تعاون حذر بين الاستخبارات الأميركية والباكستانية

عشرات الغارات ضد طالبان من قواعد في كويتا وبيشاور بعد عمليات تنصت إلكتروني بالأقمار الصناعية

TT

داخل مركز احتجاز سري في إحدى المناطق الصناعية بالعاصمة الباكستانية يطلق عليه «آي/9»، كان عملاء الاستخبارات الباكستانية والأميركية يبقون إحدى أعينهم مفتوحة لمراقبة قادة حركة طالبان الذين تم اعتقالهم الشهر الماضي، والأخرى لمراقبة بعضهم بعضا.

جدير بالذكر أن الاستخبارات الأميركية تربطها بنظيرتها الباكستانية (جهاز الاستخبارات الداخلية الباكستانية) علاقة طويلة كانت تشوبها التوترات في كثير من الأحيان. وهما يتحركان بحذر حتى الآن لتحقيق أهداف متضاربة، حيث تحاول كل منهما حماية نفوذها بعد توقف إطلاق النيران في أفغانستان.

ومن جهة أخرى، تظهر الحوارات التي أجريت خلال الأيام الماضية كيف كان كلا الجهازين يعملان معا في العمليات التكتيكية، والمدى الذي وصلت إليه الاستخبارات الأميركية في حربها السرية الاستثنائية إلى ما بعد الحزام القبلي في الجبال وفي عمق المدن الباكستانية الممتدة.

وبعيدا عن اعتقال الملا عبد الغني برادر، شن عملاء الاستخبارات الأميركية بالتعاون مع نظرائهم الباكستانيين عشرات الغارات في جميع أنحاء باكستان خلال العام الماضي، منطلقين من قواعد في مدن كويتا، وبيشاور وغيرهما، وفقا لمسؤولين أمنيين باكستانيين.

وكانت تلك الغارات تأتي في الغالب بعد عمليات تنصت إلكتروني تقوم بها الأقمار الصناعية الخاصة بالاستخبارات الأميركية أو على أثر معلومات يأتي بها المخبرون الباكستانيون وفي بعض الأحيان كان العملاء من كلتا الدولتين يركبون نفس السيارة لملاحقة طريدتهم. وفي بعض الأحيان، كان الفريقان يذهبان في مهام استطلاعية مطولة، فيما كان يحمل عملاء الاستخبارات الأميركية كريمات مكافحة الشمس وعصي النيون البراقة التي تسمح لهم بتحديد أماكنهم في الليل.

وعلى الرغم من أن الهجمات التي تشنها الاستخبارات الأميركية بطائرات الدرون (طائرات دون طيار) داخل باكستان معروفة تماما، فإن العمليات التي يتم تنفيذها فعليا على الأرض تحاط بالسرية الكاملة نظرا لأن الحكومة الباكستانية تخشى الانتقادات الشعبية لها بشأن علاقتها الوثيقة بالأميركيين.

ومن خلال تعزيز علاقتها بالاستخبارات الباكستانية، فإن الاستخبارات الأميركية تعزز علاقتها بمؤسسة غامضة تتدخل في السياسات المحلية ولها تاريخ من الصلات مع الجماعات المسلحة في المنطقة. وقد رفض المتحدث الرسمي باسم الاستخبارات الأميركية التعليق على الموضوع.

ومن جهة أخرى، يقر المسؤولون في واشنطن وإسلام آباد بأن العلاقة بين المؤسستين كانت تتحسن بثبات منذ تجاوزت أضعف مراحلها صيف 2008، عندما سافر نائب مدير الاستخبارات إلى باكستان لمواجهة المسؤولين في الاستخبارات الباكستانية بعمليات تنصت تشير إلى أن الاستخبارات الباكستانية كانت ضالعة في عملية انفجار السفارة الهندية في كابل بأفغانستان. وقد تمكنت الهيئتان الاستخباريتان من إعادة بناء الثقة اعتمادا - جزئيا - على التكتيكات الاستخبارية العتيقة: وهي قتل أو إمساك الأعداء المشتركين. وقد مثل أغسطس (آب) نقطة تحول، وذلك عندما قتل صاروخ تابع للاستخبارات الأميركية قائد المسلحين بيت الله محسود وهو يجلس على سقيفة معسكره في جنوب وزيرستان، فيما كانت زوجته تدلك له ظهره.

وكان محسود لمدة تزيد عن العام مسؤولا عن سلسلة من الهجمات الإرهابية في المدن الباكستانية، حتى أن الكثيرين داخل الاستخبارات الباكستانية كانوا يتساءلون عن سبب عدم سعي الولايات المتحدة لقتله، بل إن بعضهم كان يتشكك في أنه إما أميركي أو عميل هندي.

وكانت الهجمة التي تم شنها بطائرات الدرون على محسود جزءا من الحرب المشتركة ضد المسلحين في المناطق القبلية بباكستان حيث كانت طائرات الدرون التابعة للاستخبارات الأميركية تقصف المسلحين من الهواء فيما كانت القوات الباكستانية تقاتلهم على الأرض.

ومع ذلك فإنه بالنسبة لهيئتين استخباريتين بينهما تاريخ طويل من فقدان الثقة، نجحت المواءمة في الاستمرار حتى الآن. فعلى سبيل المثال، عندما تأتي المرحلة النهائية في أفغانستان حيث تأمل باكستان أن تلعب دورا مهما وتصبح لها اليد الطولي هناك، أظهرت اللقاءات التي أجريت مع مسؤولين بالاستخبارات الباكستانية والأميركية في إسلام آباد وواشنطن أن مصالح الجانبين ما زالت متنافرة إلى حد بعيد.

فعلى الرغم من أن الاستخبارات الباكستانية قد تمكنت من القضاء على بعض خلايا حركة طالبان، تعتقد كل من واشنطن وكابل أن الاستخبارات الباكستانية تستهدف إضعاف حركة طالبان للحد الذي يرغمها على الجلوس على طاولة المفاوضات، ولكن شريطة أن تتركهم في الوقت نفسه أقوياء بما يكفي لخدمة المصالح الباكستانية من خلال حكومة أفغانية في المستقبل. وهو ما يتناقض بشدة مع هدف الأميركيين من محاولات القضاء على حركة طالبان وتعزيز سلطة الحكومة المركزية في كابل، والقوات الأمنية. وذلك رغم أن المسؤولين الأميركيين يقرون بأن المصالحة السياسية مع بعض عناصر طالبان ربما تصبح جزءا من أي تسوية نهائية. وقد برز التوتر في العلاقات بين الجهازين الاستخباريين مباشرة بعد اعتقال الملا برادر؛ وبعدما رفضت الاستخبارات الباكستانية السماح للاستخبارات الأميركية باستجواب زعيم حركة طالبان. وقد سمح للأميركيين منذ ذلك الوقت بالدخول إلى مركز الاحتجاز. ويوم الأربعاء، قال مسؤولون باكستانيون وأفغان التقوا في إسلام آباد إنهم كانوا يعملون على التوصل لاتفاق يتم بمقتضاه نقل الملا برادر إلى معتقل في أفغانستان حتى يتمكن الأميركيون من الوصول غير المشروط له.

وبخلاف الملا برادر، تم اعتقال كثير من حكام الظل في حركة طالبان وغيرهم من الزعماء البارزين داخل باكستان خلال الأسابيع الماضية.

وقد أشار أحد المسؤولين العسكريين البارزين في أفغانستان يوم الأربعاء إلى أنه في ظل تلك الاعتقالات، ربما تحاول الاستخبارات الباكستانية تسريع أجندة التسويات المتفق عليها بين طالبان والحكومة الأفغانية. فيقول المسؤول: «لا أعرف إذا ما كانوا بدأوا التواصل مع أي أحد وحثه على الجلوس على طاولة المفاوضات أم لا، ولكنهم بلا شك يستعدون لذلك». وخلال العقود الثلاثة منذ اتحدت الاستخبارات الأميركية والاستخبارات الباكستانية لمد المسلحين الذين يقاتلون السوفيات في أفغانستان بالسلاح، كان كلا الجهازين يتعاونان معا من خلال علاقة متبادلة تتسم بالتشكك. ويعتمد المسؤولون بالاستخبارات الأميركية في إسلام آباد على شبكة المخبرين التابعة للاستخبارات الباكستانية، ولكنهم حذرون في الوقت نفسه من العلاقة الطويلة بين الاستخبارات الباكستانية والمسلحين، مثل حركة طالبان، الذين يتعامل معهم العملاء الباكستانيون كحليف ضروري لإبطال نفوذ الخصم اللدود «الهند» في أفغانستان.

وعلى الرغم من أن الاستخبارات الباكستانية تحصل على ملايين الدولارات كدعم من نظيرتها الأميركية (وهو ما سمح للاستخبارات الباكستانية بإنشاء قسم لمكافحة الإرهاب)، فإن لديها شكوكا حول احتمالية أن يتحالف الأميركيون والهنود معا ضد باكستان.

* خدمة «نيويورك تايمز»