الانتخابات في الناصرية تتحول إلى صراع على الزعامة الشيعية في العراق

الائتلافات تزج بخيرة مرشحيها في السباق بالمحافظة: نائب رئيس ووزير ومستشارون للمالكي

مقهى الأدباء في الناصرية حيث يغلب الحديث الانتخابي على ما سواه (نيويورك تايمز)
TT

تحولت هذه المدينة الواقعة على ضفة الفرات، التي يخفي مظهرها الرث كبرياء سكانها، إلى مقدمة لما قد يكون النزاع الحقيقي في الانتخابات البرلمانية العراقية، التي ستحاول الأحزاب الشيعية الرئيسة السعي إلى الوصول إلى قيادة أغلبيتها.

تشير هذه المنافسة إلى إحدى القضايا التي لم يجب عنها، قصة عذابات العراق من الغزو والاحتلال والحرب والانتعاش مرة أخرى. وأصبحت الناصرية مسرحا تتنافس عليه توجهات شيعية كثيرة بدءا من حركات الشارع وانتهاء بالأحزاب الكبيرة للوصول إلى السلطة.

جدير بالذكر أن الأحزاب الشيعية في الناصرية رشحت بعضا من أقوى السياسيين، فهناك نائب لرئيس الجمهورية ووزير ونواب ومستشارون مقربون من رئيس الوزراء نوري المالكي، والكثيرون منهم تربطهم علاقات صداقة تعززت في المنفى أو خلال السنوات التي قضوها في معارضة صدام حسين في الأهوار الجنوبية.

لكن هذه الأحزاب، وبعضها تجمعه تحالفات، عمدت إلى انتحال هويات مغايرة لطبيعتها أمام الناخبين - ومنها ما هو الأشد طائفية أو وطنية ولها جذورها في الدين - مما يعكس تطورها وفي الوقت نفسه الشكل الذي يمكن أن تكون عليه الديمقراطية العراقية الهشة في أعقاب انسحاب القوات الأميركية.

وقال طالب الحسن، محافظ ذي قار وحليف المالكي «أنا أعتبرهم إخوة في الإسلام. لكننا جميعا ندرك أن صندوق الاقتراع سيكون الحكم بيننا».

على مقربة بضعة كيلومترات من الناصرية تقع أور مسقط رأس النبي إبراهيم، ويعتقد العراقيون أن الناصرية تحمل سمات متنوعة تنعكس في كل شيء، بدءا بالسياسات وحتى الطبيعة الموجودة بها. فالكثير من مناطق المدينة يتقاطع فيها الريف والحضر، كما أن الكثير من مناطقها مليئة بالقمامة والأكواخ الإسمنتية، التي تتخلل المناطق الحضرية حيث يتجمع الأفراد لشرب الشاي في مقهى الأدباء المفتوح.

الكثير من هؤلاء الرجال يمثلون الموجة العلمانية العنيدة التي جعلت الناصرية معقلا للفكر التقدمي. بيد أنهم يقولون إن القوة هنا اليوم حكر على الأحزاب الدينية، لتترك المجموعات العلمانية شبه عاجزة في مدينة تأسس فيها الحزب الشيوعي العراقي عام 1934.

يعني ذلك أن ائتلافين هما ائتلاف دولة القانون بزعامة المالكي، والائتلاف الوطني العراقي الذي يضم الفصائل الشيعية القوية الأخرى التي خاضت مواجهة مسلحة خلال السنوات القليلة الماضية في شوارع الناصرية، سيتنافسان في انتخابات 7 مارس (آذار) على 18 مقعدا برلمانيا هي حصة المحافظة من أصل 325 مقعدا.

ويسيطر الائتلافان على 31 مقعدا في مجلس المحافظة الذي انتخب في يناير (كانون الثاني) 2009، وجاء ائتلاف المالكي أولا بـ13 مقعدا، يليه التيار الصدري بزعامة رجل الدين مقتدى الصدر بسبعة مقاعد. أما الأحزاب الثلاثة الدينية الأخرى في الائتلاف الوطني العراقي فقد أعلنت هي الأخرى عن تحالفها قبل عام لخوض انتخابات مارس (آذار).

ويقول الشيخ محمد مهدي الناصري «الساحة السياسية العراقية عرضة للتغييرات المفاجئة، فأمزجة المواطنين يمكن أن تتغير بسرعة كبيرة جدا». وتشير مكتبة الناصري، المرشح الرئيس في قائمة المالكي، التي تحوي 32 رفا تضم أكثر من 1000 كتاب جمعها على مدى أكثر من 50 عاما، إلى أنه عالم دين، فيما تؤشر عمامته لمكانته. أما سياسات الناصري فهي اشتراكية بصورة كبيرة وبعيدة عن الدين. وقال «رفاهية العراقيين من رواتب جيدة وإسكان وضمان صحي ومستوى معيشة جيد تمثل أولويات، أما باقي القضايا فهي ثانوية».

وإلى جانب الحزب الشيوعي هناك حزب الدعوة الذي يتبعه الناصري، والذي يقف كأحد أقدم الأحزاب السياسية العراقية، والذي منحه صلته بالمالكي، كرئيس للوزراء وسيطرته على الحكومة وشعبيته، نفوذا كبيرا أكثر مما تمتع به في أعقاب الغزو الذي قادته الولايات المتحدة. وقد حاول حزب الدعوة، أكثر من غيره من الأحزاب الدينية، منذ ذلك الوقت تقديم هوية أكثر قومية لناخبي الناصرية. فالملصقات الانتخابية في هذه المدينة تبتعد كلية عن الشعارات الدينية. فأحد الملصقات الانتخابية يظهر المالكي وهو يصافح أحد الضباط وقد كتب عليه «أنتم فخر العراق»، فيما حملت الملصقات الأخرى تحية رقيقة للشباب والأيتام. وربما يبدو المالكي طائفيا كالباقين - بدليل حملته المستعرة ضد البعثيين - لكن برنامجه لا يزال يلتزم بصيغة أثبتت نجاحها في انتخابات 2009، ألا وهي القانون والنظام.

الناصري، الذي مشى 10 أيام من العراق إلى الكويت عام 1981 هربا من نظام صدام حسين، والذي تظهر معالم وجهه وكأنه قد عاد للتو من هناك، أقوى الأمثلة على الصيغة الجديدة، فقد كان على صلة وثيقة بالمرشحين المنافسين في المنفى. وقال «كلهم أصدقائي دون استثناء». لكنه استنكر غضبهم من قرار حزب الدعوة خوض الانتخابات منفردا. وقال «كان الجميع يأملون في أن تصبح الطائفة كيانا واحدا. لكن الحقيقة أن ذلك مستحيل. فرفاهية العراقيين قضية أكبر من الطائفة وأكبر من الدين».

وينفي قادة حزب الدعوة صفة العلمانية عن الحزب، حيث تشير الكلمة في المناطق الشيعية إلى الإلحاد أو حتى دعم البعثيين. لكنه عندما سئل عما إذا كان هذا هو موقفه، رفض الناصري الإجابة مكتفيا بالابتسامة.

أما خصوم حزب الدعوة من الائتلاف الوطني العراقي فقد اتخذوا مسارا مختلفا إلى السلطة في الناصرية. فحساباتهم بسيطة جدا، وهي أنه لا يمكن لفصيل في التحالف هزيمة حزب الدعوة بمفرده، لكن إذا تم توحيد الدوائر الانتخابية لهذه الأحزاب فستكون النتيجة أفضل من التشرذم. ويقول فاضل الغلابي، المرشح البارز في الائتلاف «الدين عامل توحيد، وهو فاعل، وهو الأداة التي نحتاجها لإثارة الجماهير».

الموالون لإبراهيم الجعفري، رئيس الوزراء السابق، تحالفوا مع بعض التنظيمات الدينية، أما أتباع الصدر فقد ظلوا موالين لماضيهم كحركة شعبية تحمل نبض الشارع، ويعترف الجميع بهم كأقوى منافسي للمالكي في الناصرية. أما المجلس الإسلامي الأعلى للعراق فإن رسالته تستهوي أشد العناصر طائفية في الناصرية، وبعد سبع سنوات من عودته إلى العراق لم يتمكن هذا التنظيم من تغيير صورته كخاضع للسيطرة الإيرانية أو أن يبدد صورته السابقة كحركة سرية.

في مكتب المجلس في المحافظة فتح مديره عبد الرحيم حميد حقيبته عدة مرات ليسحب منها ملفا ويغلقها في كل مرة، ثم همس إلى مساعديه وهو يحملق في جهاز التسجيل متشككا. وعندما سئل عما إذا كان الائتلاف الوطني سيحرز تقدما في الانتخابات، قال ببساطة «إن شاء الله».

لكن السؤال هو «كيف سيتمكن الائتلاف الجديد من إظهار قوته وقدرته على التحمل في الناصرية والأماكن الأخرى من العراق؟».. يعترف الغلابي والآخرون بوجود توترات داخل الائتلاف. ففي الشهر الماضي انتقد مقتدى الصدر ذاته رئيس المجلس الأعلى عمار الحكيم على الرغم من زعم الزعيمين تنحية الخلافات جانبا.

ويقول محسن خزعل، زعيم الحزب الشيوعي العراقي «هناك نزاع، أحيانا ما يطفو على السطح في صورة عنف وأحيانا ما يكون حربا كلامية. إنهم يحاولون الظهور أمام العراقيين كمتوحدين، لكن الأحداث تظهر غير ذلك».

* خدمة «نيويورك تايمز»