بريطانيا تتجه نحو «برلمان معلق».. مع استمرار تراجع حزب المحافظين في استطلاعات الرأي

براون ثابت رغم «الضربات» المتتالية ويتحضر لمعركة جديدة مع مثوله أمام لجنة شيلكوت

براون يتحدث إلى تلاميذ حول التعليم في مدرسة ابتدائية في لندن أمس (رويترز)
TT

رغم «الضربات» المتتالية التي يواجهها رئيس الوزراء البريطاني غوردن براون منذ أشهر، لا يزال حزب المحافظين، المعارض الرئيسي في البلاد، عاجزا عن ضمان فوز واضح في الانتخابات العامة المقبلة المتوقع إجراؤها في 6 مايو (أيار) المقبل. فكلما اقتربت الانتخابات العامة، تراجعت حظوظ حزب المحافظين في استطلاعات الرأي، وهو ما ينذر باتجاه بريطانيا نحو ما يسمى «البرلمان المعلق»، أي عندما يعجز أي حزب عن الحصول على أغلبية مقاعد البرلمان.

وقد أظهر آخر استطلاع نشرته أمس صحيفة «غارديان»، وأجرته بالتعاون مع معهد «آي سي إم» للأبحاث، تراجع حزب المحافظين بثلاث نقاط عن الشهر الماضي، وحصوله على 37 في المائة من أصوات المستطلعين، وهي أدنى نسبة يحصل عليها منذ عامين. وحسب الاستطلاع نفسه، فقد تمكن حزب العمال من تضييق الفارق بينه وبين وحزب المحافظين الذي يرأسه ديفيد كاميرون، إلى 7 نقاط، بحصوله على 30 في المائة. وحصل الحزب الثالث في البلاد، وهو حزب الليبراليين الديمقراطيين، على 20 في المائة من الأصوات، و13 في المائة للأحزاب الصغيرة الأخرى. ولاحظت صحيفة «غارديان» أن حزبي العمال والليبراليين الديمقراطيين يحافظون على نقاطهم، بينما يخسر حزب المحافظين النقاط لصالح الأحزاب الصغيرة.

ومع استمرار تقلص الفارق بين الحزبين الرئيسيين في البلاد، تتجه بريطانيا نحو «برلمان معلق»، وهو ما لم تشهده البلاد منذ العام 1974. وتتجه الأنظار مع ذلك نحو الحزب الثالث في البلاد، «الليبراليون الديمقراطيون»، الذي قد تكون له الكلمة الحكم في شكل الحكومة المقبلة. وعادة ما يترافق هذا الشكل من البرلمانات مع فترة عدم استقرار اقتصادية، وهو ما قد يتسبب في أضرار اقتصادية كبيرة على بريطانيا التي خرجت لتوها من الأزمة المالية التي ضربتها العام الماضي، وتكافح اليوم لإيجاد حل للدين العام المرتفع الذي فرضته عليها الأزمة.

ولا يزال الناخبون البريطانيون حذرين من سياسة حزب المحافظين الاقتصادية، بينما يبدو أنهم أكثر ثقة في رئيس وزرائهم الحالي الذي أثنى عليه قادة واقتصاديو العالم واعتبروه «بطلا اقتصاديا»، بعد أن تمكن من إقناع العالم باعتماد خطته لإنقاذ السوق المالية العالمية في أبريل (نيسان) العام الماضي. ويتخوف الناخبون أيضا من الوعود التي أطلقها كاميرون ووزير خزانته في حكومة الظل جورج أوزبورن، ببدء تنفيذ خطط لخفض الإنفاق في القطاع العام فور دخول السلطة، بهدف تخفيض الدين العام، وهو ما سيؤدي إلى خسارة الآلاف لوظائفهم. إلا أن حزب العمال يحذر من هذه السياسية التي يقول إنها ستعيد تعميق الأزمة الاقتصادية في البلاد. ولكن في مقابل الحذر منه، يستفيد حزب المحافظين من نقمة الناخبين البريطانيين على حزب العمال خصوصا بسبب الحرب على العراق. ولم تساعد لجنة التحقيق المستقلة للتحقيق في حرب العراق التي بدأت أعمالها نهاية العام الماضي، بجعل الناخبين ينسون قضية حرب العراق والتركيز بدلا منها على القضايا الاقتصادية، بل زادت الأمور سوءا خصوصا بعد مثول رئيس الوزراء السابق توني بلير أمام اللجنة ورفضه التعبير عن أسفه لإدخال بريطانيا الحرب، أو الاعتذار عن القرار الذي اتخذه.

ولكن في الأسابيع الأخيرة، يبدو أن القضايا الانتخابية في بريطانيا تحولت من التركيز على القضايا الكبرى، لتتحول إلى مماحكات شخصية، معظمها مركز على شخص رئيس الوزراء نفسه. وقد دفع ذلك ببعض السياسيين العماليين إلى توجيه انتقادات لحزب المحافظين وللإعلام البريطاني، بسبب تركيزهما على قضايا دون المستوى السياسي المطلوب. فقبل بضعة أسابيع، تصدرت صفحات الجرائد البريطانية قصة رسالة تعزية كتبها براون بخط يده، وأرسلها إلى والدة أحد الجنود الذين قُتلوا في أفغانستان. واتهمت حينها والدة الجندي القتيل، جاكي جاينز، رئيس الوزراء بعدم احترامه لها أو لابنها بسبب الأخطاء الإملائية التي سادت الرسالة. واضطُرّ براون إلى إجراء مكالمة هاتفية مع السيدة، استمرت أكثر من 16 دقيقة، ليعتذر منها عن أي إساءة غير مقصودة. وظلت الصحف مشغولة بالقصة طوال أيام، واتهمت المحافظة براون بأنه غير مؤهل للحكم. ومعروف أن براون يعاني العمى في إحدى عينيه، ومن ضعف شديد في النظر في العين الأخرى، بسبب حادثة تعرض لها في شبابه. وفتحت قصة الرسالة على براون جدلا طويلا حول التسبب في مقتل الجنود البريطانيين في أفغانستان بسبب عدم تأمين العتاد اللازم لهم.

وقبل أيام، تسبب كتاب للصحافي اندرو راونسلي الذي يكتب في «أوبزيرفر»، يتهم فيه براون بإساءة معاملة موظفيه، بجدل لم ينتهِ بعدُ، حول أخلاق رئيس الوزراء ونوبات غضبه المشهور بها. وقد نفى براون في مقابلة لمجلة «إيكونومست» أمس أيا من التهم التي وجهها إليه الصحافي وقال إنها «اتهامات خاطئة». وأدى إعلان مديرة مؤسسة خيرية تهتم بتلقي شكاوى من موظفين يتعرضون للإساءة، أن مؤسستها تلقت شكاوى من موظفين يعملون في 10 داونينغ ستريت، إلى استقالة ثلاثة أعضاء على الأقل من رعاة المؤسسة، اعتراضا على خرق مديرتهم كريستين برات لأخلاقيات المؤسسة عبر حديثها عن معلومات سرية. ومن بين الذين استقالوا، نائبة معروفة من حزب المحافظين هي آن ويدكومب. واتهم حزب العمال مديرة المؤسسة بأنها تتآمر مع المحافظين ضد براون. ومن اللافت أن مركز المؤسسة يقع بالقرب من مركز لحزب المحافظين في منطقة سويندن، وعلى الموقع الإلكتروني للمؤسسة رسائل دعم من كاميرون ونواب محاظفين آخرين. ومع استمرار العاصفة حول رئيس الوزراء، يأمل براون أن تنجلي تلك العاصفة من دون نتائج سلبية مع اقتراب الانتخابات، خصوصا أن كبار رجال حزبه هبوا للدفاع عنه، حتى إن جون بريسكوت نائب رئيس الوزراء السابق شبه براون أمس بالرئيس الأميركي إبراهام لينكولن الذي أنهى العبودية. وقال بريسكوت إن لينكولن كان طبعه سيئا حتى ظن من يحيطون به أنه يعاني داء ما. وأعطى بريسكوت المثل لإثبات أنه يمكن للقائد أن يكون قائدا عظيما حتى لو أن طباعه سيئة.

إلا أن الوتيرة التي تسير بها تلك الحملة الانتخابية غير المعلنة منذ أشهر، تنبئ بأن أمام براون أيام صعبة كثيرة قبل موعد الانتخابات... ليس أسهلها ربما، مثوله لأمام لجنة شيلكوت للادلاء بشهادته حول دوره كوزير للمالية في حرب العراق، حيث سيكون عليه أن يرد على اتهامات حول حرمانه الجنود البريطانيين المقاتلين في العراق من الحصول على المعدات اللازمة بسبب رفضه التوقيع على ميزانية وزارة الدفاع المطلوبة.