مليار دولار نقدا تخرج من أفغانستان سنويا معظمها إلى دبي

مسؤول أميركي: الأموال تظهر بشكل سحري من لا شيء

TT

يثير الكم الكبير من الأموال النقدية، التي تخرج من أفغانستان تحت سمع ضباط الجمارك وبصرهم في مطار كابل، حيرة المسؤولين الأميركيين ومخاوفهم بشأن أصل هذه الأموال. وتقدر هذه الأموال بنحو مليار دولار سنويا، تطير أغلبها إلى إمارة دبي، حيث تستقر بعض العائلات الثرية الأفغانية وأموالها. وطالما يتم الإفصاح عن هذه الأموال في المطار فإن نقلها يعتبر قانونيا. بيد أنه في الوقت الذي تنفق فيه الولايات المتحدة وحلفاؤها مليارات الدولارات لمساندة حكومة الرئيس حميد كرزاي في أفغانستان، فقد أثارت تلك الكميات الكبيرة من النقود المخاوف من أن تكون هذه الأموال من المساعدات. وتحاول إدارة مكافحة المخدرات الأميركية تبيّن ما إذا كانت هذه الكميات من النقد نابعة من تجارة الأفيون الأفغانية المزدهرة. ويعتقد المسؤولون الباكستانيون أن بعض هذه الأموال، التي تغادر كابل، تم تهريبها من باكستان. ويقول مسؤول أميركي يراقب الدور المتنامي للحكومة الأفغانية كمركز لنقل الأموال إلى دبي، التي تسيّر ست رحلات يوميا من كابل وإليها: «هذه الأموال كلها تظهر بصورة سحرية من لا شيء». في هذه الأثناء، تسارع الولايات المتحدة من وتيرة جهودها لوقف تدفق الأموال في الاتجاه الآخر إلى أفغانستان وباكستان لدعم «القاعدة» وطالبان، وقد زار مسؤولون كبار في وزارة الخزانة الأميركية كابل الشهر الماضي لمناقشة تدفق الأموال والقضايا الأخرى المتعلقة بهذا القطاع المالي الفوضوي والمتحرر.

وكان تعقب التحويلات الأفغانية يشكل على الدوام صعوبة، نتيجة لانتشار استخدام عمليات نقل الأموال التقليدية المعروفة باسم «الحوالات». ويحاول مسؤولو البنك المركزي الأفغاني، بدعم من مسؤولي وزارة الخزانة الأميركية، إحكام سيطرتهم عليها عبر التصريح بهذه العمليات. في الوقت ذاته، يستمر المال في التدفق. وتظهر وثائق الإعلان عن المال في مطار كابل الدولي، التي اطلعت «واشنطن بوست» عليها، أن المسافرين الأفغان نقلوا أكثر من 180 مليون دولار خلال شهرين، بدءا من شهر يوليو (تموز). وإذا ما استمر هذا المعدل طوال العام، فإن كمية النقد التي غادرت أفغانستان في عام 2009 ستتجاوز عائدات الضرائب والدخل القومي بنحو 875 مليون دولار. تبرز استمارات الإعلان عن النقد الدور المهم والغامض الذي تلعبه الحوالات. وعندما طلب بيان مصدر التمويل في الاستمارات التي أصدرها البنك المركزي الأفغاني، يضع حاملو النقد على الدوام اسم الحوالة نفسها في كابل، وهو «مؤسسة نيو أنصاري إكستشينج». وفي بداية الشهر الماضي، أغارت الشرطة والاستخبارات الأفغانية على «مؤسسة نيو أنصاري» في منطقة سوق كابل، وصادرت وثائق وأجهزة كومبيوتر، لكن مسؤولين مصرفيين أفغان مطلعين على العملية رفضوا الإفصاح عن السبب وراء الغارة. وقد أغلقت المؤسسة التابعة لبنك أفغاني ليوم أو نحو يوم، لكنها عادت إلى العمل مرة أخرى.

من المؤكد أن كمية المال التي تغادر أفغانستان أعلى بكثير من الكميات المعلن عنها، فقد اعتقل صيني، على سبيل المثال، في مطار كابل يحمل 800 ألف يورو لم يعلن عنها. يمكن نقل الأموال بسهولة عبر صالة الشخصيات المهمة في المطار التي يغادر منها عادة المسؤولون الأفغان من دون تفتيش. ويقول المسؤولون الأميركيون إنهم أثاروا قضية المعاملة الخاصة للشخصيات المهمة في مطار كابل مع الحكومة الأفغانية مرات عدة، لكن شكواهم لم تلق آذانا صاغية.

ومن جهته، قال أحد المسؤولين الأميركيين إن أحد المسؤولين البارزين في شرطة دبي أخبره بأن دبلوماسيا أفغانيا سافر إلى مطار الإمارات خلال العام الماضي ومعه مبلغ غير معلن عنه باليورو، يعادل مليوني دولار تقريبا. وقال راشد الدين محمدي، القنصل الأفغاني العام في دبي، في لقاء أجري معه على الهاتف إنه ليس لديه علم بمثل تلك الوقائع. يذكر أن الأضواء قد سلطت على تدفق ذلك القدر الضخم من النقد عبر مطار كابل في البداية خلال الصيف الماضي عندما بدأت شركة «المجموعة الاستراتيجية العالمية البريطانية»، التي لديها تعاقدات أمنية جوية، تقديم تقارير حول نقل النقد بناء على طلب إدارة الأمن القومي الأفغانية، وهي هيئة الاستخبارات المحلية، ولكن قوات الشرطة، التي تشتهر بفسادها، أبدت احتجاجها على ذلك الاتفاق، وتوقفت «غلوبال» عن تقديم التقارير في سبتمبر (أيلول) وفقا لشخص مطلع على القضية.

ومن جهة أخرى، قال المصرفيون الأفغان، الذين التقيناهم في كابل، إن قدرا كبيرا من الأموال التي أعلن عنها تعود لتجار يرغبون في شراء بضائع من دبي، ولكنهم يرغبون في تجنب المصاريف والتأخير والأعمال الورقية المرتبطة بعمليات تحويل الأموال التقليدية. ويشتمل النقد الذي يتدفق من كابل على عدة عملات أجنبية مختلفة، ولكن معظمها كان بالدولار، واليورو، بالإضافة إلى الريال السعودي وهو ما أثار حيرة المسؤولين، لأنه لم يكن شائع الاستخدام داخل أفغانستان.

فخلال الشهر الماضي، كان رجل أفغاني حسن المظهر في طريقه إلى دبي يحمل ثلاث حقائب بها ما يساوي 3 ملايين دولار بالعملة الأميركية، ونحو مليوني دولار بالعملة السعودية، وفقا لأحد المسؤولين الأميركيين الذي كان موجودا عند إحصاء النقد. وبعد ذلك بعدة أيام، كان ذلك الرجل في مطار كابل مرة أخرى في طريقه إلى دبي ومعه نحو 5 ملايين دولار بالعملتين الأميركية والسعودية.

ومن النظريات المفسرة لذلك أن بعض ذلك النقد بالعملات العربية يرجع إلى تبرعات سعودية، كان يفترض أن تذهب إلى المساجد وغيرها من المشروعات في أفغانستان وباكستان. ولكن المسؤولين الأميركيون يقولون: «نحن لا نعرف بالضبط ما الذي يحدث هناك».

ومن جهة أخرى، أعرب مسؤولون أميركيون وأفغان، تحدثوا شريطة عدم الإفصاح عن هويتهم، عن استيائهم من عدم تعاون دبي في الجهود التي تستهدف فحص قدر المال الذي يخرج من أفغانستان. فيقول أحد المسؤولين الأميركيين إن الصعوبات المالية التي تواجهها دبي تركت الإمارات وهي تتوق إلى الحصول على النقد الأجنبي، ويبدو أنهم غير مهتمين بمصدر تلك الأموال. ومن جهة أخرى، رفضت سلطات دبي أن تعلق على الموضوع.

*خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»