفية، وهل ستكون قبلية وهل هذا هو تنظيم القاعدة في العراق؟». وأضاف: «من الصعب معرفة ما إذا كانت هذه عمليات قتل محلية لأهداف سياسية أم أعمال عنف لنشر حالة من الخوف حتى لا يذهب المواطنون إلى صناديق الاقتراع».

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»