حليف سابق لبوتين انقلب عليه ويقاتل من أجل البقاء

الطبقة السياسية في روسيا تناقش الخط الفاصل بين المعارضة المنقادة والأخرى الحقيقية

سيرغي ميرونوف
TT

تسلطت أنظار الأوساط السياسية في موسكو لعدة أيام خلال الشهر الحالي على مشهد غير مألوف تماما؛ حيث كان أحد زعماء المعارضة يوجه انتقادات لرئيس الوزراء فلاديمير بوتين. لم تأت الانتقادات من مجرد زعيم للمعارضة بل جاءت من سيرغي ميرونوف الذي اشتهر - رغم كونه في المعارضة - بولائه لبوتين. فعندما كان مرشحا أمام بوتين لمنصب الرئيس عام 2004، قال إنه رشح نفسه نظرا لأنه: «عندما يذهب الزعيم الذي تؤمن به إلى ساحة المعركة، يجب ألا تتركه وحده. يجب أن تدافع عنه». بعد ذلك بعامين، تعهد بأن يتبع حزبه الجديد (روسيا العادلة) «نهج الرئيس فلاديمير بوتين وأن لا يسمح لأحد بتغيير اتجاهاته بعدما يترك بوتين منصبه».

كان كثير من المراقبين ينظرون إلى حزب «روسيا العادلة» منذ أمد بعيد باعتباره معارضة خاوية تم إنشاؤها لإعطاء النظام السياسي مظهر التنافسية السياسية رغم عدم وجود معارضة حقيقية. وبالتالي، كان مفاجئا أن يقول ميرونوف، الذي عينه بوتين رئيسا لمجلس الفيدرالية الروسي، في حوار مع فلاديمير بوزنر، مذيع أحد البرامج الحوارية، إن «القول بأننا، خاصة أنا، نؤيد فلاديمير بوتين في كل شيء، قول بائد»، كما ذكر أن أعضاء الحزب «يعارضون بشدة» الميزانية التي قدمها بوتين. وشعر بوزنر بالارتباك «حيث لم يقل أي أحد من قبل أي شيء سلبي حول بوتين»، حسبما قال لاحقا. وظل المذيع يترقب بفضول إذا ما كان المسؤولون في قناة «تشانيل وان» التي تخضع لإدارة الدولة سيعدلون تلك التصريحات قبل بثها في موسكو أم لا، لكنهم لم يفعلوا.

ولمدة ستة أيام اتسمت بالغرابة، كان ميرونوف يدافع عن حقه في انتقاد بوتين، فيما كان المسؤولون بالحزب الحاكم «روسيا المتحدة» يقولون إنه يجب أن يخسر موقعه بعدما أظهر نكران الجميل بتلك الطريقة. وقد انتهى ذلك الجدل بمصالحة عامة بين الأحزاب الموالية لبوتين، وبدا وكأن الأمور عادت لنصابها، ولكن خلال موسم سياسي غير متوقع في روسيا، ظل ذلك السؤال معلقا في الهواء: وفقا للظروف الحالية، هل يمكن أن تتحول المعارضة المنقادة وغير المستقلة إلى معارضة حقيقية؟

كان قنسطنطين رمشوكوف، رئيس تحرير صحيفة «نزافيسياما غازيتا» التي توجه في الغالب انتقادات للحكومة، يفكر في إجابة ذلك السؤال منذ أكتوبر (تشرين الثاني)؛ عندما قامت أحزاب الأقليات الثلاثة بما فيها حزب ميرونوف بتنظيم مسيرة من البرلمان (الدوما) للاحتجاج على محاولات حزب «روسيا المتحدة» التأثير على العملية الانتخابية. هل كانوا يختبرون حدود الاختلاف المسموح به؟ أجل. هل كان إيمانهم بالديمقراطية هو ما يحركهم؟ بالكاد. ويقول رمشوكوف: «إنهم يشعرون بخطورة أن يختفوا من المشهد السياسي. فهم يقاتلون بشراسة من أجل وجودهم المادي. وليس لذلك علاقة بالمعارضة الحقيقية للكرملين».

وفي حوار معه، أعرب ميرونوف عن سعادته بالنتائج التي أسفرت عن تصريحاته حول بوتين، وقال إن انتقاد «روسيا المتحدة» جلب له المزيد من رسائل المعجبين أكثر من أي وقت مضى في حياته. ويأمل ميرونوف أن يتمكن من استغلال ذلك الإحساس المناهض للحكومة الذي ظهر بعد احتجاجات الشهر الماضي في كالينينغراد وهو ما أطلق عليه «غضبة الشعب الحقيقية» خلال الأسابيع المتبقية على الانتخابات في المناطق الثماني التي ترزح تحت وطأة الكارثة.

ويضيف أن ذلك الغضب يرتكز على حزب روسيا المتحدة. ويقول ميرونوف إنه كان يراقب الحزب الحاكم وهو يتعامل بتعالي الحزب الشيوعي السوفياتي الذي «أسفر عن انهيار دولة عظمى». وفي ظل ذلك العداء، قال: «لقد راودني إحساس أنهم سيقتلونني إذا وجدوا الفرصة. لا يمكن أن يكون ذلك ملفقا، فقد كانوا يرتعشون. فهم يكرهونني، وكانوا يطلقون علي نعوتا مختلفة». وأضاف: «ما مصدر كل ذلك؟ الحقد على شخص سمح لنفسه أن يفكر ويقول شيئا يخالفهم. إنه حق لكل شخص. فنحن نعيش في بلد حر وديمقراطي».

ولكن ليس من المرجح أن يستمر ميرونوف في انتقاداته لبوتين. فلكي ينهي ميرونوف عداءه مع حزب روسيا المتحدة، وقع اتفاقا تعهد فيه بأن لا يعارض بوتين أو الرئيس ديمتري ميدفيديف بشأن سلسلة من القضايا الكبرى المتعلقة بسياسة الحكومة. وفي لقاء معه، كان يذكر رئيس الوزراء بإعجاب واضح. فقد أطلق على بوتين «العبقري، ولا أخشى أن أقول ذلك» نظرا لقدرته على الحفاظ على قدر من الاستقلال عن «روسيا المتحدة». الحقيقة الصعبة هي أن حزب روسيا العادلة، الذي ينظر إليه مؤسسوه باعتباره بديلا يساريا عن حزب روسيا المتحدة، لم يبذل جهدا كافيا مع المقترعين، وأصبح يعاني من مخاطر انخفاض النسبة المطلوبة للتمثيل في البرلمان إلى أقل من 7%. وتعد الفرصة الحقيقية أمام «روسيا العادلة» هي أن يحدد هويته باعتباره حزبا معارضا على نحو واضح في اللحظة التي يتحدث فيها ميدفيديف حول المزيد من التنافسية السياسية. وسخر سيرغي متروكين زعيم حزب يابلوكو الليبرالي من فكرة أن حزب ميرونوف الذي أطلق عليه «بنية سياسية خلقتها السلطات بنفسها» يمكن أن يصبح قوة موازية للسلطة. كان حزب متروكين نفسه، الذي تم تهميشه خلال العقد الماضي للدرجة التي جعلته يوشك على الاختفاء، قد أُعلن عدم أهليته خلال الأسبوع الماضي في اثنتين من الانتخابات الإقليمية الثمانية التي سيتم إجراؤها في 14 مارس (آذار) بعدما رفضت اللجان الانتخابية المحلية توقيعاته. ويقول متروكين إن حزب ميرونوف «يمكن أن يعكس درجة من الروح الاحتجاجية في المجتمع ولكن فقط بهدف تحييدها وتعزيز سلطة الزمرة الحاكمة».

* خدمة «نيويورك تايمز»