أرصفة للمشاة تغير وجه العاصمة الأردنية

اهتمام كبير بالهوية وعدم عزل الفقراء عن الأغنياء في خطط معمارية جديدة

TT

ربما كان من المبالغة وصف الأمر بالمعجزة، لكن حكومة هذه الحاضرة العتيقة التي تحيطها 7 تلال نجحت في تحقيق أمر كان يعد حتى الآن في حكم المستحيل، حيث بنت أرصفة جانبية يسهل السير عليها. لكن الأمر لم يقتصر على ذلك، حيث حققت عمان إنجازا آخر، هو وضع مقاعد طويلة، ليس داخل المتنزهات فحسب، وإنما كذلك على الأرصفة الجانبية التي، على خلاف الحال مع سابقتها، لا تنتهي فجأة من دون سبب واضح.

ربما يرى البعض في الأرصفة الجانبية والمقاعد بعض سبل الراحة التي لا تعدو رفاهية داخل الحواضر، خصوصا بالنظر إلى أن الناس هنا لديهم احتياجات أخرى كثيرة، منها الحاجة إلى فرص عمل ومدارس ورعاية صحية أفضل. لكن عند الحديث مع من يتعاملون مع هذه الأرصفة الجانبية والمقاعد يتضح أنها تبدو لهم كأدوات قوية للتخطيط الاجتماعي وتحطيم الجدران بين الأغنياء والفقراء وتقديم العون إلى مدينة تفتقر إلى هوية مميزة لها.

وقال عمر الديب (68 عاما)، الذي نشأ في الجانب الشرقي من العاصمة الأقل ثراء: «أعتقد أن هذه العناصر الجديدة جعلت الناس أكثر سعادة، ولو قليلا». يبيع الديب الأحذية والصنادل داخل ضاحية مكتظة بالسكان، حيث تتعلق المتاجر والمنازل والمساجد والكنائس جميعها بجوانب أحد التلال، وترتبط بعضها ببعض من خلال شوارع ضيقة ملتفة. ويتمثل مكان عمله في مقعد بلاستيكي على ناصية التقاء شارعي التاج وبدر، بجوار أحد أحدث الابتكارات التي أضيفت إلى المدينة، وهو ممشى جانبي للمشاة تغطيه الأشجار ويضم مقاعد. وبذلك تحول شارع كان مكتظا عن آخره من قبل بالسيارات إلى مكان تجد الأسر التي طالما شعرت بتجاهل الحكومة لها في هذا الجزء من المدينة مقاعد للجلوس عليها.

علق أحمد سوسة (28 عاما)، صاحب متجر لبيع البندق بالقرب من ميدان جديد افتتح هذا الشهر، بقوله: «الجميع يروق لهم ذلك». ولا تعد هذه الإضافات الجديدة مجرد جزء من مشروع لحظي يرمي إلى توزيع بضعة مقاعد هنا وهناك، وإنما جزء من خطة كبرى من أجل العاصمة عمان بأكملها، في محاولة لتحقيق النظام في مدينة يعود تاريخها إلى 8500 قبل الميلاد، التي تضم في صورتها المعاصرة بين جنباتها 2.5 مليون مقيم، يصلون إلى 3 ملايين في الصيف. وتحمل هذه الخطة شعار «المدينة التي يمكن العيش فيها هي مدينة منظمة تنبض بالحياة»، في إشارة ضمنية إلى الصورة التي لا ترغب عمان في التحول إليها، وهي صورة دبي.

في هذا السياق، قال جيري بوست، وهو كندي تولى تأسيس «معهد عمان للتنمية الحضرية»: «إننا نواجه موجة إضفاء طابع دبي على المدينة». يذكر أن المعهد يضم فريقا ينتمي في معظمه إلى مهندسين معماريين أردنيين ومخططين للمناطق الحضرية ومصممين ومفكرين، وشارك فيه عمدة المدينة، عمر المعاني، للمساعدة في استعادة الوجه القديم لعمان، لا إعادة ابتكاره.

عندما تولى المعاني منصب العمودية منذ 4 سنوات، كانت هناك خطط لبناء 16 برجا من الزجاج والصلب على امتداد أحد الطرق الرئيسة في عمان، وهي أبراج كان من شأنها حجب مشهد لمجموعة من المنازل البيضاء المنتشرة على التلال. كان أطول هذه الأبراج مؤلفا من 80 طابقا، وكان سيترتب على بنائها خلق ضغوط كبيرة على البنية التحتية. لكن الأمر الذي أثار قلق المخططين المعنيين بالمناطق الحضرية، أن الأبراج كانت ستخلق جزرا من الرفاهية لشديدي الثراء بمعزل عن باقي المدينة.

جرى نقل المشاريع المقترحة إلى 3 نقاط على أطراف العاصمة، بما يحافظ على مشهد الأفق وشعور بوحدة المجتمع، علاوة على الاستثمارات التي تحتاجها المدينة بشدة. من جهته، قال رامي إف ضاهر، وهو مهندس معماري وأحد القائمين على بعض أكثر مشاريع المدينة جرأة: «لا أود وجود مدينتين داخل مدينة واحدة». ومن وجهة نظر ضاهر، تنطوي المقاعد والأرصفة الجانبية المخصصة للمشاة على أهمية كبيرة. وأوضح أن «أهم عنصر على الإطلاق هو ضمان التنوع الاجتماعي والعدالة»، وهي وجهة نظر جعلته يبدو كناشط سياسي أكثر من كونه مخططا للمناطق الحضرية. ويرى المخططون المعنيون بالحواضر أن هناك فرصة لتمكين المواطنين من خلال تغيير المساحات المحيطة بهم، لكن ليس قبل سؤالهم عن الأسلوب الذي يودون العيش فيه. وعليه، ينظم المخططون دراسات مسحية، وتولى بوست تدريب عدد من الأفراد على عقد لقاءات جماهيرية. وشرح بوست أن «ما تفتقده المدينة هو شعور بالمواطنة. يجب أن نخلق شعورا بالمواطنة».

تاريخيا، نمت عمان مع كل موجة هجرة تعرضت لها، من شراكسة وأرمن ولبنانيين وفلسطينيين. وفي وقت لاحق، انتقل الأردنيون ممن كانوا يعيشون في القرى والمدن الأصغر إلى العاصمة، وساعدوا بذلك في تحويل المدينة إلى مركز اقتصادي وسياسي وثقافي. لكن بغض النظر عن أعداد الأجيال التي توالت بعد ذلك، نادرا ما يشير سكان المدينة إلى أنفسهم باعتبارهم ينتمون إلى عمان، حسبما أوضح الكثيرون. ولا شك أن خلق هوية حضرية وتغيير عادات تضرب بجذور عميقة ليست بالمهام اليسيرة. ومع ذلك، جرى بالفعل تحقيق بعض الانتصارات الصغيرة. فعلى سبيل المثال، قالت ريم الحنبلي (20 عاما)، أثناء جلوسها في أول متنزه جانبي مخصص للمشاة: «خروج فتاة في نزهة في أحد الشوارع أو الجلوس على مقعد جانبي يعد أمرا غير مقبول، فحينها سيتطلع الجميع إليها ويسألون: لماذا تجلس هذه الفتاة على هذا النحو؟ لكن هنا الوضع مختلف، يمكننا الجلوس باعتبار ذلك أمرا طبيعيا».

إلا أن تجربة شارع الوكالة تكشف أيضا عن التداعيات السلبية للتغيير. كان الشارع يضم منطقة مخصصة للمتسوقين الأثرياء من غرب عمان، ولم يهتم أصحاب المحال ببناء مساحات تخدم أصحاب الدخول الأقل. ولم يأبه أصحاب المتاجر في الشارع باجتذاب الشباب من أصحاب الدخول المتواضعة، مبررين ذلك بأن هؤلاء الشباب كانوا يخيفون قلق عملائهم. وعليه، تقدموا بشكاوى وسارعت سلطات المدينة إلى إزالة معظم المقاعد الجانبية.

ومن بين المشروعات الكبرى الأخرى طريق يمتد على مسافة ميل تقريبا على الحافة الشرقية من غرب عمان، ويدعى حاليا شارع قوس قزح. وكانت هذه المنطقة في طريقها نحو التحول إلى مجتمع منغلق على نفسه للأثرياء فحسب. لكن هذا لم يحدث. فلم تسمح سلطات المدينة لضاهر بإغلاق الشارع أمام حركة المرور. وعليه، لجأ إلى رصف الشارع بالحجارة لإبطاء حركة العربات. وجرى تمهيد الطرق الجانبية بحيث تصبح صالحة للسير.

وظهرت بعض المشكلات، منها أن «المجلس البريطاني» (مؤسسة ثقافية) الكائن في الشارع منذ سنوات رفض خفض ارتفاع السور الهائل الخاص به. لكن مدرسة محلية وافقت بالفعل على خفض سورها، وتراجعت المتاجر إلى الخلف للسماح للمشاة بالمرور وتوفير مساحة لوضع مقاعد.

الآن، يعشق الناس شارع قوس قزح، حيث يختلطون بسكان أجزاء أخرى من المدينة. وقد اشتكى بعض المقيمين من حركة مرور المشاة، واشتكى آخرون من ارتفاع الأسعار والإيجارات، لكن يبقى أن الشارع قد تم إحياؤه من جديد. وفي هذا الصدد، قالت سمر السارية (17 عاما)، أثناء جلوسها مع شقيقتها على مقعد يطل على المدينة: «هذا تغيير بالنسبة لنا، وهو تغيير طيب. عندما آتي إلى هنا الآن ألاحظ انخفاض أعداد السيارات وتوافر أماكن للجلوس والاسترخاء خارج المنزل. إنه مكان عام للجميع».

* أسهمت منى النجار في إعداد هذا التقرير.

* خدمة «نيويورك تايمز»