الرباط: لا علاقة لعدم مشاركة العاهل المغربي في قمة غرناطة بتخوفات من مظاهرات معادية

مصادر إسبانية: مدريد لم تفقد الأمل في مشاركة الملك محمد السادس في أول قمة بين المغرب والاتحاد الأوروبي

TT

قالت الرباط إن عدم مشاركة العاهل المغربي الملك محمد السادس في القمة الأولى التي ستنعقد بين المغرب والاتحاد الأوروبي، يومي 6 و7 مارس (آذار) المقبل في غرناطة في إسبانيا، لا علاقة لها بتخوفات من مظاهرات أو الضغط على المغرب بشأن نزاع الصحراء. وقال خالد الناصري، وزير الاتصال (الإعلام) والناطق الرسمي باسم الحكومة المغربية «ليست هناك تخوفات من هذا القبيل». وزاد قائلا أمس في الرباط خلال لقاء صحافي «من غير الوارد أن يملي الإسبان أو أي طرف أوروبي شروطا مجحفة تمس بالمصالح الوطنية للمغرب».

يشار إلى أن الرباط أعلنت رسميا قبل ذلك أن العاهل المغربي لن يشارك في القمة، وأن المغرب سيشارك فيها بوفد يرأسه عباس الفاسي، رئيس الوزراء.

وفي غضون ذلك، قالت مصادر صحافية إسبانية إن غياب العاهل المغربي عن القمة ربما يكون سببه توقع احتجاجات ومظاهرات تنظمها مجموعات مساندة لجبهة البوليساريو واليسار الإسباني، الذي يتبنى موقفا معاديا للمغرب. وقالت وكالة الأنباء الإسبانية «إفي» إن السبب الثاني ربما يعود إلى اهتمام العاهل المغربي بالأجندة الداخلية وإعطاء انطلاقة لمشاريع تنموية في جميع أنحاء المغرب.

وقالت المصادر إن إسبانيا لا تزال تبذل جهودا دبلوماسية مكثفة من أجل إقناع العاهل المغربي بالمشاركة في القمة، وإنها لم تفقد الأمل على الرغم من الزيارة غير الموفقة التي قام بها وزير الخارجية الإسباني ميغيل أنخيل موراتينوس للرباط أول من أمس.

وكان الطيب الفاسي الفهري، وزير الخارجية المغربي، قد قال خلال لقاء صحافي مشترك مع نظيره الإسباني، إن المغرب سيكون ممثلا بوفد يرأسه عباس الفاسي، رئيس الوزراء، ويضم وزراء يمثلون مختلف القطاعات، مشيرا إلى أن الوفد سيبحث الوضع المتقدم للمغرب مع الاتحاد الأوروبي، وسبل تعزيز التعاون بين الطرفين.

وقال إن «الفاسي سينقل رؤية وطموح الملك محمد السادس بشأن العلاقة بين المغرب والاتحاد الأوروبي». وأوضح الفاسي الفهري أنه تباحث مع موراتينوس حول النتائج المرتقبة من قمة غرناطة، التي جاءت بمبادرة من إسبانيا التي ترأس حاليا الاتحاد الأوروبي، والتي ستسمح بإعطاء الوضع المتقدم للمغرب مع الاتحاد الأوروبي فرصة ليصبح أكثر نجاعة، وأكثر قوة فيما يتعلق بالحوار السياسي والعلاقات الاقتصادية، وقضايا الهجرة.

وقال الفاسي الفهري إنه تم التطرق كذلك إلى التطورات الأخيرة لنزاع الصحراء بعد الجولة الثانية من المفاوضات غير الرسمية، بين المغرب وجبهة البوليساريو، وتأكيد تشبث المغرب بالإطار التفاوضي قصد التوصل إلى حل نهائي للنزاع، طبقا لقرارات مجلس الأمن الأخيرة التي «تحدثت عن الواقعية والتوافق، وحثت الأطراف على الدفع في اتجاه مفاوضات جادة وعميقة». كما تطرق الجانبان إلى مشروع الاتحاد من أجل المتوسط، وذلك في أفق انعقاد القمة الثانية للاتحاد ببرشلونة بإسبانيا، والوضع في القارة الأفريقية، في إطار مشروع التعاون بين الدول المطلة على الأطلسي، والتي ستشمل التعاون الأمني، والاقتصادي، والبيئي.

من جهته، قال موراتينوس إن قمة غرناطة تعد لحظة تاريخية، وستشكل قفزة نوعية، كما ستمكن من إعطاء نفس جديد للعلاقات بين المغرب والاتحاد الأوروبي، على اعتبار أن المغرب شريك استراتيجي، وستكون مناسبة لتوطيد التعاون في مختلف المجالات السياسية والثقافية والاقتصادية.

وأوضح موراتينوس أن مشاوراته مع نظيره المغربي تناولت أيضا القضايا الثنائية التي تجمع البلدين ومن بينها قضية الهجرة. كما تم التطرق إلى ضرورة تفعيل بناء اتحاد المغرب العربي، وتطورات نزاع الصحراء، وضرورة مواصلة الحوار والتفاوض للتوصل إلى حل بين الطرفين.

يذكر أن عددا من الأحزاب اليسارية والراديكالية الإسبانية عبرت عن رفضها عقد القمة بين المغرب والاتحاد الأوروبي، بسبب معارضتها لموقف المغرب من نزاع الصحراء، وقضايا أخرى تتعلق بحقوق الإنسان والهجرة والاتفاقيات الزراعية التي وقعها المغرب مع إسبانيا، ويتخوف المراقبون من أن تنجح هذه الأصوات في التشويش على القمة والتأثير على نجاحها.

وعلى صعيد آخر، وقع المغرب والاتحاد الأوروبي في الرباط اتفاقية لتمويل برنامج عاجل من أجل دعم تفعيل استراتيجية التربية، حصل بموجبها المغرب على منحة بلغت 93 مليون يورو (122 مليون دولار). ووقع على هذه الاتفاقية، أحمد خشيشين، وزير التربية الوطنية والتعليم العالي وتكوين الأطر والبحث العلمي، وأنكو لندبيري، سفير الاتحاد الأوروبي لدى المغرب، بحضور لطيفة العابدة، وزيرة التعليم المدرسي، وصلاح الدين مزوار، وزير الاقتصاد والمالية. ويهدف هذا الدعم المالي، كما قال بيان الوزارة، إلى تمويل عدة مشاريع تهم البرنامج العاجل، الذي هو عبارة عن خطة مدتها أربع سنوات لإنقاذ النظام التربوي التعليمي المغربي من الأزمات التي يتخبط فيها، عبر ضمان التعليم الإلزامي للجميع مع إعطاء الأولوية للأطفال والمنتمين للأوساط المعوزة ودعم القدرات المهنية للمدرسين، إضافة إلى إرساء نظام تدبير مسؤول وعادل في المؤسسات التعليمية المغربية. كما سيمكن هذا الدعم حسب البيان دائما من تقليص نسبة الهدر المدرسي في المستويين الابتدائي والثانوي، من أجل تعليم أساسي لكل الأطفال البالغين أقل من 16 سنة، ودعم الفعاليات المهنية للمدرسين بكيفية دائمة.

وأشار البيان إلى أن البرنامج سيستفيد من برنامج آخر للدعم، تبلغ قيمته 15 مليون يورو (19 مليون دولار)، بهدف بناء وتأهيل مؤسسات تعليمية بالعالم القروي والشبه الحضري بتنسيق مع البنك الأوروبي للاستثمار والوكالة الفرنسية للتنمية.

وفي هذا الصدد، قالت لطيفة العابدة، الوزيرة في وزارة التعليم، إن توقيع هذه الاتفاقية هو عربون جديد على ثقة شركاء المغرب في البرنامج الإصلاحي في قطاع التعليم، وإن الاتحاد الأوروبي أسهم بمبلغ كبير تجاوز مليار درهم على شكل دعم ومنحة وليس قروضا.

وأضافت العابدة أن مساهمة الاتحاد الأوروبي في هذا التمويل هي مواصلة لمساهمات سابقة له، بهدف دعم جهود المغرب الرامية إلى تعميم تعليم جيد على كل الأطفال المغاربة الذين لا تتجاوز أعمارهم 16 سنة، وكذلك الرفع من جودة التعليم والتمييز في مستوى الدراسي الثانوي التأهيلي، موضحة أن هذا الحفل أقيم في مؤسسة تعليمية، لما لهذه المؤسسة من رمزية ودلالة، لأنهم في الوزارة يراهنون على سياسية القرب وعلى إعادة المبادرة لفاعلين التربويين في الحقل التعليمي.

من جهته، قال أنكو لندبيري، سفير الاتحاد الأوروبي في الرباط، إن مساهمة الاتحاد الأوروبي في هذا التمويل تهدف إلى عصرنة النظام التعليمي في المغرب، وإلى التحسين من جودة التدريس ومساعدة الطبقات المعوزة في الولوج إلى المؤسسات التعليمية بهدف تفعيل مبدأ تكافؤ الفرص سواء في داخل النظام التعليمي وبين الطبقات المعوزة والرجال والنساء.

وأبرز أنكو أن ما دفع الاتحاد الأوروبي إلى اتخاذ هذه الخطوة هو أن للتربية أبعادا كثيرة، إذ تهدف في المجال السياسي إلى تكوين مواطنين أكثر مسؤولية وأكثر تعاطيا مع المجال الديمقراطي، كما تهدف في المجال الاقتصادي إلى الانتقال نحو بلد عصري حديث، قادر على المنافسة داخل المنظومة الاقتصادية على المستوى الدولي، وهو ما يتطلب حسب رأيه وجود مواطنين جد متدربين وأكفاء من أجل أن يكون المغرب قويا وغنيا، كما أن التربية في بعدها الأخلاقي تسمح بتكافؤ الفرص بين المواطنين، معتبرا برنامج المغرب في مجال التربية والتعليم له أولية كبيرة لدى الاتحاد الأوروبي.