الحرم الإبراهيمي في الخليل.. رمز للصراع الديني منذ ألفي عام

تصاعد المواجهات احتجاجا على اعتباره معلما يهوديا.. وتوقع «يوم غضب فلسطيني»

طفل يهرب من منطقة المواجهات بين المحتجين الفلسطينيين والجنود الاسرائيليين في الخليل امس (رويترز)
TT

لم يتغير شيء على الحرم الإبراهيمي الشريف في الخليل، الذي تحول إلى قلعة أمنية إسرائيلية حصينة، منذ 16 عاما، بعدما ارتكب اليهودي المتطرف باروخ غولدشتاين مجزرته في 25 فبراير (شباط) 1994، فقتل 29 مصليا مسلما في سجود الفجر، قبل أن تقتطع السلطات الإسرائيلية جزءا منه للمصلين اليهود. ويظل هذا الحرم رمزا للصراع الديني.

ومنذ أعلنت الحكومة الإسرائيلية قبل أيام ضمه وكذلك مسجد بلال الذي يطلقون عليه اسم «قبة راحيل» في بيت لحم، لقائمة التراث اليهودي، تندلع مواجهات في محيطه، لا تتوقف، وأمس اشتدت هذه المواجهات. ويخطط الفلسطينيون اليوم لإطلاق مسيرات ومظاهرات في الضفة وغزة، يتوقع أن تتحول لـ«يوم غضب فلسطيني». وبسبب الإعلان توترت العلاقة أكثر بين القيادة الفلسطينية والحكومة الإسرائيلية، وفي وقت حذر فيه الرئيس الفلسطيني محمود عباس (أبو مازن) من حرب دينية، وصف ديوان رئاسة الوزراء الإسرائيلي الحملة التي تتعرض لها إسرائيل بسبب قرارها إدراج الحرم الإبراهيمي على قائمة المواقع التراثية اليهودية بحملة تستند إلى أكاذيب مكشوفة.

ووصفت عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير حنان عشراوي الخطوة، بأنها تأتي في سياق التعدي العنصري المباشر لإزالة الهوية الوطنية الفلسطينية وطمس معالمها وتزوير تاريخ فلسطين وشعبها، وهو ما يعني، بحكم القانون الدولي، جريمةً ضد الإنسانية واغتيالا ثقافيا لتراث شعب بأكمله. ويقول الإسرائيليون إن الحرم الإبراهيمي وقبة راحيل مدافن قديمة لآباء وأمهات الشعب اليهودي، مما يبرر حفظهما وترميمهما. أما الفلسطينيون، فيقولون إن الحرم يعتبر أحد أهم الرموز الدينية الإسلامية، وفيه دفن سيدنا إبراهيم وزوجته وعدد من أبنائه. ويقع الحرم الإبراهيمي في البلدة القديمة من الخليل، وقصة استهدافه، قديمة، وينسب المسجد إلى النبي إبراهيم الخليل عليه السلام الذي دفن فيه قبل أربعة آلاف عام، وسميت الخليل باسمه.

وحسب الروايات التاريخية، فإنه في الفترة ما بين عامي 37 و4 قبل الميلاد، بني سور بطول 80 ذراعا وعرض 40 حول مقابر الأنبياء، ثم جاءت الملكة هيلاني سنة 324 ميلادية وأمرت بسقفه، فهدمه الفرس، ليعيد الرومان بناءه وتحويله لكنيسة.

وفي عام 15 هـ حوله المسلمون إلى مسجد، حظي بالاهتمام طوال عهدي الأمويين والعباسيين، وصار رابع أهم المسجد المساجد، وظل كذلك حتى سيطرة الصليبيين الذين حولوه مجددا إلى كاتدرائية لمدة تسعين عاما، قبل أن يحرره صلاح الدين الأيوبي سنة 587 هـ، ويعين عائلات من الخليل لسدنته.

بعد احتلال الضفة الغربية عام 1967 رفعت إسرائيل علمها فوق الحرم الإبراهيمي. وعلى مدار سنوات الاحتلال تعرض المسجد لمحاولة تهويده، ففي مايو (أيار) 1968 أمر الحاكم العسكري بفتح الحرم ليلا أمام المستوطنين، وجرى هدم الدرج والباب الشرقي والبئر وكلها منشآت أثرية. وفي سبتمبر (أيلول) من العام نفسه أقيمت أول صلاة يهودية. وفي 1972 خصصت بعض أجنحته لليهود وحظرت على المسلمين، وفي عام 1991، تم إنشاء مدرسة يهودية في إحدى جوانبه. واستغلت إسرائيل المجزرة عام 1994 لتوقع الواقع التاريخي للحرم، فشطرته شطرين، واحدا للمسلمين وآخر لليهود، وحولته إلى قلعة أمنية حصينة.

واليوم، يتجنب غالبية الفلسطينيين الذهاب إلى الصلاة في الحرم الإبراهيمي بسبب الإجراءات الإسرائيلية المعقدة، إذ إن على الزائر أن يمر عبر البلدة القديمة التي تبقى طوال الأسبوع شبه خاليه من الفلسطينيين، بعدما كانت مركز الحركة التجارية قبل عام 2000. فعلى الزائر أن يعبر بوابة خارجية يحرسها الجيش الإسرائيلي، بعدها يتعرض للتفتيش الإلكتروني مرتين، وفي كل مرة يجب خلع الساعات والأحزمة والهواتف، وكل ما من شأنه أن يثير جهاز كشف المعادن. ويمر الجميع واحدا تلو الآخر عبر ممر ضيق، إلى بوابة حديدية دوارة، ثم إلى ممر آخر ضيق محاط بالأسلاك الشائكة، حتى الوصول إلى ساحة خارجية من أجل التدقيق في الهويات، قبل أن يضطر الزائرون إلى المرور ثانية عبر بوابات دوارة وإلكترونية موضوعه على بوابة المسجد الرئيسية.

وحدهم اليهود غير مضطرين للخضوع لهذه الإجراءات، ويوجد لهم بوابتان أخريان.

ويصلي المسلمون في أجزاء خاصة بهم تقل مساحة عن المخصصة لليهود التي تضم مقامات يوسف ويعقوب وزوجاتهما، تضم مقامات إبراهيم وإسحق وزوجاتهما، وهي أقل من تلك المخصصة لليهود. ويمكن القول إن المسجد أصبح مزارا أكثر منه مكانا للصلاة، ويعمده كبار السن والنساء والسياح الأجانب والصحافيون.

وحذّر الشيخ كمال الخطيب، نائب رئيس الحركة الإسلامية في إسرائيل، من أن ضم الحرم الإبراهيمي ما هو إلا بروفة لمعرفة رد فعل المسلمين المتوقع عندما يأتي في منتصف مارس (آذار) المقبل دور تهويد المسجد الأقصى المبارك. وتقول نبوءات يهودية إن إقامة الهيكل مكان الأقصى ستكون في 16 مارس 2010.