المغرب: تقرير عن حرية الصحافة يكشف «تزايد خطرها» على الأفراد ومصالح الدولة

شعور خاطئ لدى الصحافيين بتوفرهم على «حصانة خاصة».. وتشديد على حقهم في الحصول على المعلومة

TT

كشف تقرير صدر أمس عن المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان المغربي حول حرية الصحافة والتعبير في المغرب، خلال سنة 2008، أن توسع مجال الممارسة الصحافية، وظهور وسائل نشر غير تقليدية مثل الصحافة الإلكترونية، أسهم في زيادة خطر تجاوز القوانين المقيدة لحرية الإعلام من طرف الصحافيين، وما يتبع ذلك من متابعات قضائية، حيث انتقل الوضع في السنوات الأخيرة من «الخوف على الصحافة من السلطة التنفيذية، إلى الخوف منها على حرية الأفراد والمصالح الأساسية للدولة».

وحمل التقرير الصحافيين مسؤولية عدم تقدير عواقب ذلك، بسبب الحماس، وتوافر شعور مغلوط لديهم بأنهم يتوافرون على «حصانة خاصة».

وأرجع التقرير زيادة خطر تجاوز القيود المقررة على حرية الصحافة والتعبير التي هي في الأصل «حرية نسبية»، إلى عدد من العوامل من بينها وضعية الصحافة والصحافيين بالمغرب، فمجال الصحافة يعرف منافسة شديدة غير متوازنة تزداد حدتها بحكم التطور الحاصل في وسائل الإعلام والاتصال، إضافة إلى ضعف إمكاناتها المالية والبشرية، إذ تعتمد الصحف على دعم الدولة والإعلانات «مما يخشى معه خطر وقوعها تحت ضغط أو تأثير سلطة المال، وهو ما قد يفقدها المصداقية والموضوعية بل الحرية، فضلا عن تبعيتها أحيانا لأحزاب أو نقابات». كما أن ظروف عمل الصحافي واقتحامه مجالات جديدة معقدة مثل الأمن، والمؤسسة العسكرية، والقضاء، حيث يصعب الوصول إلى الخبر أو الحقيقة، تطرح إشكالية قدرتها على تقدير صحة ما ينشر، أو مدى خطورة ذلك على مصالح أو حقوق أساسية للمجتمع والأفراد، وبالتالي يزداد خطر التسرع في نشر أخبار غير صحيحة ربما تحت ضغط السبق الصحافي.

أما السبب الثاني، حسب التقرير، فهو ازدياد اهتمام الصحف المغربية بالشأن العام، وبخاصة الصحف المستقلة، التي اهتمت بشكل أكبر بسلبيات تسيير الشأن العام، التي تثير اهتماما لدى الرأي العام المغربي. لكن، على الرغم مما للصحافة من دور إيجابي في الكشف عن السلبيات بقصد فتح حوار وإيجاد حلول مناسبة لها، فإن «الحماس الصحافي قد يتجاوز أحيانا حدود النقد المباح إلى القذف».

وذكر التقرير أن الشعور المتزايد بقيمة الرسالة الإعلامية في المجتمع يغذي بدوره خطر تجاوز القوانين، وبخاصة عندما يختلط بإحساس مغلوط لدى الإعلاميين بتوافرهم على حصانة خاصة، وهو ما قد يعكس إلى حد ما تجاهلا للقيود المقررة قانونا لحماية مصالح أساسية للدولة، أو حقوق الأفراد وحرياتهم، بل إن «حجم الخطر على الحياة الخاصة للأفراد وأعراضهم يفوق أحيانا حجم الخطر على مصالح الدول، وقد استجاب تعديل قانون الصحافة لهذا الخطر وجرّم الاعتداء على الحياة الخاصة».

وأشار التقرير إلى أن متابعات الصحف وصدور أحكام قضائية ضدها يظل عددها السنوي قليلا لأسباب عدة، وهي الإجراءات الخاصة التي تقيد في عدد من الجرائم حرية النيابة العامة في تحريك المتابعة، وكذا عدم تتبع الأفراد العاديين لما ينشر ضدهم، وتفضيلهم عدم عرضه على القضاء.

أما نوع المتابعات التي حوكمت من اجلها الصحف، فتتعلق بالإخلال بالاحترام الواجب للملك، وبث أخبار زائفة، وقذف شخصيات حكومية من بينها قضاة.

كما لاحظ التقرير أن تطور وسائل النشر وظهور الصحافة الإلكترونية، التي تتميز بسرعة وقوة الانتشار داخليا وخارجيا، «يطرح تحديا جديدا على الضوابط القانونية المقررة لوسائل النشر التقليدية».

وأفاد التقرير أن تحريك المتابعات القضائية ضد الصحف، وإصدار أحكام بالسجن أو بأداء غرامات مالية باهظة، أسهم في تقوية تضامن الصحافيين، ودعم الجمعيات الحقوقية لهم، وأعاد إلى الواجهة المطالبة بإصدار قانون جديد للصحافة، ورفع سقف المطالبة بتوسيع فضاء الحرية الإعلامية، ومراجعة العقوبات السالبة للحرية، والمطالبة بإحداث قضاء متخصص في القضايا الصحافية. وفسر التقرير هذا الأمر على أنه «درجة جديدة من عدم الثقة، في حين أن القاعدة هي أن القضاء هو المعول عليه في حماية الحقوق والحريات بما فيها حرية الصحافة».

ولتجاوز كل هذه الإشكالية، خلص التقرير إلى أن حرية التعبير في المغرب بأشكالها كلها تطورت، نتيجة لما يعرفه المغرب من تطور في مسار البناء الديمقراطي وحماية حقوق الإنسان، وبالتالي انتقل الوضع من «الخوف على حرية التعبير من السلطة التنفيذية إلى الخوف منها، وبخاصة على الحياة الخاصة للأفراد، بحكم تطور وسائل التعبير، وهو ما يطرح تحديات جديدة على القانون لمواكبة ذلك، بحيث تنبغي مواصلة دعم حرية التعبير، ودعم الشعور بالمسؤولية بشكل مواز».

ويقترح المجلس لتحقيق هذا التوازن دعم مقومات ممارسة الحرية الصحافية، وهي منح الصحافي الحق في الوصول إلى مصادر الخبر، والحصول على المعلومات من المؤسسات العمومية، لتنجب وقوعه في الخطأ، أو الوصول إلى المعلومات بطرق غير شرعية، وضمان حق المواطن في الإعلام، ثم دعم حق النقد بتوسيع الهامش الموجه إلى عمل الموظف العام، وليس إلى شخصه، ودعم المهنية وأخلاقيات المهنة، عن طريق تأهيل المؤسسات الصحافية وتنظيمها، والرفع من قدراتها المهنية، ودعم الثقة في القضاء عن طريق فتح تواصل بنّاء بين القضاء والإعلام لتجاوز أزمة الثقة بين الطرفين، ثم تبني «سياسة عمومية وتشريعية متكاملة ومتجددة في مجال الصحافة والنشر»، لأن المغرب في حاجة إلى تشريع صحافي وإعلامي يساير تطورات العصر، ويستجيب للرأي العام والدولة والمجتمع.

وأكد المجلس، في تقريره، أن حرية الصحافة عموما هي «حرية نسبية»، لأن قانون الصحافة المغربي، وما عرفه من تعديلات، وضع قيودا جنائية بهدف إبعاد خطر تجاوز الصحافة ونيلها بالدرجة الأولى من مصالح أساسية للدولة أو ثوابتها، وهي «الملك والملكية، والدين الإسلامي، والوحدة الترابية، والهيئات النظامية، والنظام العام»، أو التحريض على الجرائم وعلى الكراهية والتمييز والعنف، ومساندة جرائم الحرب، والجرائم ضد الإنسانية، وسب الأشخاص وقذفهم، وانتهاك الآداب والأخلاق العامة، وهذا يتطابق مع ما نص عليه القانون الدولي لحقوق الإنسان، الذي أقر أن «ممارسة الحق في حرية التعبير ترتبط بواجبات ومسؤوليات خاصة، وعلى ذلك فإنها قد تخضع لقيود معينة».

كما أن الدستور المغربي الذي ضمن هذه الحرية، أشار بدوره إلى أنه لا يمكن وضع حد لممارسة هذه الحريات إلا بمقتضى قانون، وهذا يعني أنه لا يمكن إلغاء أو تعطيل تام لحرية التعبير بأشكالها جميعها، لأن ذلك سيكون مخالفا للدستور.

وتطرق تقرير المجلس كذلك إلى ظاهرة الاحتجاجات المرتبطة بدورها بحرية التعبير، ولاحظ أنها أصبحت أكثر انتشارا، وأنها عرفت توسعا في حجمها وتصعيدا في أساليبها، مما أدى أحيانا إلى الاصطدام مع السلطات العمومية المكلفة بحفظ الأمن العام، مستشهدا بالأحداث التي عرفتها مدينة صفرو عام 2007، وأحداث مدينة سيدي افني في 2008، والتي أدت إلى وقوع اعتقالات ومتابعات ومحاكمات، بل إن التغطية الإعلامية لهذه الأحداث أفضت بدورها إلى متابعة مكتب قناة «الجزيرة» بسبب إذاعة خبر يفيد سقوط قتلى في تلك الأحداث، وهو ما لم يكن صحيحا.

وأكد المجلس أن «ثقافة الاحتجاج في المغرب أصبحت راسخة، وأنها موجهة ضد القائمين على الشأن العام، بهدف الاستجابة لمطالب ترتبط بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية»، ودعا إلى فتح نقاش عام من أجل دعم ممارسة الحريات «بعيدا عن منطق الصراع».