بريطانيا: براون في قلب جدل جديد.. ينفي اتهام وزير خزانته بـ«إطلاق العنان لقوى الجحيم» عليه

فصل جديد سيزيد إرباك حزب العمال قبل الانتخابات العامة بأسابيع قليلة

غوردن براون (ا.ب.ا)
TT

بات كل يوم تقريبا يحمل معه مفاجأة جديدة، غير سارة عموما، لرئيس الوزراء البريطاني غوردن براون الذي يجاهد لتغيير صورته كرجل متنمّر، سيئ الطباع، يعتمد سياسة الترهيب مع موظفيه. فبعد الادعاءات التي أشعلها الصحافي أندرو راونزلي الأحد الماضي، حول معاملة براون السيئة لموظفيه، وجد رئيس الوزراء نفسه مجددا أمس في موقع الدفاع عن النفس، إذ اضطر إلى نفي قصة جديدة فجرها هذه المرة وزير خزانته أليستر دارلينغ الذي اتهم فريق عمل براون بـ«إطلاق العنان لقوى الجحيم عليه». وتزيد هذه التجاذبات العلانية من إرباك حزب العمال وزعيمه براون، قبل أسابيع قليلة على الانتخابات العامة المفترض إجراؤها كحد أقصى في بداية يونيو (حزيران) المقبل. واعترف دارلينغ في مقابلة مع «سكاي نيوز» ليلة أول أمس، أن رئاسة الوزراء عملت ضده بعد تصريحات أدلى بها لصحيفة «غارديان» في أغسطس (آب) من عام 2008، قال فيها إن الأزمة المالية قد تكون الأسوأ التي تضرب بريطانيا منذ 60 عاما. وقال إن مساعدي براون كانوا يقولون للصحافيين إن وزير الخزانة آذى الاقتصاد ويجب إقالته. وأضاف من دون أن يسمي براون أو يتهمه مباشرة: «تم إطلاق العنان لقوى الجحيم». ومن المعروف أن العلاقة بين براون ووزير خزانته قد شهدت بعض التوترات في الماضي على خلفية الأزمة الاقتصادية، إذ اختلف الرجلان حول عمق الأزمة التي ضربت بريطانيا. وكتب الصحافي راونزلي عن هذه الحادثة بالذات في كتابه الذي تسبب في إشعال الجدل حول سوء معاملة براون لموظفيه. وقال إن براون اتصل بدارلينغ في صباح اليوم التالي وطلب إليه التراجع عن تصريحاته، مصرّا على أن «الأزمة ستنتهي في غضون 6 أشهر». إلا أن وزير الخزانة، بحسب راونزلي، دهش من رد براون، ورفض التراجع عن تصريحاته، بل فعل العكس إذ كرر اعتقاده عن عمق الأزمة لعدة وسائل إعلام في الأيام التالية.

وأضاف راونزلي في كتابه الذي نشر أجزاء منه في «أوبزيرفر» الأحد الماضي: «رفض دارلينغ التراجع وأصر على ضرورة أن يكون صادقا، عندها تم إطلاق العنان لمساعدي رئيس الوزراء ليهشموا وزير الخزانة». وتابع راونزلي يروي أن دارلينغ واجه براون، وسأله إذا كان يحضر مساعديه لمهاجمته، فكان أن نفى براون ذلك، وقال إنه لا يدري من يقوم بهذه الأفعال. والتوتر بين براون ودارلينغ كان واضحا خلال التعديلات الحكومية الأخيرة التي أجراها براون منتصف العام الماضي، بعد فضحية النفقات التي ضربت البرلمان، وبعد محاولة فاشلة للانقلاب عليه من بعض العناصر داخل حزبه، شملت بعض أعضاء حكومته. وحاول براون التخلص من دارلينغ كوزير للخزانة وتعيينه في منصب آخر. إلا أن دارلينغ رفض، وخُيّر إما بترك الحكومة وإما بالبقاء في منصبه. فقرر براون تركه في منصبه. وكتب راونزلي عن ذلك: «عرف كلا الرجلين أن براون لا يمكنه أن يتحمل خسارة المزيد من وزرائه. وكلاهما كان يعرف أيضا أن وزير الخزانة يعرف الكثير من أسرار رئيس الوزراء الداكنة، ويمكنه أن يستعملها في خطاب استقالته، قد تهدد منصب براون في رئاسة الوزراء. وهكذا قبِل براون أن يبقى دارلينغ وزيرا للخزانة». وبالعودة إلى التجاذب الذي حصل أمس، نفى براون في تصريح لتلفزيون «جي إم تي في» أن يكون قد طلب إلى مساعديه «بث سمومهم» لتشويه صورة دارلينغ، حتى إنه حاول أن يرسم صورة حميمة ومقربة لعلاقته بدارلينغ، وقال: «أليتسر صديقي منذ 20 عاما، عملنا معا، وعائلتانا متقاربتان، ويحترم كلانا الآخر، ويمكنه أن يؤكد لك على ذلك». وبالفعل تربط براون ودارلينغ علاقة قريبة، جزء منها لأن الرجلان يعيشان مع عائلتيهما بالقرب من بعضهما: براون في 10 داونينغ ستريت، مقر رئاسة الوزراء، ودارلينغ في 11 داونينغ ستريت، مقر وزارة الخزانة. وحتى أن دارلينغ وزوجته ماغي، يحضنان ولدي براون أحيانا. وواجه زعيم المعارضة دايفيد كاميرون براون في جلسة الاستجواب الأسبوعية في البرلمان، وطلب إليه عدة مرات أن يعيد التأكيد على أنه لم يعطِ تعليمات لمساعديه لتشويه سمعة دارلينغ. ووصف كاميرون رئيس الوزراء ووزير الخزانة بأنهما «في حالة حرب». إلا أن براون جدد نفيه مرارا، وحاول أخيرا أن يحيد النقاش إلى أماكن أخرى. ورد على كاميرون، موجها حديثه إلى رئيس الجلسة والوزراء والنواب، وقال: «لقد نفيت ذلك، ولكن هذه هي المرة الأولى منذ عدة أشهر يقترب فيها إلى الحديث عن الاقتصاد!». وجلس براون طوال الجلسة إلى جانب وزير خزانته، وكانا يتبادلان الحديث طوال الوقت، حتى إن ذلك استدعى تعليق كاميرون الذي قال لهما: «إذا اقتربتم أكثر من بعض يمكنكما أن تتبادلا القبل». وكانت براون قد اجتمع بدارلينغ صباح أمس، قبل بدء جلسة الاستجواب، في محاولة لتخفيف التوتر بينهما. وقال مساعد لدارلينع أمس إن وزير الخزانة لم يكن ينوي انتقاد براون عندما أعطى المقابلة لـ«سكاي نيوز». وأضاف: «أليستر لم يقُل قط، لا علنا ولا سرّا، إن غوردن براون يدلي بتصريحات ضده أو أعطى الأوامر لأحد لفعل ذلك». الغد قد يحمل معه فصولا جديدة سيُضطرّ رئيس الوزراء إلى مواجهتها، في وقت يتحضر لخوض انتخابات عامة تشير استطلاعات الرأي حتى الآن إلى أنه لن يفوز بها، فإن ما حصل في الأمس بين براون ودارلينغ، قد يجعل من الصعب على رئيس الوزراء أن يسفّه ادعاءات الصحافي براونزلي حول سوء طبعه، وهو الذي كشف أيضا في كتابه ما أكده بالأمس أليتسر دارلينغ.