نجل بيغوفيتش: الحل اللبناني للبوسنة ليس سيئا

البرلماني باكر بيغوفيتش لـ«الشرق الأوسط»: بلادنا تسير نحو الأحسن وحظوظها في الانضمام لأوروبا كبيرة

باكر عزت بيغوفيتش
TT

يترأس باكر عزت بيغوفيتش، نجل الزعيم البوسني الراحل، علي عزت بيغوفيتش، كتلة حزب العمل الديمقراطي داخل البرلمان البوسني، ويتمتع بعلاقات قوية مع الكثير من الأطراف في أوروبا والولايات المتحدة. ولد باكر، عام 1966 في سراييفو، حيث تلقى تعليمه الابتدائي والثانوي، والجامعي أيضا (تخرج في كلية الهندسة عام 1986). عاش فترة سجن والده وأسهم معه في إعداد بعض فصول كتبه، لا سيما في مجال التبويب. كان عضده الأيمن في الكثير من المهام الفكرية والسياسية. وأثناء الحرب على البوسنة، كان في الصفوف المدافعة عن السكان البوشناق. بعد وفاة والده سنة 2003، انتخب نائبا لرئيس حزب العمل الديمقراطي، وخاض انتخابات رئاسته أمام الرئيس الحالي، سليمان تيهيتش، لكن فارق بضعة أصوات لم يؤهله لقيادة الحزب. انتخب عدة مرات في البرلمان البوسني، ويترأس حاليا كتلة حزب العمل الديمقراطي داخل البرلمان.

يعرف باكر بمرونته السياسية، ونزاهته المهنية، حيث لم يتورط في قضايا فساد، وقد احتفظ بالكثير من مناصبه حتى أثناء تولي الخصم التقليدي لحزبه مقاليد الحكم، الحزب الاشتراكي الديمقراطي، في الفترة من 2000 إلى 2003. وإلى جانب علاقاته الجيدة مع الأحزاب والجهات البوسنية، يتمتع باكر أيضا بعلاقات قوية مع الكثير من الأطراف الأوروبية والأميركية. «الشرق الأوسط» التقته في سراييفو وأجرت معه حوارا تطرق فيه إلى الكثير من القضايا المتعلقة بالبوسنة. ووسط الجدل الدائر حول تقسيم السلطات بين الطوائف الرئيسية في البلاد، اعتبر باكر أن «الحل اللبناني للبوسنة ليس سيئا»، كما شدد على أن بلاده تسير نحو الأحسن وأن حظوظها في الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي باتت كبيرة.

وفي ما يلي نص الحوار الذي جرى في سراييفو:

* مرت 17 عاما على استقلال البوسنة، وعدد السفارات العربية في سراييفو لا يزال محدودا، والتبادل التجاري والاقتصادي لا يزال محتشما، ما أسباب ذلك؟

- البوسنة والهرسك لا تزال تعاني من آثار العدوان ومن مخلفات النظام الشيوعي السابق على عدة مستويات، والأمر يحتاج إلى وقت للتغيير، وهي مسيرة بدأناها بعد انتهاء الحرب، التي أسهمت أثقالها في زيادة التحديات السياسية والاقتصادية. بعد الحرب أخذ الوضع الأمني، وإرساء الاستقرار، حيزا كبيرا من الاهتمام المحلي والدولي، واستمر ذلك طويلا، وهذا لم يشجع المستثمرين على المجيء إلى البوسنة، والمشاركة في الاستثمار وتبادل المنافع. كما أثر الوضع السياسي في البوسنة، والخلافات بين الفرقاء، على التنمية وإعادة البناء، بسبب تداخل الصلاحيات، وعمل بعض الجهات ضد توحيد البلاد، وضد جيرانهم المسلمين، ثم ضد الإسلام والعرب، ولكن كل ذلك تم احتواؤه والحمد لله، والبوسنة اليوم مستقرة، وتتقدم يوما بعد يوم، ولديها حظوظ كبيرة للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي في السنوات القادمة.

* كيف تنظرون إلى البوسنة بعد أكثر من 15 عاما على توقيع اتفاقية دايتون التي أنهت الحرب؟

- اتفاقية دايتون أوقفت الحرب، ووضعت أسس الدولة، بالطريقة التي كانت ممكنة في ذلك الحين. وكما قلتم، لقد كان من بين الذين أشعلوا الحرب، وغذوا العدوان ضد المسلمين، وأراقوا الدماء، وارتكبوا جرائم الحرب، أعضاء في مجلس الرئاسة، وفي البرلمان، والحكومات بمستوياتها المختلفة في البوسنة، المركزية، والكيانية، والإقليمية، وعلى مستوى البلديات. ولكن إذا راجعنا الفترة الماضية، وعدنا 15 سنة إلى الوراء، وقارناها بالسنوات الـ10 الماضية، ثم قارنا كل ذلك بالسنوات الـ5 الأخيرة، وما نحن عليه حاليا، سندرك أن تقدما كبيرا قد تحقق، يمثل في مجمله إجابة عن سؤالكم. الوضع السياسي والاقتصادي يسير نحو الأفضل وكما ينبغي لتحقيق رغبات الشعب والوطنيين في البلاد. هناك مؤسسات ورجال أعمال من مختلف أنحاء العالم، لا سيما من العالم الإسلامي، يستثمرون أموالهم في قطاعات كثيرة في البوسنة مثل البنية التحتية، والطاقة، والزراعة والصناعة والسياحة. وإذا استمر هذا التقدم على هذه الوتيرة فستكون البوسنة خلال سنوات أكثر أمنا واستقرارا وتقدما، وعضوا في الاتحاد الأوروبي.

* هناك مساع لإصلاح دايتون، وعقدت عدة جلسات في هذا الصدد أواخر العام الماضي، دون أن تسفر عن شيء. ما أسباب ذلك؟

- الصرب يعتقدون أن التغييرات المطلوبة أكثر مما ينبغي، وبعض البوشناق يعتقدون أنها أقل من المطلوب. ويبدو أن الحل سيكون وسطيا، وسنصل إلى اتفاق حول ما يطرحه الجانب الأوروبي - الأميركي في هذا الخصوص.

* من القضايا التي تشغل الشعب في البوسنة، قضية ممتلكات الدولة التي يحاول الصرب وضع أيديهم عليها في كيانهم، كما أن هناك تهديدا بإجراء إحصاء للسكان دون عودة المهجرين.. ما هي الخطوط الحمراء التي ترون أنه يجب عدم تجاوزها؟

- لن نقبل أي إجراء يمكن أن يؤثر على الوحدة السياسية والترابية وسيادة البوسنة. كما لن نفرط في حقوق الذين هجروا أو تركوا ديارهم ومناطقهم وقراهم ومدنهم، خوفا من فقدان حيواتهم. إجراء إحصاء للسكان من دون هؤلاء هو بمثابة نجاح لمشروع الرئيس الصربي الأسبق، سلوبودان ميلوسوفيتش، ورادوفان كراجيتش، وراتكو ملاديتش، أي المشروع الفاشي للصرب الذين يفكرون بنفس الطريقة. وهو مشروع الإبادة الجماعية وتقسيم البوسنة وإقامة صربيا الكبرى على جثث المسلمين والقوميات الأخرى.

* رغم مرور 15 سنة على دايتون، لا يزال بين الصرب والكروات من يدعو إلى استفتاء على الانفصال، ومن يطالب بكيان ثالث. ما موقفكم من ذلك وكيف ترون الموقف الدولي حيال ذلك، لا سيما أن هناك من يرى أن الموقف الدولي يشبه ما كان عليه الوضع إبان الحرب؟

- لا يزال هناك البعض ممن لا يحبون البوسنة، ويرغبون في الانفصال عنها، وفي تقسيمها. لكن هذا البعض يتناقص، وعددهم قليل، مقارنة بما كان عليه الوضع قبل عدة سنوات، لا سيما أثناء الحرب. وما يصدر من تصريحات لهؤلاء بين الحين والآخر هو من بقايا الماضي، وهو وضع غير صحي، ويبرهن على حالة نفسية مرضية، أكثر من كونه واقعا يعبر عن حقيقة ماثلة. ويمكن تسميتها بحالة من «الشيزوفرينيا» لبعض الأشخاص، وسيذهبون لا محالة، أو يعودون لوضعهم الطبيعي. فالبوسنة تجاوزت مرحلة الخطر، وانضمام كرواتيا وصربيا للاتحاد الأوروبي، سيمنع البعض في كلا الدولتين من الاستمرار في التدخل في الشؤون الداخلية للبوسنة، وانضمام البوسنة إلى الاتحاد وحلف شمال الأطلسي سيعزز سيادتها ووحدتها الترابية.

* عرفت كرواتيا خلال الـ10 سنوات الماضية تحت رئاسة ستيبان ميسيتش بعدم تدخلها في الشؤون البوسنية، في حين أن بلغراد لا تزال تتدخل في شؤون بلدكم. هل تعتقدون أن انتهاء حكم ميسيتش سيؤثر سلبا على العلاقات الثنائية؟

- الرئيس الكرواتي الأسبق ستيبان ميسيتش، من أصدقاء البوسنة، وكانت فترة ولايته التي استمرت 10 سنوات مهمة للغاية، ومؤثرة إيجابيا على الاستقرار السياسي في البوسنة. كان من المهم لنا أن يكون عندنا صديق بحجم ميسيتش في كرواتيا المجاورة. وفي المستقبل لن نحتاج إلى صديق خاص، وإنما وضع كرواتيا وصربيا سيحتم عليهما أن تكونا في موقف حميمي من البوسنة. ومن سيكون في موقع المسؤولية في البلدين سيكون واضحا في موقفه من البوسنة، وهو احترام سيادتها واستقلالها ووحدة أراضيها، وهذا ما سمعناه مؤخرا من الرئيس الصربي بوريس طاديتش وآخرين. فعلاقة حسن الجوار مع البوسنة شرط هام لاندماج الدولتين في الاتحاد الأوروبي، وهو ما يمثل (العضوية في الاتحاد الأوروبي) مصالح استراتيجية حيوية لكل من صربيا وكرواتيا على حد سواء.

* كيف تقيمون الموقفين الروسي والصربي من البوسنة؟

- روسيا وصربيا تؤيدان سيادة واستقلال البوسنة، وفي الوقت نفسه تؤيدان بقاء، جمهورية صربسكا، داخل البوسنة والهرسك. الأرثوذكس يؤيدون البوسنيين الصرب، مثل ما يؤيد المسلمون في العالم البوشناق المسلمين في البوسنة، وذلك حتى لا نعطي الأمر أكثر مما يستحقه.

* هل هناك تباين في الموقفين الأميركي والأوروبي، وما هي ملامح هذا التباين، لا سيما أن الجانب الأميركي انتقد بعد انفضاض اجتماع بوتمير الموقف الأوروبي؟

- السياسة الأميركية قوية حيال وحدة البوسنة ومركزية الحكم فيها. ولدى الولايات المتحدة موقف ثابت من سيادة البوسنة واستقلالها. وفي الجانب الآخر لدينا 27 دولة من الصعب عليها بناء موقف قوي كما هو الحال في واشنطن. وفيما يتعلق بالبوسنة، نجد أن الموقفين الأوروبي والأميركي موحدان، وخصوصا مستقبل البوسنة. بيد أن الولايات المتحدة واضحة في موقفها، وللأسف البوسنة تبقى رهن عدم الوضوح الأوروبي.

* أصبحت البوسنة عضوا في مجلس الأمن الدولي، ما انعكاسات ذلك على البوسنة داخليا وخارجيا من الناحية السياسية والاقتصادية وغير ذلك؟

- هذا اعتراف بالبوسنة والهرسك، ودعم لصورتها في الأمم المتحدة، وهذا أمر غاية في الأهمية.

* في ظل تنامي الدور التركي إقليميا ودوليا، لماذا لا يتوجه قادة بوشناق البوسنيون إلى تركيا، وكيف تنظرون إلى دعوة إسبانيا الأحزاب السياسية البوسنية لعقد اجتماع في مدريد؟

- تركيا يمكنها مساعدة البوسنة، فالأتراك دبلوماسيون متمرسون وناجحون ومبادرون، وهذا يجعلهم مؤثرين في المحيط الدولي. أقاموا علاقات مع صربيا وكرواتيا ووظفوا ذلك لدعم العلاقات البوسنية مع الدولتين. وعلى السياسيين البوشناق الاستفادة من تركيا والتوجه باستمرار إلى إسطنبول لكسب الخبرة، كما ينبغي عليهم التوجه إلى إسبانيا لحضور الاجتماع الذي تحدثتم عنه، فلا بد من تلبية الدعوة. ولكن مع بدء الحملة الانتخابية (انتخابات عامة في أكتوبر «تشرين الأول» القادم) فإن حظوظ التوصل إلى اتفاق بين الأحزاب البوسنية المختلفة من الصعوبة بمكان.

* يطالب البعض في البوسنة بتطبيق نموذج لبنان في بلدهم، أي توزيع المناصب الكبرى، الرئيس ورئيس الوزراء ورئيس البرلمان، على الطوائف الثلاث..

- النموذج اللبناني يجري الحديث عنه منذ أكثر من 10 سنوات، وهذا ليس حلا سيئا بالنسبة للبوسنة. هنا يعيش 3 قوميات، أو 3 أديان، ترغب جميعها في العيش في سلام، وبحقوق متساوية.